اليمن المستقر.. صمام أمان للخليج والعرب جميعاً

  • 10/12/2015
  • 00:00
  • 5
  • 0
  • 0
news-picture

أبرزت تداعيات الأزمة والقتال في اليمن في امتحان واقعي قاس أهمية هذا البلد كعمق استراتيجي لدول الخليج العربي وصمام أمان للعرب جميعاً، لإشرافها على ممر باب المندب، كمنطقة عبور للنفط العربي والمتصل عالمياً بحركة التجارية. وكانت واقعة غلق باب المندب في حرب أكتوبر 1973، امتحاناً سابقاً لأهمية اليمن من الناحية العسكرية، حيث فطنت القيادة المصرية آنذاك مبكراً لهذا الموقع الذي من خلاله استطاعت القيادة العسكرية المصرية أن توجه ل إسرائيل ضربة قاصمة أثناء الحرب. إذاً باتت مسألة الحفاظ على يمن مستقر وآمن ليست مهمة اليمنيين، فقط بل هي مهمة دول الخليج والدول العربية، لهذا هبت تلك الدول للتهديد الجدي على المنطقة عموماً والعالم، بعد انقلاب جماعة الحوثي المدعومة من إيران على الشرعية، فقد شعرت المملكة العربية السعودية وبقية الدول الخليجية، بأن الخطر يداهم عقر دارهم ومن شأنه أن يمتد إلى المحيط العربي وبالتالي يؤثر أيضاً دولياً. لم يكن لدول الخليج والدول العربية أن تترك اليمن يسقط في مشروع التمدد الإيراني، فكانت عاصفة الحزم التي استجابت لمستحقات القيمة الفعلية لموقعه الجغرافي وتعداده البشري الكبير وأهمية الحفاظ على استقراره السياسي، وهكذا لأول مرة مضت الدول الخليجية لتفعيل إرادتها السياسية تجاه الخطر المحدق بالمنطقة عموماً، وكان مشروع القرار الخليجي في مجلس الأمن بشأن اليمن الذي وافقت عليه 14 دولة، والذي خرج تحت الرقم 2216 كقرار مهم اتخذه مجلس الأمن الدولي في إبريل/ نيسان 2015، وليلتحم الأمر بقرارات القمة العربية الأخيرة التي استجابت للمسألة اليمنية والتوافق على إنشاء القوة العربية المشتركة الرادعة، سيكون لها شأن في المستقبل. يقول الأكاديمي اليمني المتخصص في التاريخ السياسي لليمن الدكتور مطهر عبد الكريم العزي إن اليمن بموقعه الجغرافي الاستراتيجي يمثل بامتياز همزة وصل بين القارة الإفريقية ودول شبه الجزيرة العربية، وأصبحت اليمن ظهيراً آمناً لكل من السعودية وسلطنة عمان أولاً ولبقية دول الخليج ثانياً، من خلال حمايتها لحدودهما البرية الجنوبية بالنسبة للسعودية والغربية بالنسبة لسلطنة عمان. ويضيف الدكتور العزي أن اليمن يمثل عمقاً استراتيجياً لدول الخليج، وأن أي اضطرابات داخلية يتعرض لها اليمن تنعكس سلباً على أمن واستقرار دول الخليج، مشيراً إلى أن تقويض العملية السياسية في اليمن بسبب الحوثيين وقوات الرئيس السابق وتورط إيران بشكل محوري في دعم الانقلابيين، دفع دول الخليج لاستشعار مكامن الخطر في استمرار الأوضاع المضطربة في اليمن، وهو ما اضطرها لخوض غمار حرب مباشرة مع إيران وأذنابها في اليمن، كون أمن اليمن واستقراره يمثل قضية أمن قومي لكل قطر من أقطار دول مجلس التعاون. تسع من محافظات الجمهورية اليمنية، الواحدة والعشرين، هي محافظات ساحلية وتتميز بتنوع عمقها في اليابسة لتتصل بمحافظات اليمن الأخرى ودول الجوار أيضاً، فضلاً عن الجزر التابعة لبعضها، وهذا أمر يكسب اليمن أهمية ملاحية كبرى واستراتيجية عسكرية، التفتت إليه الدول الكبرى مبكراً، وكان الأمر جلياً في حرب الخليج الثانية. يقول الباحث السياسي والعسكري الدكتور علي الخلاقي، تكمن الأهمية الاستراتيجية لليمن بالنسبة للعالم العربي ودول الخليج بشكل عام في عدة اتجاهات منها: مضيق باب المندب وبحر العرب، وأهمية الجزر اليمنية سقطرى وميون وكمران، وتحكم موقع اليمن بأهم الطرق التجارية، وما تمتلكه اليمن من حدود بحرية شاسعة وشريط ساحلي يمتد لآلاف الكيلومترات. ويضيف الدكتور الخلاقي، كما يتمتع اليمن بأهمية اقتصادية لامتلاكها العديد من الثروات الطبيعية والمواقع السياحية، كما يعد اليمن أكثر البلدان تميزاً بإرث حضاري وثقافي متنوع، ولفت إلى أن جميع تلك المقومات جعلت اليمن محل أطماع ليس فقط في العصر الراهن، حيث سبقه في العصور القديمة الأطماع الرومانية والفارسية والأحباش، وحالياً تجددت الأطماع في المد الفارسي عبر أدواتهم الحوثيين الذين لا يمثلون المذهب الزيدي المعتدل. أسباب عديدة كانت وراء ضرورة قيام عاصفة الحزم العربية، بفعلها الخليجي المباشر ضد انقلاب جماعة الحوثي المسلحة وحليفها الطارئ الرئيس المخلوع علي صالح الذي لطالما كان عدواً للجماعة وخاض ضدها ستة حروب خلال الفترة 2004 2010، لأن السكوت على هذا الانقلاب الذي مثل امتداد لأطماع إيران التوسعية في المنطقة، يمثل خطراً محدقاً على المنظومة الخليجية والعربية. وهكذا تجسدت المصلحة الخليجية العربية المشتركة في اليمن في ضرورة إعادة الشرعية إلى البلاد، ممثلة بالرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي، والقضاء على الانقلاب الحوثي وتمرد المخلوع الذي تقاطعت مصالحه مع الحوثيين وبالتالي مع إيران. وأيضاً كانت دول الخليج أمام اختبار حقيقي كبير في تنفيذ اتفاقية التسوية السياسية المعروفة بالمبادرة الخليجية بعد خروج جماعة الحوثي عن المبادرة والسيطرة على السلطة بقوة السلاح، بمعية ميليشيات المخلوع صالح، وهي الاتفاقية التي وجدت أيضا رعاة دوليين من خلال سفراء تلك الدول لدى اليمن. كما وجدت المصالح المشتركة تعبيرها في مكافحة الإرهاب، بعد تصاعد خطر ونشاط تنظيم القاعدة، ولاحقاً داعش وحماية المصالح الاقتصادية المشتركة من خلال إبعاد أي تهديد للملاحة البحرية في المنطقة. يؤكد الكاتب والصحفي اليمني عبد الله ناجي، أهمية الموقع الجغرافي والاستراتيجي لليمن، باعتبار اليمن يمثل ظهر الخليج، وهنا لا بد من تعزيز تلك العلاقة القوية القائمة على المصالح المشتركة للحفاظ على أمن واستقرار المنطقة عموماً، من خلال دعم الاقتصاد اليمني لما له من تأثير إيجابي في المستقبل، كون اليمن حدودها البحرين تمتد للبحرين العربي والأحمر، وتسيطر على مضيق باب المندب الحيوي والمهم الذي تمر فيه سنوياً حوالي 21 قطعة بحرية. ويشير إلى أن لليمن أهمية كبيرة على مستوى الوطن العربي عبر باب المندب، كونه له تأثير قوي على الأمن القومي العربي، والأهم أيضاً التكتلات الاقتصادية على الصعيدين الإقليمي والعربي، لأن الاقتصاد أحد الأعمدة والركائز الأساسية لتحقيق النهضة الحقيقية والتنمية الشاملة والأمن والاستقرار في أي بلد. إذا كانت عاصفة الحزم العسكرية جاءت لإعادة الشرعية إلى اليمن ومنع الانقلاب الحوثي من السيطرة على البلاد، وبالتالي إيقاف التمدد الإيراني، فإن تواصل عمليات العاصفة، من خلال التحالف العسكري الخليجي بمشاركة مصر والمغرب والأردن والسودان، ولاحقاً بدء عملية إعادة الأمل، بهدف التهيئة لحل سياسي للأزمة وإيقاف القتال، إلا أن توسع الأمر باتجاه الإغاثة الإنسانية ومشروع إعادة إعمار ما دمرته الحرب، يضع اليمن وسط الوجود الخليجي في الجزيرة العربية، ولا يبتعد ذلك عن مسألة التفكير بانضمام اليمن إلى مجلس التعاون الخليجي، كأمر ملح يمكن من خلاله الاستفادة من العمالة اليمنية والكادر العسكري والعلمي اليمني المؤهل، وهو ملف لا يستبعد النظر فيه لاحقاً. ويعتبر الأكاديمي السعودي المتخصص في علم الاجتماع السياسي الدكتور محمد عبد العزيز المطلق أن أمن اليمن ودول مجلس التعاون كل لا يتجزأ، وأن اليمن تمثل عمقاً استراتيجياً لدول الخليج وللمنطقة. ويلفت الدكتور المطلق إلى أن اليمن يتمتع بموقع استراتيجي متفرد فهو يشرف على مفاتيح منافذ الباب الجنوبي للبحر الأحمر، كما يربط حزام أمن الجزيرة والخليج العربي، ابتداء من قناة السويس وانتهاء بشط العرب. وبعد أن تنتهي الحرب، وإثر هذا الإسهام الخليجي الجذري والعميق في المسألة اليمنية، سيكون من الصعب النظر إلى التكتل الخليجي مجلس تعاون دول الخليج العربي، من دون وجود اليمن فيه، بكل دلالات الأمر سياسياً وأمنياً وعسكرياً واقتصادياً واجتماعياً وثقافياً. ويمكن النظر للأمر من زاوية تأمين نقل الإمدادات النفطية الخليجية إلى دول العالم من دون مخاوف، وتأهيل القوات المشتركة الفاعلة الآن في العمليات العسكرية باليمن لتكون نواة قوة عسكرية خليجية وعربية مشتركة وفقا لتوجهات مقررات مؤتمر القمة العربية الأخير في مصر للحيلولة دون التهديدات الإيرانية والأجنبية، وهي القوة التي ستكون أقل كلفة من استمرار وجود القوات العسكرية الأجنبية في المنطقة، فضلاً عن أن تلك القوة المأمولة ستكون صداً للعدو الإسرائيلي، في حالة تفعيلها في هذا الاتجاه.

مشاركة :