لا تطلبوا من الأردنيين التفاؤل بمخرجات اللجنة الملكية لماذا يعتقل الناس في الأردن ويسجنون لأشهر طويلة خارج منظومة القضاء بناء على قرار من موظفين في الحكومة وبموجب قانون عمره سبعة عقود ولطالما كان موضوعا للجدل الحقوقي والتظلمات؟ تحدّيات حقوقية تحتاج إلى تدخل ملكي شهر مضى على تشكيل لجنة الإصلاح السياسي بقرار من العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني، لكنّ شيئا لم يَرشح عن إنجاز تقدم في ملفات البحث الرئيسية ولم ترافق أعمال اللجنة أي لفتات تطمئن الأردنيين أو توحي بأن الأمر مختلف هذه المرة عن سابقاته من لجان وملتقيات ومبادرات إصلاحية تبخرت واستقرت في أذهان الناس على أنها من أشكال الفزعة التي تناسب حدثا أو ظرفا بعينه وسرعان ما تذهب أدراج الرياح. بعد أن استقبل الناس تشكيل "اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية" بالفتور المشوب بالحذر رغم كل ما أحيط بها من تأكيدات وتصريحات على سبيل الطمأنة، لا يزال من مصلحة الحكم الخروج من دائرة الكلام وتهيئة المشهد السياسي للإصلاح بخطوات عملية على الأرض. لماذا لا يزال البلد، رغم استقرار الوضع الوبائي وقرب العودة إلى الحياة الطبيعية، يدار منذ 16 شهرا بقانون الدفاع الاستثنائي الذي استخدمته الحكومة للتضييق على الحريات العامة وأشبعه النشطاء والمنظمات الحقوقية بالانتقادات؟ لن يلتفت الناس إلى وعود الإصلاح ولجانه وكُتابه والمروجين له، وهم يشاهدون الأجهزة الأمنية توظف قانون الدفاع، الذي يسود في زمن الحرب، لاعتقال ناشط كتب عبارة على فيسبوك أو شارك في مظاهرة سلمية أو صحافي أعدّ تقريرا لا يعجب الحكومة. الأردنيون استقبلوا تشكيل "اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية" بالفتور المشوب بالحذر رغم كل ما أحيط بها من تأكيدات على سبيل الطمأنة ليس غريبا التشكيك في صحة وجدوى بقاء قانون الدفاع والناس تقرأ عن الضغوط التي تفرضها أجهزة الأمن على العمل الإعلامي لدرجة منع الصحافيين من تغطية قضايا معيّنة ومنها ما يمس حقوق الإنسان، بمقتضى القانون الاستثنائي الذي وعدت الحكومة عند بدء سريانه، بتطبيقه في أضيق الحدود وفي مجالات احتواء الوباء لا غير. وللأردنيين أن يتساءلوا عن الإضافة التي قدمها قانون الدفاع في إطار مكافحة كوفيد - 19، على ما يمكن للإدارات الصحية أن تقدمه، مثل سائر دول العالم، من دون الحالة الاستثنائية التي فرضت كآبة إضافية مجانية على ما يعيشه المجتمع في ظل الوباء. لم يأت قانون الدفاع إلا بالمزيد من الإحباط للفئات الاجتماعية الأشد ضعفا، وهذا ما أثبتته أرقام البطالة التي اكتسحت أكثر من نصف الشباب القادرين على العمل ومؤشرات الناتج المحلي وتفاقم عجز المالية العامة وارتفاع المديونية، في الأشهر التي أدارت خلالها الحكومة أزمة الوباء. الآن من المتوقع أن يتزايد الضغط على النشطاء المعارضين خصوصا بسبب "الدوريات الإلكترونية" التي تنشرها أجهزة الأمن على شبكة الإنترنت. وهي إن كانت أداة لا تناسب العصر إنسانيا ولا تكنولوجيا وأظهرت فشلها في أكثر من دولة، إلا أنها تعدّ مؤشرا على العقل الأمني الذي يسعى لمحاصرة آراء الناس وفرض نفوذه على المشهد السياسي. كان في وسع الأجهزة الأمنية أن تستمر في تنفيذ دورياتها الإلكترونية المعتادة منذ سنوات طويلة دون الإعلان عن ذلك، لولا أن الذهنية الأمنية أرادت التنبيه إلى وجودها ودورها وأنها غير بعيدة عن التأثير في صلب القضايا التي تبحثها لجنة الإصلاح. لجنة إصلاح سياسي ودوريات إلكترونية تعملان معا في وقت واحد في الأردن، فهل تعملان معا بالفعل أم أن لكل مجاله وضرورته وأوساطه، وهما على طرفي نقيض في الجانب الحقوقي؟ ثم تطلب أجهزة الحكم والإعلام الرسمي من الناس أن يتفاءلوا بما سيخرج عن اللجنة الملكية! أيضا لماذا يُعتقل الناس في الأردن ويُسجنون لأشهر طويلة خارج منظومة القضاء بناء على قرار من موظفين في الحكومة، وبموجب قانون عمره سبعة عقود ولطالما كان موضوعا للجدل الحقوقي والتظلمات؟ قضاء موازٍ قائم في الأردن تحت أيدي الحكام الإداريين، وهم موظفون حكوميون من الفئة العليا أو المتوسطة، مع “قانون منع الجرائم” الذي يمنحهم سلطة تقديرية واسعة لاحتجاز الناس ومحاسبتهم على نواياهم بناء على "القناعة الشخصية" للحاكم الإداري بأن شخصا ما "كان على وشك ارتكاب أي جرم أو المساعدة على ارتكابه". الوضع الحقوقي في المملكة ينتظر أن يكون موضع بحث في الولايات المتحدة بين العاهل الأردني الزائر وإدارة الرئيس الأميركي جو بايدن الآن، ماذا يفعل هذا القانون الذي سنّه الأردن في 1954 بعد بضع سنوات على الاستقلال؟ ولم تفلح كل النداءات والدعوات والمبادرات في أن تزحزحه من مكانه. وبسبب هذا القانون ظل عمل المحافظ والمتصرف مرتبطا إلى حد بعيد في أذهان الناس بالأبعاد الأمنية أكثر من الإسهام في تحقيق أهداف التنمية وتطوير الحكم المحلي. هذه هي الأجواء الحقوقية التي تعمل في ظلها اللجنة الملكية. وإن كان مقدّرا لها أن تفعل شيئا خلال أقل من ثلاثة أشهر، فلا شيء الآن يدعو إلى التفاؤل مع غياب أي تمهيدات أو إشارات إلى أن الوضع الحقوقي سيتغير إلى الأحسن. وحتى الجوانب الرئيسية الثانية على غرار تشريعات الانتخاب والأحزاب وتعديلات الدستور، فلم تقطع اللجنة شوطا ملموسا أو معقولا لإنجازها. وحيث أن المخرجات المنتظرة من عمل اللجنة تمس قضايا خلافية متعلقة بالمشاركة السياسية والتمثيل الديموغرافي والمناطقي للأردنيين في البرلمان والأحزاب، من المتوقع أن تبقى المخرجات رهينة الأخذ والرد حتى بعد تحولها إلى مجلس النواب والمرور في القنوات الدستورية المعمول بها. أيضا من المرجّح أن يكون الوضع الحقوقي في المملكة موضع بحث في الولايات المتحدة بين العاهل الأردني الزائر وإدارة الرئيس الأميركي جو بايدن التي سبق وأعلنت عن أولوية قصوى لحقوق الإنسان في سياستها الخارجية. بانتظار الأول من أكتوبر وهو موعد انتهاء المهلة التي حددها الملك لإنجاز مخرجات اللجنة، يبحث الناس عن تسجيل أي مكسب حقوقي يبتعد بالحياة السياسية عن الاعتبارات الأمنية البحتة وأمزجة المسؤولين، ولديهم تجربة طويلة ومريرة مع لجان الإصلاح والحوار السياسي وتعلّموا ألا يأخذوها على محمل الجد. شاكر رفايعة كاتب أردني
مشاركة :