أدخلت عملية اغتيال رئيس هايتي، جوفينيل مويز، الأربعاء الماضي، البلاد بشكل أعمق في أزمة سياسية لأن دستورها لا ينص بشكل واضح على من يجب أن يتولى السلطة في مثل هذه المواقف، خصوصاً في ظل الخلاف بين الفصائل السياسية المتناحرة. وتضاف إلى مسألة ملاحقة منفذي الهجوم مسألة مستقبل البلاد بدءاً بحكمها. ويؤكد رجلان حالياً أنهما يديران هذه الدولة التي تعد 11 مليون نسمة، أكثر من نصفهم تقل أعمارهم عن 20 عاماً. وتولى رئيس الوزراء المؤقت بالوكالة، كلود جوزيف، مقاليد السلطة حتى الآن. وعلى الرغم من عدم اكتمال النصاب، انتخب مجلس الشيوخ زعيمه جوزيف لامبرت خليفة مؤقتاً للرئيس الراحل مويز، فيما طلبت الحكومة من الولايات المتحدة والأمم المتحدة إرسال قوات للمساعدة في تأمين مواقع استراتيجية خشية تعرضها للتخريب. وكتب لامبرت على «تويتر» مساء الجمعة: «أعبر عن امتناني المتواضع للمؤسسات السياسية التي تدعمني»، مضيفاً أنه يريد تمهيد الطريق لانتقال ديمقراطي للسلطة. وطلبت رسالة من مكتب رئيس الوزراء المؤقت إلى مكاتب الأمم المتحدة في السابع من يوليو (تموز) الحالي، اطلعت عليها «رويترز»، إرسال قوات لدعم الشرطة الوطنية في إعادة إرساء الأمن، وحماية البنية التحتية الرئيسية. وأرسلت رسالة مماثلة، تحمل التاريخ نفسه إلى السفارة الأميركية. ولا بد أن يوافق مجلس الأمن الدولي على إرسال قوات حفظ سلام أو شرطة تابعة للأمم المتحدة إلى هايتي. ولم تعلق الأمم المتحدة في نيويورك على الفور على الطلب. وقال الوزير المكلف الشؤون الانتخابية، ماتياس بييران، إن طلب المساعدة الأمنية الأميركية طُرح في محادثة بين رئيس وزراء هايتي المؤقت كلود جوزيف ووزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن يوم الأربعاء. وأضاف أنه «خلال محادثة مع وزير الخارجية الأميركي والأمم المتحدة، قدمنا طلب إرسال قوات» إلى هايتي. وقال بيير إن هايتي قدمت أيضاً طلباً لإرسال قوات إلى مجلس الأمن الدولي يوم الخميس. وأوضح الوزير لـ«رويترز»: «إننا في موقف نعتقد فيه أن البنية التحتية للبلاد (الميناء والمطار والبنية التحتية للطاقة) قد تكون هدفاً». وأضاف أن الهدف الآخر لطلب التعزيزات الأمنية هو إتاحة إمكانية المضي قدماً في إجراء الانتخابات الرئاسية والتشريعية المقررة في 26 سبتمبر (أيلول) المقبل. ورداً على سؤال حول الطلب، أكد متحدث باسم وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) أن حكومة هايتي طلبت مساعدة أمنية، وأخرى في مجال التحقيقات، وقال إن البنتاغون سيبقى على اتصال منتظم مع المسؤولين في هايتي لبحث كيف يمكن للولايات المتحدة أن تساعد في هذا الصدد. وبعد شلل دام لأيام، استفاقت بور أو برنس وضواحيها على هدوء حذر هش، وفق ما أفاد به مراسل الصحافة الفرنسية. وعادت وسائل النقل العام والبنوك ومحطات الوقود والمحال والإدارات العامة إلى طبيعتها، حيث تزاحم الناس في المتاجر لشراء الضروريات وتخزينها. وفي تصريح لوكالة الصحافة الفرنسية، قالت مارجوري التي كانت برفقة زوجها في متجر بالعاصمة: «لا أعرف ما الذي سيحدث غداً أو بعد غد في البلاد، لذلك أستعد للأيام العجاف، وأشتري أساساً كل شيء يمكن الاحتفاظ به لأيام عدة». وقال أحد سكان العاصمة لوكالة الصحافة الفرنسية إن «أجانب قدموا إلى البلاد لارتكاب هذه الجريمة؛ نحن الهايتيين مرعوبون». وأضاف: «يجب أن نعرف من وراء كل هذا، وأسماءهم وخلفيتهم، حتى تأخذ العدالة مجراها». ومن جهة أخرى، استأنفت عصابات مسلحة الاشتباكات الجمعة، بعدما توقفت لأربع وعشرين ساعة، ما شل حركة المرور قرب بور أو برنس. ويأتي ذلك في وقت تَواصل التحقيق في عاصمة هايتي بور أو برنس الجمعة في اغتيال مويز، فيما لا يزال الغموض يلف هوية رعاة العملية التي نفذها 28 مسلحاً، هم 26 كولومبياً وأميركيان من أصل هايتي. وقال قائد الشرطة الهايتية، ليون شارل، خلال مؤتمر صحافي: «اعتقلنا 15 كولومبياً وأميركيين اثنين من أصل هايتي»، موضحاً أن 3 كولومبيين قُتِلوا، وأن 8 آخرين لا يزالون فارين. وأضاف شارل أن «الأسلحة والمواد التي استخدمها المهاجمون ضُبِطت»، مؤكداً تصميمه على إيجاد الأشخاص الثمانية الفارين. وخلال المؤتمر الصحافي، عُرِض مشتبه بهم عدة على وسائل الإعلام، مع جوازات سفر كولومبية وأسلحة موضوعة على طاولة. وكان شارل قد قال سابقاً: «لدينا المنفذين العمليين، ونبحث عن المدبرين». وتحدث رئيس الوزراء المؤقت، كلود جوزيف، هاتفياً، الجمعة، مع الرئيس الكولومبي إيفان دوكي الذي وعد بـ«تعاون بلاده في تقدم التحقيق»، وفق بيان صادر عن مكتب جوزيف. وأوضح وزير الدفاع الكولومبي، دييغو مولانو، من بوغوتا، أن 6 على الأقل من المرتزقة الذين يشتبه في أنهم ضالعون في الاغتيال «قد يكونون عناصر سابقة في الجيش»، وأكد في شريط فيديو أُرِسل إلى وسائل الإعلام أنه «لدينا تعليمات للشرطة والجيش لكي تتعاون على الفور في تطوير هذا التحقيق لتوضيح الوقائع». وأعلنت وزارة الخارجية الأميركية، الخميس، أنها قبلت مساعدة الشرطة الهايتية في تحقيقها، لكن من دون تأكيد اعتقال رعايا أميركيين. وقالت المتحدثة باسم البيت الأبيض، جين ساكي، الجمعة: «سنرسل مسؤولين من مكتب التحقيقات الفيدرالي ووزارة الأمن الداخلي إلى بور أو برنس في أسرع وقت». وأعلن مدعي عام بور أو برنس أن مسؤولَين كبيرَين من الشرطة مكلفين مباشرة أمن رئيس الدولة يجري التحقيق معهما، وقد استدعيا للمثول أمام القضاء. وقال مفوض الحكومة في العاصمة، بيد فورد كلود، إن «المديرية المركزية للشرطة القضائية منحت تفويضاً للاستماع إلى جميع عناصر الأمن المقربين من الرئيس جوفينيل مويز».
مشاركة :