دخلت الرواية اليمنية منذ بداية الألفية الجديدة في مرحلة فارقة من التاريخ اليمني، لتقدم أسماء وأعمالا شكلت إضافة وسعة لها، ووضعتها داخل المشهد الروائي العربي بقوة، ومن هنا تأتي أهمية دراسة الناقدة سهير السمان "الرواية المنية في الألفية الثالثة" حيث تحلل التقنيات الفنية والجمالي في عدد الروايات اليمنية التي عبرت عن تشظي الواقع وأزماته منها وتكشف عن المرجعيات الثقافية والسياسية والاجتماعية التي أنتجت مثل هذه الأعمال من خلال رواية "أغيلاس" للروائي عبد الرحمن منصور، رواية"تراي شيزوفرينيا" للكاتب اليمني جمال الشعري، وروايتي "نصف إرادة"لهشام المْعلم،و"حصن الزيدي" للمغربي عمران، وغيرها. ترى السمان في كتابها الصادر عن دار النابغة أن اليمن خطت مسارها في الخطاب الروائي منذ بدايات القرن الماضي، ولا شك أن هذا الفن قد أثبت وجوده في العالم الغربي منذ ظهور الثورات البشرية على الاقطاعية، وبروز الطبقة البرجوازية، كطبقة مؤسسة لهذا الفن، وما كان على الساحة الثقافية اليمنية إلا أن تبرز تواجد هذا الفن، كضرورة إنسانية تحمل أدواتها القادرة على التعبير. ووصل الفن الروائي ذروته في مطلع الألفية الجديدة وخصوصا بعدالعام الحادي عشر من الالفية الجديدة، فدفعت المطابع الكثير من الروايات، تتفاوت في مستوياتها بتفاوت التجارب التي أنتجتها، وهو مؤشر قياسي في زمن الحرب والحصار والغياب. لكن قدر السرد ولذته تكمن في مواجهة الفناء والموت. وتضيف أنه في محاولة للبحث عن مراحل تشكل الخطاب الروائي اليمني، وجد الباحثون اليمنيون أن عمر الرواية اليمنية يصل إلى أكثر من ثمانين عاما. وخضع الخطاب الروائي اليمني خلال هذه الفترة لتحولات لعل أولها التحول في المؤشر الإحصائي، فعند المقارنة بكم النشر في سنوات النصف الأول من القرن العشرين الذي كان قد يمر فيه سنوات دون أن ينشر فيه عمل روائي واحدة نجد أن المعدل المنشور من الروايات يتزايد خلال العقود التالية من النصف الثاني للقرن العشرين، أما الآن وفي الألفية الجديدة، يشهد العام صدور مجموعة من الروايات محليا وخارجيا. وتتابع السمان أن ثاني هذه التحولات هو التحول في الموضوعات، فمن الموضوعات التقليدية التي كانت تتسم بالإرشاد والنصح، والقضايا الأخلاقية، التي شكلت تيمات رئيسية في الخطاب الروائي، إلى تأريخ مسارات الثورات اليمينة وأحداثها، أو الهجرة وقضايا الوطن والريف، مما يطق عليه بالقضايا الكبرى. إلى ظهور مجالات جديدة في السرد والتعاطي معها، حيث تحول الاحتفاء بالتاريخ من العام إلى التاريخ الفردي، أو الخاص للذات اليمنية المعاصرة، المنشغلة بهموهما وذاتها، والحاملة لأسئلة وجودية أنتجتهاالمتغيرات الثقافية والانفتاح والتفاعل مع الآخر، مثل التحول في تناول موضوع الهجرة بوصفه تجسيدا لرحلة الشقاء والعذابات الممتدة عبر مئات السنين، إلى ارتياد مجال العلاقة بالآخر ومحاولة اكتشاف الذات في مرايا الآخر. كما أن التحولات في الموضوعات تطرقت لأدق التفاصيل التي كان الحديث عنها معدوما، كالتفاصيل الحياتية المعاشة لوضع المرأة، ووضعها الاجتماعي في اليمن، فظهرت العديد من التجارب الروائية التي خاضت في التابوهات، كتابو "الجنس" والذي نراه متمثلا في أعمال علي المقري في رواية "حرمة" وفي أعمال وجدي الاهدل"قوارب جبلية" ونبيلة الزبير في عملها "زوج حذاء لعائشة". على الرغم من اننا نجد هذه الموضوعات وبقوة في أعمالالروائي محمد عبدالولي المتوفي ستينيات القرن الماضي، والتي تعد تجربته التجربة الرائدة في مسار تحول الرواية اليمنية، وهي تجربة فنية مكتملة، استطاع من خلالها أن يضع أمام القارئ العربي قضايا اليمن بأكملها. وتشير إلى أن أكثر مؤشرات التحول يكمن في ظهور خطاب روائي يبرز قضايا فئات المجتمع المهمشة، تتجلى في ظهور الخطاب الروائي للمرأة، الذي اهتم بهموم المرأة واصطدم بالواقع وبالعادات والتقاليد الموروثة. كذلك ظهور الخطاب الذي ركز على حياة الأقلية الدينية والاجتماعية الموجودة في اليمن كاليهود، والأخدام، فكانت أعمال الروائي علي المقري؛ التي شكلت هذا الخطاب في "طعم أسودرائحة سوداء" و" اليهودي الحالي"؛ وأعمال محمد الغربي عمران"حصن الزيدي" و"ظلمة يائيل". واختلفت الرؤى في تقديم هذه الفئات من كاتب إلى آخر، بداية بحضوره على استحياء في رؤيتين مختلفتين في كل من روايتي " ركام وزهر" ليحيى الأرياني، في صورة المعلم سالم اليهودي رمزا للطيبة والخبرة بشؤون القرويين، و"زهافار" لياسر عبد الباقي؛ التي تقدم صورة لليهودي المتطرف، إلى الغوص في تفاصيل العلاقة بالآخر اليهودي، الذي صاغته روايتي "اليهودي الحالي" و"ظلمة يائيل". ونصل إلى ظاهرة الإرهاب التي شغلت اهتمام كتاب الألفية الجديدة في اليمن، حيث أرخ الخطاب الروائي اليمني للظاهرة وتجلياتها، كما سنراها في رواية أغيلاس "لعبد الرحمن منصور، "وأبوصهيب العزي"لوليد دماج، و"السمار الثلاثة " لسعيد العولقي. وجميع هذه المؤشرات وغيرها الكثير، تندرج ضمن التطور والتحول في الفن الروائي، والوعي بالكتابة الروائية، وتقنياتها الحديثة على مستوى الشكل والمضمون. وتلفت السمان إلى أنه من تحولات الخطاب الروائي اليمني وضع الباحثون اليمنيون في مجال السرد الروائي تحقيبا لمراحل هذا التحول بحيث يمكن التمييز بين مراحل التطور في العملية السردية. فهناك من قسمها إلى ثلاث مراحل كما في دراسة د.عبدالحكيم باقيس، ومنهم من قسمها إلى أربعة مراحل كما هي في دراسة د.إبراهيم أبوطالب. أولا مرحلة الريادة:وهي مرحلة البدايات وحددها أبو طالب بإصدار رواية "سعيد" 1939 لمحمد علي لقمان بينما أطلق عليها د.باقيس "بالبدايات الروائية" والتي تبدأ عنده بصدور رواية "فتاة قاروت" لأحمد عبدالله السقاف في أواخر عشرينيات القرن الماضي.وهذه المرحلة كانت إصداراتها الروائية متقطعة، تمثلت في إصدار رواية "كملاديفي" للقمان، أيضاّ في 1947، ثم رواية "يوميات مبرشت" للطيب أرسلان، في عام 1949، حتى رواية "حصان العربة" 1959، لعلي محمد عبده.وتميزت هذه المرحلة بخطاب مشوب بفن الصحافة، وتعالج من حيث المضمون قضاياأخلاقية واجتماعية عالية النبرة من حيث المباشرة والسطحية. ثانيا مرحلة التأسيس : وهي المرحلة الواقعية على حد تعبير د.باقيس، والتي بدأت في ستينيات القرن العشرين وكان من أبرز كتاب هذه المرحلة، محمد عبد الولي، في رواياته "صنعاء مدينة مفتوحة"، "ويموتون غرباء". و محمد محمود الزبيري في "بلاد واق الواق" ومحمد علي عبده في"مذكرات عامل". وثالثا مرحلة التجنيس: وهي المحددة بجيل السبعينات والثمانينات من جيل الفن الروائي، حيث استقرت الرؤية الفنية. ومثالها رواية "الرهينة" لزيد مطيع دماج. ورابعا مرحلة التجديد: وهي مرحلة التسعينيات "الرواية الجديدة" بحسب د.باقيس، والتي أصبحت فيها الكتابة الروائية تمارس بوعي تام لطبيعة هذا الفن واشتراطاته، حيث لم الخيال وحده ما يشكل النص السردي، وإنما الخبرة والثقافة التي تقف خلف إنتاج النصوص الجديدة. وتبدا هذه المرحلة برواية "الملكة المغدورة" لحبيب سروري، و"إنه جسدي" لنبيلة الزبير، و"قوارب ثلجية" لوجدي الأهدل. وبناء على ذلك اختارت السمان في دراستها هذا مرحلة جديدة من التأليف الروائي، وهي الألفية الجديدة، التي أصبح فيها الفن الروائي يشكل مساحة كبيرة من الإنتاج الأدبي في اليمن وأقصد برواية الألفية الجديدة هي تلك الأعمال التي اتخذت مسارا مغايرا من حيث الموضوعات، والتي ركزت على الخلفيات التاريخية والاجتماعية لانفجار الحرب وتدهور الأوضاع في اليمن، وتضيئ أحداث الحرب والثورة. كما أنها تنوعت في تشكيلها الفني، من خلال اللعب على التقنيات السردية الجديدة، وتوظيفها فنيا. وتقول "اخترت في دراستي العمل على تحليل الروايات من الناحية التقنية، حيث أن هذا الجانب لم يحظ بالدراسة الأكاديمية بشكل موسع، فلم أجد سوى دراسة واحدة للدكتورة آمنة يوسف، اختارت فيها دراسة التقنيات السردية لروايات ما قبل الألفية الجديدة. ونقصد بالتقنيات السردية هي تلك العناصر الأساسية التي يقوم عليها الشكل الروائي، والتي حظيت باهتمام كبير من الدراسة وتأسيس النظريات الخاصة بها من قبل الدارسينفي الغرب والشرق منذ أواخر القرن الماضي، وهي تقنية الزمان والمكان والراوي ووجهة النظر، وكان اعتمادنا في منهجية البحث على عدد من الكتب الأساسية التي أضاءت طريق الدراسة، كان أهمها، خطاب الحكاية لجيرار جينت، وبنية الشكل الروائي لحسن بحراوي، وبنية النص السردي لحميد لحميداني، جماليات المكان لباشلار، تحليل الخطاب الروائي لسعيد يقطين، وغيرها من المراجع. واعتمدت السمان على أربع روايات يمنية كنماذج للدراسة والتحليل وكان اختيارها بناء على فترتها الزمنية، وكذا أنها مثلت الحقبة الزمنية الجديدة من حيث اشتغالها على التقنيات السردية الجديدة، كما أن اختيارها لدراسة الإيقاع الزمني في رواية أغيلاس كان من منطلق توظيف الزمن في الرواية بآلية جديدة، واختارت رواية "تراي شيزوفرنيا" لدراسة عنصر الراوي، وعنصر الفضاء في روايتي "حصن الزيدي" و"نصف إرادة".
مشاركة :