لطالما أشغلت المفكرين والمنظرين جدلية السياسة والدين ومدى تأثير كل منهما على الآخر إلى أن ابتكرت النظرية العلمانية على يد الكاتب البريطاني (جورج هوليوك) والتي تقول بفصل الدين تماما عن الدولة في كافة مؤسساتها وعلى رأسها الهرم السياسي الحاكم على الدولة والمتحكم في صناعة القرار فيها، ولقد تبناها المجتمع الغربي وعلى رأسه أمريكا التي أصبحت لاحقا تعرف عن نفسها بأنها زعيمة وقائدة للعلمانية وأنها تطبقها بحذافيرها على مختلف الصعد إلا أن المراقب لأوضاعها داخليا وخارجيا يشكك في هذا الزعم كثيرا لأسباب عدة سيتم التطرق لبعضها في ثنايا هذا المقال فوجود هذه الأسباب في حد ذاته كاف في نظري لتفنيد المزاعم الأمريكية المتعلقة بتبنيها الكامل للعلمانية منهجا وسياسة.وطرحي لهذا الموضوع لا يعني إطلاقا أنني أتبنى المنهج العلماني معاذ الله أو أدافع عنه وإنما أحاول فقط من خلال خبرة سابقة عايشتها في ذلك المجتمع دامت لعدة سنوات وشاهد أيضا على الكثير من الممارسات التي تدحض وتفضح أكذوبة تبني أمريكا الكامل للمنهج العلماني وزعمها بأنه هي الزعيم الأوحد لهذا المنهج وأن تطبيق مبدأ العلمانية يتحكم في كافة مفاصلها وشؤونها خاصة شأنيها السياسي والعسكري. لذا دعونا نمحص الأسباب سالفة الذكر والتي تفند في نظري أكذوبة تطبيق أمريكا الكامل للمنهج العلماني وأول هذه الأسباب القسم الرئاسي الذي يؤديه كل رئيس جديد يفوز في الانتخابات الأمريكية وهذا القسم منصوص عليه في الدستور الأمريكي والذي تتم مراسمه عبر وضع يد الرئيس المنتخب على الأنجيل خاتما قسمه الرئاسي بقول «so help me God» والذي يعني «لذا ساعدني يارب» وهذا مظهر ديني جلي منصوص عليه كما ذكرت في الدستور الأمريكي، ثم نأتي للسبب الثاني والذي يتمثل في وجود عبارة دينية على العملة الرسمية لأمريكا (الدولار) تقول «in God we trust» وترجمتها للعربية هي «في الرب نثق» وهذا أيضا ملمح ديني واضح كما أن هنالك سببا آخر وإن كان البعض قد يعترض على مدى نفعه ولكني أرى فيه شخصيا دلالة واضحة على تدخل الدين في السياسة الأمريكية وفي حروبها أيضا ويتجلى ذلك فيما قاله الرئيس الأمريكي السابق (جورج بوش) عندما أراد وصف الحرب التي شنتها أمريكا على العراق، حيث وصفها بأنها «Crusades» وهذه المفردة تعني «الحروب الصليبية» وهي مفردة دينية صريحة لا تشوبها شائبة وأن كان «بوش» حاول لاحقا التراجع عنها وتدارك ما يمكن تداركه إلا ذلك المسعى فشل وأسهم ذلك الفشل في دعم التشكيك الذي يدحض حقيقة تبني أمريكا للنهج العلماني بشكل كامل كما هو منصوص عليه في القواميس والمعاجم.أخيرا أقول إن الهدف من هذا التناول هو فقط للتدليل على أن أمريكا التي تزعم أمرا معينا بينما عند التطبيق نجدها تمارس ما يناقضه تماما يستدعي منا الحذر الدائم وعدم تسليم عقولنا لأقوال هذا الطرف أو ذاك إلا بعد التدقيق والتمحيص والتأكد بأن ما أعلنه حقيقي وثابت وصادق فيه حتى نعمل لفراستنا قيمة ولذكائنا قدرا هائلا يجب أن يعلمه الجميع وألا يستهينوا به.ahmed_baniqais@
مشاركة :