الأقصى... حصار العقل الإسلامي

  • 10/12/2015
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

لم يخطـــــئ سارتر حين أكد ضمن أفكاره الثرية أن الاشتـــراط التاريخي موجود في كل دقيقة بل فــي كـــل لحظــة مـــن حياتنا، ولعل أصوب التشخيصات المتعلقة بتأزمـــات العالم الإسلامي والعقل الإسلامي بوجه أخص هـــو أنه قد عصف بفكرة الاشتراط التاريخي. تلك الفكرة العميقة والمنطبعة في المفهوم العام باستحالة الانفلات من شرطيات التاريخ وضوابطه وقوانينه ونظرياته وتجاربه الخصبة والعابرة. والمتأمل يجد أن العقل الإسلامي المعاصر وبعد أن فقد أبجديات وجوده الفاعل نراه قد أصبح مطوقاً بآليات الرعب والهلع التي تحول دون إبداع إستراتيجية قويمة إلا إستراتيجية الغياب وما تعكسه من معاناة وتنافر حاد، لا سيما مع قضية الأقصى شديدة الوطأة والتي اختفى على أثرها أي بريق أمل في أن يظل السلم هو الخيار الأوحد وسط خيارات عدة يمثل الشر أدناها. فالمعالجة للقضية وطبقاً لهذا العقل تتنافي مع طبيعتها وتؤدي إلى التصعيد نحو اللاحل والذي يمثل بدوره الحل الأمثل لدى الدولة العبرية بأساطيرها الدينية. فإذا لم يستطع هذا العقل أن يبتكر إستراتيجية لصون مقدساته وحماية عقائده وتاريخه وجغرافيته وحضارته التليدة، فعليه أن يعايش تلك الاستراتيجيات الغربية الممارسة عليه والتي جعلته في حال إنكفاء وحصار دائم. وعلى ذلك فعليه أن يغادر إستراتيجية الغياب التي كانت هي الميكانيزم المحوري في علاقاته مع عدوه التاريخي والتي تجاوزت نصف قرن، ويعي أن للمتغير الزمني حتميات تتمحور بين البقاء والفناء، وأن تغيير الخريطة الذهنية أصبح يعد من المرجعيات الحياتية لأن تيار الوعي لا بد له أن يواكب صيرورات الزمن. فليس للعقل الإسلامي إلا أن يخوض إستراتيجيات التوازن والتواصل والتي تعتبر ساحة المعركة فيها هي العقول المقاومة والمدافعة والمستهدفة إختراق الدفاعات الذهنية المهيمنة على عقل الآخر. وليس بتلك اللغة الساكنة أو الوعظية وإنما بلغة أخرى تحمل كلماتها شرارة للعقل لا تأملاً سلبياً أجوف. فالحضور الذهني سيحرر العقل من تأثير العدو ويحجم داخله تلك الكتلة المسمومة ويعيدها إلى أصلها، من ثم فإن ذلك يبعث بالضرورة على المسار الصحيح، وإنه مهما تشتد المعارك وتعنف فليس للعقل بأي حال أن يفقد توازنه. وإذا كان العقل الإسلامي المتطرف ينادي بإقامة دولة الخلافة ويغض الطرف عن سطوة الدولة العبرية على الأقصى، قبلة المسلمين الأولى، لأن ذلك بالطبع لديه ليس من معطيات دولة الخلافة، وكذلك إذا كان العقل الإسلامي المعتدل قد أعجزته الحيل سياسياً وإستراتيجياً وديبلوماسياً وتعامل مع تلك السطوة باعتبارها قدراً لا فرار منه، فكيف للأقصى أن يتحرر يوماً ما؟ إن الحادث للأقصى الآن ليس جديداً وإنما هو حصاد جولة زمنية استغرقت أكثر من خمسة عقود متوالية حتى بلغت إسرائيل من مآربها ما بلغت، لكن لم يكن لهذه العقود أي معنى ديناميكي يغربل العقل الإسلامي ويطرح أمامه بدائل مثيرة يمكن أن تقيله من عثرات مستقبلية أو أن يستفزه تراكم التجربة الآثمة التي بلغت الذروة بفعل خشوع العقل الإسلامي تجاه مهابة الجبروت العسكري. إن الحصار المشدد على الأقصى الآن وقبل الآن إنما يرمي في جوهره إلى إحكام الحصار على العقل الإسلامي، ذلك الحصار الذي يضمن للدولة العبرية مزيداً من الانطلاق والتوسع والسيطرة والتفرد وسحق الكيان العربي عاجلاً وآجلاً بتلك الآلية من الأكاذيب والادعاءات والاختلاقات التي تهزم الحقائق والثوابت داخل ذلك العقل المستكين الهادئ القانع الرافض لواقع فكرة أن التاريخ كله لم يكن إلا حرباً متصلة كما قال ديورانت، ويتجاهل حقيقة عليا مؤداها أنه لن يتدفق قدر أكبر من الحياة لدى البشر إلا عبر الفكر.

مشاركة :