أكد خبراء اقتصاد أن المسؤولية المجتمعية للشركات العاملة في السودان تعتبر طوق النجاة الذي سوف يسهم في تعزيز البرامج التنموية للحكومة الانتقالية بشكل سريع، في ظل سعيها لكبح عجز موازنتها بسبب قلة الموارد عبر إلغاء الدعم تدريجيا، والذي شوه هيكل اقتصادها لسنوات. الخرطوم – يواجه السودان معركة مفصلية أخرى في طريق تجسيد خطط الإصلاح الاقتصادي واقعيا من خلال دفع مبادرة المسؤولية المجتمعية للشركات والتي تعول عليها الحكومة من أجل توفير الوظائف والمساهمة في التنمية. وتكتسب المسؤولية الاجتماعية للشركات أهمية متزايدة في الاقتصادات الناشئة والبلدان ضعيفة الموارد، حيث ينحسر دور الدولة في النشاط الاقتصادي، ويزداد دور القطاع الخاص بما يعني إطلاقا قويا للسوق الحر. وتعمل هذه الوضعيى على كبح سعي الشركات لتحقيق الربح الأقصى وتعمل في المقابل لتحقيق الربح الأمثل الذي يعني مساهمة المنشآت الخاصة في تحقيق أهداف المجتمع بدلا عن الانكفاء على المصالح الفردية الخاصة. ورغم مساعي الحكومة من أجل السير في هذا الطريق، إلا أنها تواجه بعض العراقيل ظهرت في شكل مطالبة المجتمعات المحلية بولاية شرق دارفور للإسراع في تنفيذ الاتفاق المبرم في أبريل الماضي مع شركات التعدين تجاه السكان. ويطالب سكان المنطقة بالتوظيف الفوري مع المشاركة في الإدارات العليا للشركات والتعاون وتصحيح العلاقة بين الشركات والمجتمعات المحلية وإزالة كل المعيقات لضمان تنفيذ توجه الحكومة لزيادة الإنتاج. وتأتي هذه المطالب في ظل ظروف صعبة للقطاعات الإنتاجية في مختلف المجالات، وهو ما أعاد إلى الواجهة دور المسؤولية المجتمعية لدى قطاع الأعمال وتحويلها من تقديم الرعاية إلى التنمية المستدامة. 5 شركات تعمل في قطاع التعدين أبدت التزامها بمعاضدة جهود الحكومة في التوظيف والتنمية وتقوم المسؤولية المجتمعية التي وثق مفهومها في المواصفة القياسية (إيزو) على فكرة أن تنتهج المنشآت سلوكا مسؤولا مجتمعيا ويجعل أداءها المتعلق بالمجتمع والبيئة جزءا مهما من قياس أدائها الكلي. وتجد السلطات السودانية نفسها في موقف محرج من أجل المضي قدما في برنامج الإصلاح الاقتصادي المتفق عليه مع صندوق النقد الدولي وكبار المانحين الدوليين بسبب المؤشرات السلبية التي ما انفكت تدخل إلى المنطقة الحمراء. وكانت وزارة الطاقة والنفط قد توصلت إلى تكوين آلية مثلت فيها الأطراف من أصحاب المصلحة وأطلق عليها اسم الآلية الرباعية ضمت إلى جانب الوزارة شركات البترول والسلطات الولائية والمجتمعات المحلية. ويصف المسؤولون تلك العملية بأنها آلية الشراكة الذكية للتنمية المجتمعية بمناطق البترول بولاية شرق دارفور (الآلية الرباعية لحقول النفط والطاقة بالسودان). وتضم شرق دارفور 5 حقول للنفط وهي تعد من أهم الولايات السودانية في إنتاج الخام. وكان مدير المسؤولية المجتمعية في الوزارة إسماعيل أبكر قد أكد مؤخرا أهمية تقديم الدعم من قبل شركات البترول تجاه مناطق الإنتاج في ثلاثة محاور أساسية تشمل المياه والصحة والبيئة. وتبدي الشركات العاملة في المنطقة استعدادها للتعاون التام مع المجتمعات المحلية وتقديم الدعم في المحاور المذكورة وفق الميزانية المرصودة في كل عام، خاصة وأن التزام رجال الأعمال والمستثمرين عامل حاسم في نجاح الإصلاحات. ونقلت وكالة الأنباء السودانية الرسمية عن ممثل شركة شارف للبترول، لم تذكر هويته، أن الشركة رصدت 1.5 مليون دولار للمسؤولية المجتمعية في مواقع عمل الشركة والتي تقع في ثلاث ولايات. وتنفذ شركة بترو إنيرجي للبترول هي الأخرى مشاريع بتكلفة تقدر بحوالي 1.7 مليون دولار صرفت معظمها على مشروعات خدمية وتبقى منها القليل. ويعتبر السودان أحدث دول العالم التي تدخل إلى مجال رؤية المستثمرين في الأسواق الناشئة الذين يبحثون عن فرص في أماكن تنفتح فقط على رأس المال الأجنبي، ما يعني أن هناك احتمالات للحدّ من مستويات البطالة المرتفعة البالغة نحو 40 في المئة من خلال توفير فرص عمل للعاطلين. وتزايدت الضغوط على الحكومة من أجل الإسراع في انتهاج سياسات اقتصادية جديدة للحد من تراجع قيمة العملة المحلية ومحاصرة التضخم وتحقيق معدلات نمو مستقرة ومساعدة الفقراء على تجاوز أزماتهم المعيشية. ووضعت السلطات برنامجا محليا للإصلاحات يهدف إلى جعل الناتج المحلي الإجمالي ينمو بشكل تدريجي، وإزالة التشوهات وتحسين القدرة التنافسية وتعزيز الحوكمة وهو ما يحقق في النهاية الحصول على تأشيرة تخفيف عبء الديون. وزارة الطاقة والنفط: تقديم الدعم من قبل شركات البترول يشمل المياه والصحة والبيئة وتقضي خطة الإصلاح بإلغاء دعم الوقود الكبير لإفساح المجال للمزيد من الإنفاق الاجتماعي، بما في ذلك برنامج دعم الأسر والإنفاق الصحي، كما سيتم توسيع القاعدة الضريبية من خلال ترشيد الإعفاءات الضريبية. واتخذت السلطات تدابير تجاه سعر صرف موحد للجنيه الذي فقد قيمته بشكل كبير أمام الدولار وإرساء إجراءات مقاصة في السوق مقابل الحصول على التمويل الكافي من المانحين لدعم السكان من خلال الانتقال الصعب إلى اقتصاد قائم على السوق يعمل بشكل جيد. وكانت الخرطوم قد شرعت في تطبيق برنامج دعم للأسر الفقيرة، أي نحو 32 مليون سوداني من جملة سكان البلاد البالغ عددهم 44 مليونا تقريبا، يهدف إلى تقديم الأموال نقدا للفقراء بغية تخفيف آثار الإجراءات الاقتصادية القاسية. وسيستمر البرنامج بالاتفاق مع صندوق النقد لمدة عام تقريبا، وإذا أثبتت العملية نجاحها فإن الخرطوم يمكنها الحصول على المزيد من القروض والتمويلات من المؤسسات المالية الدولية حتى تواصل تطبيق البرنامج على مراحل. وقطعت الخرطوم شوطا كبيرا في إعفاء ديونها البالغة حوالي 50 مليار دولار، من خلال تسوية نحو 80 في المئة من ديون الدول المشاركة في مؤتمر المانحين الذي انعقد في باريس قبل أسابيع، ومثلها من ديون لدائنين آخرين. كما استعاد البلد، الذي عانى سكانه من أزمات اقتصادية لسنوات، بشكل تدريجي نسق العمليات المالية الدولية والتحويلات النقدية العابرة للحدود، بعد رفع اسمه من قائمة الإرهاب الأميركية.
مشاركة :