ألقى فضيلة الشيخ صلاح بن محمد البدير إمام وخطيب المسجد النبوي خطبة اليوم حيث استهل فضيلته الخطبة قائلاً : تمر علينا الغدايا والعشايا وتخطفنا الآجال والمنايا وتكدر عيشنا المصائب والبلايا فلا تركنوا إلى دنيا نوالها زوال ودوامها محال وغاية أمرها انتقال وارتحال كم سرت ثم سرت وكم بت ثم برت وكم درت ثم فرت وكم من غني ثري كان يلبس الفيء اللين من ثيابها ويأكل الطري الناعم من طعامها ويركب الهني الوطني من دوابها حتى برك الزمان عليه بجرانه ووقع عليه البلاء بأثقاله كم من عزيز أعقب الذل عزه فأصبح مرحوما وقد كان يحسد فيا من تجمعون حطامها وتكسبون آثامها لا تغرنکم الفسحة ولا تنسينكم المهلة ولا تظنوا أن الدنيا لا تحول ولا تحسبوا أن العطاء لا يزول واعتبروا بقوم قد انهمكوا في المعصية و تركوا الموعظة وتعالوا على التذكرة ولم يقصدوا الشكر ولا أصغوا إلى الإنابة قد فتح الله عليهم رخاء الدنيا وسرورها فظن العبيد أن النعم لا تبيد ففرحوا وبطروا فاستأصل الله شأفتهم، ومحا آثارهم قال جل وعز: (فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّىٰ إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُم بَغْتَةً فَإِذَا هُم مُّبْلِسُونَ) وأضاف فضيلته بالتذكير بزمن النقلة وساعة اللقاء والعرض ويوم الحساب والتوفية وتذكروا نشر الصحائف فيها مثاقيل الذر ومثاقيل الخردل تذكروا يوما لا ينفع فيه الأب الشفيق ولا الأخ الشقيق ولا الصديق ولا الرفيق تذكروا ( يوم يفر المرء من أخيه وأمه وأبيه وصاحبته وبنيه لكل امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه ) فيا له من شغل شاغل وخطب هائل لا يلتفت فيه أحد إلى قرابته ولا إلى صحابته كل شأنه الفرار والاعتذار لعظم الأهوال وتغير الأحوال قال عكرمة: يلقى الرجل زوجته فيقول لها: یا هذه، أي بعل كنت لك ؟ فتقول: نعم البعل كنت وتثني بخير ما استطاعت، فيقول لها: فإني أطلب إليك اليوم حسنة واحدة تهبينها لي لعلي أتجو مما ترين فتقول له: ما أيسر ما طلبت، ولكني لا أطيق أن أعطيك شيئا أتخوف مثل الذي تخاف وإن الرجل ليلقى ابنه فيتعلق به فيقول: يا بني، أي والد كنت لك؟ فيثني بخير فيقول له: يا بني، إني احتجت إلى مثقال ذرة من حسناتك لعلي أنجو بها مما ترى فيقول له: يا أبت، ما أيسر ما طلبت، ولكني أتخوف مثل الذي تتخوف، فلا أستطيع أن أعطيك شيئا فاتقوا الله أيها المسلمون فمن ضاعت في البطالة والجهالة أيامه وكثرت في صحيفته أوزاره وآثامه فمقام الحسرة غدا في القبر مقامه إلا أن يرحمه أرحم الراحمين وكم هلك من أموات ولم تزل تجري عليهم السيئات و كم مضى من أموات ولم تزل تجري عليهم الحسنات فأي حال لمن انقطعت أنفاسه ولم تزل تجري عليه أرجاسة وأي حال لمن انقطعت حياته ولم تزل تجري عليه حسناته فلا تسيروا في ركاب الهابطين ولا تقعوا في حبائل الساقطين واستعيذوا بالله من نخسات الشياطين والتجئوا إليه فإن الاعتصام بالله واللجأ إليه هو العمدة في الهداية، والعدة في مباعدة الغواية، أقول ما تسمعون واستغفر الله فاستغفروه ويا فوز المستغفرين . واختتم فضيلته الخطبة بقوله : تحل بكم العشر الزاهرات المباركات هي موطن النفحات وموئل البركات وخير أيام السنة والعشر المفخمة المقدمة المفضلة المبجلة التي أقسم الله بهن لفضلهن على سائر الأيام فقال جل وعز ( وليال عشر ) وهي العشر الأولى من شهر ذي الحجة وقد ثبت فضل العمل الصالح فيهن على عمله في غيرهن ففي الحديث العظيم الجليل عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ما من أيام العمل الصالح فيها أحب إلى الله منه في هذه الأيام العشر. قالوا: ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال: ولا الجهاد في سبيل الله، إلا رجل خرج بنفسه وماله، ولم يرجع من ذلك بشيء » أخرجه البخاري هي خير الأيام فضلا و زمانا وأعظمها قدرا و مكانا فاكثروا فيهن من التكبير والتحميد والتهليل وسارعوا فيها إلى الأعمال الصالحة على اختلاف أنواعها وبادروا العشر قبل فواتها واغتنموها قبل انقضاء زمانها واجتهدوا في الطاعات راغبين فيها غير متثاقلين عنها وصلوا وسلموا.
مشاركة :