اقتصاد النفط يبقي التحديات المالية للعراق في دائرة الخطر بغداد- يرى محللون أن الأرقام الرئيسية الأخيرة الصادرة عن وكالة موديز للتصنيفات الإئتمانية يمكن أن ترسم صورة متفائلة للاقتصاد العراقي على المدى القصير، لكن عند التمعن في التقرير، يظهر أن نمو إنتاج النفط هو نقطة الضوء الوحيدة في أفق قاتم، كونه عصب الصادرات، ويشكل المصدر الأكبر لإيرادات الموازنة. ورغم تثبيت موديز تصنيف العراق عند سي.أي.أي 1 مع نظرة مستقبلية مستقرة، إلا أن ذلك يعكس بوضوح مدى التحديات الائتمانية التي يطرحها اعتماد البلد الكبير بشكل استثنائي، اقتصاديا وماليا، على إيرادات النفط. مؤشرات سلبية ويعكس حجم الديون المتراكمة على العراق حالة مزمنة من الفساد والفشل في إدارة موارد البلد الذي يمتلك بالإضافة إلى ثروته النفطية الهائلة مقدّرات كبيرة في قطاع الزراعة، فضلا عن توفر بنية صناعية أرسيت خلال عقود خلت لكنها دمرت بفعل الحروب والتراخي عن تطويرها. وتشير أرقام وزارة المالية العراقية إلى أن الدين العام للبلد بلغ بنهاية العام الماضي أكثر من 113 مليار دولار، منها 40 مليار دولار لا تزال معلقة لصالح ثماني دول منذ ثمانينات القرن الماضي. ويعقّد حجم المديونية جهود حكومة مصطفى الكاظمي للخروج من الأزمة الحالية الناتجة عن الجائحة وتذبذب أسعار النفط، والتي انعكست على موازنة الدولة، التي أقّرت بعجز قيمته 43 مليار دولار من حجم إجمالي بلغ 103 مليارات دولار. وتتضح ملامح هذه الوضعية على القدرة الشرائية للعراقيين وتدني مستوى الخدمات العامة وارتفاع مستوى البطالة والفقر، وهي ظواهر يقول خبراء اقتصاد إنها باتت ملتصقة بتجربة الحكم في البلاد منذ الغزو الأميركي في 2003. ومن المتوقع أن يؤدي الارتفاع في عائدات النفط جنبا إلى جنب مع التأثير الناتج عن خفض قيمة العملة المحلية حيث يبلغ الدولار 1460 دينارا، إلى تقليص العجز في المالية العامة إلى 5.4 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2021. وتشير إحصاءات شركة بريتش بتروليم (بي.بي) لأوضاع الطاقة في العالم، إلى أن احتياطيات العراق النفطية المؤكدة تبلغ نحو 150 مليار برميل، ليحتل المرتبة الخامسة في العالم، ما يمثل نحو 8.8 في المئة من الاحتياطيات العالمية المؤكدة. وعلى الرغم من تقليص النفقات غير الملزمة بموازنة 2021، إلا أنها بقيت تتضمن إصلاحات أساسية مثل التدابير الخاصة بتحسين إدارة المالية العامة وتحصيل الإيرادات المحلية. لكن الفجوة المالية ستواصل اتساعها على المدى القريب، فمن المرجح أن تبلغ احتياجات تمويل الموازنة في المتوسط قرابة 13.7 مليار دولار سنوياً، أي ما يعادل 7.5 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، حتى العام 2023، وهو مستوى مرتفع مقارنة مع مستويات ما قبل جائحة كورونا. وتبدو الحكومة العراقية عند مفترق طرق عبر قيامها بإصلاحات محدودة لاقتصاد في أمسّ الحاجة إلى التحول وذلك بسبب مجموعة من العوامل المتداخلة، التي دفعت معدل البطالة إلى الارتفاع ليبلغ 40 في المئة والفقر بنحو 31 في المئة من تعداد السكان البالغ قرابة 40 مليون نسمة. وتقول وكالة موديز إن التقدم في التنوع الاقتصادي لا يزال بطيئا ويعرقله ضعف بيئة الأعمال ومناخ الاستثمار، حيث يقبع العراق في المراكز الأخيرة على مؤشر سهولة الأعمال الصادر عن البنك الدولي لعام 2020، إذ يحتل المرتبة 172 من أصل 190 دولة. كما أن الفساد المستشري في مفاصل الدولة رغم جهود الحكومة لمكافحته يشكل التحدي المؤسسي الأكبر الذي يواجهه العراق، في ظل مشهد سياسي متشرذم ومخاطر الاستقرار السياسي المتزايدة وهي عوامل تهدد بمواصلة إبطاء التقدم في الإصلاحات المؤسسية والاقتصادية. وربط مستشار رئيس الوزراء علاء عبدالحسين في تصريحات نقلتها وكالة الأنباء العراقية الرسمية تسديد القروض بتحسن المداخيل بشكل أكبر. وأشار إلى أنه لا يمكن للحكومة التصرف بالوفرة المالية من ارتفاع النفط إلا بشروط. وقال عبدالحسين، إن “تحسن أسعار النفط في الأسواق العالمية إيجابي بالنسبة إلى اقتصاديات الدول النفطية وخصوصا التي تعتمد بنسبة كبيرة على النفط في موازناتها”. وأوضح أن “الفائدة التي يجنيها العراق خلال هذه السنة من زيادة أسعار النفط سوف تساهم بتغطية العجز في الموازنة إذا استمرت الأسعار على هذا النحو إلى نهاية السنة”. وأضاف، أنه “في حال زيادة سعر برميل النفط عن الـ77 دولارا فإن ذلك سيساهم بتحقيق وفرة لا تكون كبيرة جدا ولكنها ستساهم بشكل إيجابي في موازنة 2022 وستساعد الحكومة بموضوع سداد القروض الموجودة عليها”. ولطالما حثّ صندوق النقد الدولي الحكومة العراقية بتمهيد الأرضية لإصلاحات هيكلية متوسطة المدى، تستطيع دعم إدارة سياسة اقتصادية شاملة بشكل أفضل وتقوية قدرة الاقتصاد على تحمل الصدمات. ومن شأن تنفيذ الإصلاحات أن تساعد في تخفيف العجز في المالية العامة وضغوط سعر الصرف. ومع ذلك، تبقى القضايا الأكثر هيكلية مثل أجور موظفي القطاع العام وأوجه الجمود في المعاشات التقاعدية دون معالجة. ويقدر المحللون أنه بإمكان العراق أن يحصل على مكاسب مالية سنوية قدرها 11 مليار دولار في حال تم تنفيذ السياسات الداعمة للنمو في القطاعات غير النفطية جنباً إلى جنب مع معالجة أوجه الجمود في موازنته المالية. التقدم في التنوع الاقتصادي لا يزال بطيئا ويعرقله ضعف بيئة الأعمال ومناخ الاستثمار، حيث يقبع العراق في المراكز الأخيرة على مؤشر سهولة الأعمال الصادر عن البنك الدولي لعام 2020 وقال ساروج كومار جاه، المدير الإقليمي لدائرة المشرق بالبنك الدولي في وقت سابق هذا العام إن “الإصلاحات الهيكلية تعد أمرا جوهرياً لخلق مستقبل اقتصادي مستدام في العراق”. وأضاف أن “إعادة البناء بشكل أفضل هي الركيزة الأساسية لتوفير فرص عمل للشباب والمساعدة في استعادة التوازن في نفوس المواطنين، ناهيك عن التحولات المطلوبة لبناء فرص اقتصادية متكافئة للمرأة العراقية”. ونتيجة للضغوط الشديدة التي واجهها الاقتصاد العراقي خلال العام الأول من الأزمة الصحية، فقد تراجع ناتجه المحلي الإجمالي إلى 178 مليار دولار، مقارنة بنحو 230 مليار دولار قبيل تفشي الجائحة.
مشاركة :