تشهد الحرب الدولية على الإرهاب التي تقودها أميركا منذ هجمات 11 أيلول (سبتمبر) 2001 تحوّلات دراماتيكية، ستجعل المجموعات الإسلامية الشيعية المرتبطة بإيران الهدف الأساسي لها، بدلاً من "القاعدة" و"داعش". فبعد ما يقارب العشرين عاماً على انطلاق الحرب باجتياح أفغانستان ومن ثم العراق، تكمل واشنطن سحب جنودها من أفغانستان منهية فصلاً من حرب لا أفق محدداً لها، كان عنوانها استهداف المجموعات الأصولية الإسلامية السنية حول العالم. أما الآن وقد تمت تصفية معظم القادة الرئيسيين لهذين التنظيمين مثل أسامة بن لادن وأبو بكر البغدادي، واقتلاع "داعش" تقريباً من كامل مناطق سيطرتها في سوريا والعراق، يبدو أن أنظار الغرب وحلفائه مسلّطة اليوم على المجموعات التي تعمل تحت قيادة الحرس الثوري الإيراني، مثل "حزب الله" في لبنان ومعظم ميليشيات الحشد الشعبي في العراق والميليشيات الشيعية في سوريا. ويحظى "حزب الله" بالاهتمام الأكبر، كونه أقدم هذه المجموعات وأكثرها قوة وأهمية وانتشاراً في المنطقة والعالم. وكان لافتاً عدم مشاركة إيران وروسيا في المؤتمر الذي عقد في روما آخر الشهر الفائت للتحالف الدولي لمحاربة "داعش"، ما يعكس تعاظم الخلاف بين القوى الغربية والعربية مع إيران وروسيا حول أهداف الحرب واستراتيجيتها ضد الإرهاب. وقد أعلن المجتمعون أن الحرب على "داعش" انتقلت من سوريا والعراق الى القارة الأفريقية التي ستكون عنوان مسرح المواجهة مع المجموعات الأصولية السنية. أما في ما يخص منطقتي الخليج العربي والشرق الأوسط وأفغانستان، فالمواجهة ستكون مع المجموعات المرتبطة بإيران والتي تعتبرها مجموعة مهمة من الدول ـ يزداد عددها مع الوقت ـ بالإرهابية. فالجمهورية التشيكية كانت تاسع دولة أوروبية تنضم الى قائمة دول تصنف "حزب الله" بشقيه السياسي والعسكري تنظيماً إرهابياً. وهذه القائمة تضم دولاً مهمة مثل بريطانيا وألمانيا، بالإضافة الى الولايات المتحدة الأميركية والجامعة العربية ومجلس التعاون الخليجي. ولقد بدأت واشنطن خلال الأشهر الماضية إضافة مجموعات وقادة لبعض ميليشيات الحشد الشعبي في العراق الى قائمة الإرهاب. والضربات التي توجهها أميركا للميليشيات في العراق وسوريا تضعها واشنطن في خانة الحرب الدولية على الإرهاب. هذا في وقت سيخفف الانسحاب الأميركي من أفغانستان من الاشتباك اليومي بين القوات الأميركية وحركة "طالبان" الإسلامية السنّية، وتبقي في نشرات الأخبار الأميركية والغربية الميليشيات الشيعية المرتبطة بإيران مصدر التهديد الوحيد الحالي لأميركا والغرب في المنطقة. وعليه، فلقد عادت مجموعات الإسلام السياسي الشيعي للواجهة في الحرب مع الغرب، بعدما سرقت "القاعدة" ولاحقاً "داعش" الأضواء منها لعشرين عاماً. ستساعد سياسة طهران في الضغط المضاد على أميركا لفك الحصار عنها والتي تعتمد على استخدام ميليشياتها لشن ضربات ضد القواعد والمصالح الأميركية في المنطقة، على تكريس الواقع المستجد. ويبدو أن الرئيس جو بايدن قرر عدم السير بسياسة الرئيس السابق باراك أوباما التي اعتمدت على تجاهل عمليات إيران العسكرية من أجل تسهيل الوصول الى اتفاق نووي معها عام 2015. فالإدارة الحالية تقوم بالرد عسكرياً على هذه الضربات. وهناك مؤشرات الى أنها قد تصعّد من وتيرة ضرباتها الانتقامية في الساحتين السورية والعراقية. وليست عملية إعادة تموضع القوات الأميركية في المنطقة إلا مؤشراً الى ذلك. فخطوة واشنطن الأخيرة نقل مخازن السلاح والعتاد ومراكز القيادة لقواتها البرية والمشتركة من قاعدة سيليا في قطر الى الأردن هي لتقليص عدد الأهداف الأميركية لإيران في منطقة الخليج، ونقلها الى مكان أكثر أماناً وقرب ساحة العمليات النشطة ضد ما تعتبره مجموعات إرهابية في كل من العراق وسوريا. كما أن الحرب الاستخبارية بين إيران وإسرائيل تتصاعد بالكمّ والنوعيّة، ولا تستثني ميليشيات إيران في المنطقة. وتجدر الإشارة الى قرار هيئة "تحرير الشام" المدعومة من تركيا والتي تسيطر على إدلب وريف حلب بطرد عناصر أجنبية مرتبطة بـ"القاعدة" من شمال سوريا، وهي بحسب بعض المراقبين، خطوة على طريق إضعاف أو إنهاء ارتباط المجموعات الأصولية السنية بالساحة السورية. تعمد العديد من الأحزاب الأوروبية الى رفع الضغوط على قيادة الاتحاد الأوروبي لتصنيف "حزب الله" بشقيه العسكري والسياسي تنظيماً إرهابياً. وهناك ضغوط مماثلة من الأحزاب في أستراليا. سيساهم انتخاب الرئيس الإيراني الجديد، إبراهيم رئيسي، وهو من التيار المتشدد، في تعقيد الموقف. فهذا التيار، وإن حاول إعطاء تطمينات للغرب من أجل التوصل الى اتفاق نووي جديد، فهو لن يستطيع وقف النشاطات العسكرية للحرس الثوري وميليشياته، كونها تأتي في سياق استراتيجيا توسعية للجمهورية الإسلامية باتجاه البحر المتوسط. لذلك، ستستمر الهجمات العسكرية بين الحين والآخر والتي بدورها ستبقي الأضواء مسلطة على الحركات الأصولية الشيعية. ومن اللافت للنظر هو أن إيران والدول التي تقع تحت نفوذ ميليشياتها تعاني أزمات متشابهة. فجميعها تعاني انقطاع التيار الكهربائي والمياه، وانهيار العملة الوطنية، وانتشار الفساد في أروقة السلطة، وتطبيق مصارفها للكابيتال كونترول بأشكال ومسميات مختلفة، والانقسامات السياسية الداخلية الحادة، وخروج شعوبها في تظاهرات احتجاجية على تردي الأوضاق المعيشية. هذه الأوضاع ستخدم الإعلام الغربي الدولي بإظهار شعوب هذه الدول للرأي العام العالمي على أنها ضحية المجموعات الأصولية الشيعية، ويبقيها ضمن خانة حربه الدولية على الإرهاب. وتأخذ حملة واشنطن ضد "حزب الله" بعداً مهماً على الساحة الأميركية، إذ تجري محاكمات لأشخاص اعتقلتهم السلطات المحلية في قضايا مختلفة متعلقة بتمويل الحزب أو حتى التجسس لمصلحته. وتنشط الأجهزة الأمنية في الولايات المتحدة وبعض دول أميركا الجنوبية في مطاردة مافيات تهريب المخدرات وتبييض الأموال، متهمةً إياها بالتعامل مع "حزب الله". وصنّفت خمس دول في أميركا الجنوبية "حزب الله" تنظيماً إرهابياً، ويتوقع المراقبون أن يزيد عددها في الأشهر المقبلة. وتتردد بعض الدول بأخذ هذه الخطوة خشية على جنودها المنتشرين في صفوف قوات الأمم المتحدة (يونيفيل) في جنوب لبنان. وإذا أجبرت الضغوط الخارجية والداخلية قادة بعض الدول (بخاصة الأوروبية) التي لديها جنود ضمن اليونيفيل على تصنيف "حزب الله" إرهابياً، فإنها ستقدم على سحب ما لديها من جنوب لبنان، ما سيضع علامة استفهام كبيرة على مستقبل هذه القوة. وبناءً على كل ما تقدم، فإن مناطق وجود الميليشيات الشيعية التابعة لإيران في المنطقة ستشهد استمراراً لحالة التصعيد الأمني والانهيار الاقتصادي والسياسي، لكن تحت مسمى الحرب الدولية ضد الإرهاب.
مشاركة :