بعد أسبوع من مناقشات صندوق النقد الدولي في العاصمة البيروفية ليما، اتفق المصرفيون وصانعو السياسات على أن توقف اندفاع الاستثمارات من الأسواق الناشئة كان أحد أهم التحديات التي تواجه الاقتصاد العالمي. غير أنه لم يكن هناك اتفاق كبير على كيفية معالجة ذلك. وفي الاجتماعات الرسمية، والجلسات المغلقة، كافح المشاركون في الأسواق من أجل التصدي لاستمرار هروب الأموال من أسهم وسندات الأسواق الناشئة، بحثا عن استثمارات أكثر أمانا. وقال هونغ تران، أحد كبار المسؤولين التنفيذيين في معهد التمويل الدولي، وهو عبارة عن مجموعة تجارية للبنوك العالمية: «لم نر أبدا شيئا مثل هذا». وأوضح أنه كان يتوقع أن يبلغ صافي التدفقات الخارجة من الأسواق الناشئة نحو 800 مليون دولار خلال العامين الحالي والمقبل، وحتى الآن وصلت التدفقات الخارجة من الأسواق الناشئة إلى حد غير مسبوق منذ أن بدأت المؤسسات الاستثمار في هذه الأسواق في أواخر ثمانينات القرن الماضي. وتكمن المخاوف في أن تزداد أعداد التدفقات الخارجية بشكل كبير، لا سيما إذا انخفضت العملة الصينية أكثر من ذلك. وهذا قد يؤدي إلى حدوث سلسلة متجددة من أزمات الأسواق الناشئة. وتركز النقاش حول إذا ما كان قرار مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأميركي الشهر الماضي بثبات أسعار الفائدة عند مستوى قريب من الصفر قد زاد من ثقة المستثمر في الأسواق الناشئة أو أضر بها. وذكر صندوق النقد الدولي - مستضيف الاجتماعات الأخيرة، وخط الدفاع الأول لإنقاذ دول الأسواق الناشئة التي تعاني من نقص السيولة النقدية - أنه ينبغي على مجلس الاحتياطي الفيدرالي الامتناع عن رفع أسعار الفائدة في خضم ضعف الاقتصاد العالمي. وقال غاري كوهن، رئيس بنك «غولدمان ساكس»، خلال حلقة نقاشية يوم السبت الماضي: «إذا استيقظت للتو من نوم دام لسنوات طويلة، واضطررت لاتخاذ قرار بشأن رفع أسعار الفائدة، فإنك ستختار على الأرجح عدم فعل ذلك». وأضاف كوهن: «لدينا مشكلة نمو في الاقتصاد العالمي». ومع ذلك، يبدأ هؤلاء الذين يقعون على الخطوط الأمامية لتدفقات الأموال من الأسواق الناشئة - وهم البنوك المركزية لبعض الدول مثل البرازيل وتركيا وماليزيا والمكسيك - في القول إن قرار مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأميركي بتأجيل رفع أسعار الفائدة جعل إمكانية توفير وظائف أكثر صعوبة. ويرجع السبب إلى أنه بدلا من إقامة استثمارات جديدة، يندفع المستثمرون إلى الخروج بشكل سريع، بدافع الفزع من أن مجلس الاحتياطي الفيدرالي لديه مخاوف كبيرة تجاه الصين والأسواق الناشئة الأخرى. وقال جاكوب فرنكل، رئيس بنك «جي بي مورغان تشايس إنترناشيونال»، والرئيس السابق للبنك المركزي الإسرائيلي: «سمعت مرارا وتكرارا هذا الأسبوع من محافظي البنوك المركزية للأسواق الناشئة أن الزيادة نفسها ليست الدافع وراء قلقهم». وأوضح: «تتعلق المخاوف بكم وتوقيت الزيادة». فرنكل هو عضو في ائتلاف المصرفيين والاقتصاديين وصانعي السياسات، الذي يدعى «مجموعة الثلاثين»، والذي أصدر تقريرا يوم الأحد ينتقد مواصلة سياسات البنوك المركزية الفضفاضة. وحث فرنكل هو وزملاؤه الذين أعدوا التقرير البنوك المركزية - وخاصة مجلس الاحتياطي الفيدرالي – على العودة إلى نهج تقليدي للأسواق، عن طريق زيادة أسعار الفائدة بالتدريج. ويجادل بعض الخبراء أن الأموال سوف تستمر في التدفق خارج الصين، وهي السوق الناشئة التي تثير قلق المستثمرين بشكل أكبر، بغض النظر عن إذا ما قرر مجلس الاحتياطي الفيدرالي رفع أسعار الفائدة أم لا. وعلى مدى سنوات، كان المدخرون الصينيون سعداء بإبقاء ثرواتهم بعملة الرنمينبي، لأنهم كانوا يعرفون أنها ستحتفظ بقيمتها، بحسب ديفيد لوبين، رئيس اقتصاديات الأسواق الناشئة في شركة «سيتي غروب». والآن، ومع التوقعات بانخفاض قيمة الرنمينبي أكثر من ذلك «يتطلع المدخرون إلى تحويل ثرواتهم إلى دولارات». وأشار لوبين إلى أن هذا الاتجاه سوف يستمر، بغض النظر عما يفعله مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأميركي. ويظل معيار صندوق النقد الدولي أن حكومات الأسواق الناشئة تحتاج إلى استعادة ثقة المستثمرين، عن طريق مواصلة السيطرة على عجز الميزانية، مع عدم السماح للعملة بالانخفاض إلى حد خارج عن نطاق السيطرة. وقال أريوستو ريفوريدو دي كارفالو، أحد كبار المسؤولين التنفيذيين في البنك المركزي البرازيلي: «ينبغي على دول الأسواق الناشئة تنظيم الوضع الاقتصادي لنفسها». وأضاف: «لا توجد مساعدة خارجية للأسواق الناشئة قادمة من الصين أو مجلس الاحتياطي الفيدرالي. وهذا يضع المزيد من الضغوط على الحكومات للقيام بأعمالها الخاصة بنفسها». وفي حين أن بعض الاقتصاديين وجهوا دعوات للدول الأكثر عرضة للتدفقات إلى فرض ضوابط على رأس المال لجعل خروج الأموال من هذه الاقتصاديات أكثر صعوبة، رفض معظم رؤساء البنوك المركزية في اجتماعات مدينة ليما هذا الخيار. وقال أغوستين كارستينز، رئيس البنك المركزي المكسيكي، خلال حديثه في حلقة نقاشية حول السياسات النقدية في أميركا اللاتينية: «إن أول شيء يسأل عنه المستثمر هو سبيل الخروج». وتابع: «إذا كان لا يعرف طريق الخروج، لن يبدأ استثماراته». وباعتبارها اقتصاد مفتوح، بحسب كارستينز، تعتمد المكسيك كثيرا على هؤلاء المستثمرين لتمويل احتياجاتها لتخويفهم بهذه السياسات. وعلى مدى الأسبوع الماضي، شهدت عملات الأسواق الناشئة وأسواق الأسهم ارتدادا من نوع ما، عن طريق وقف ما كان يعد انحدارا عميقا. ومع ذلك، لا يقتنع المحللون بأن الاستقرار المالي يمكن أن يعود إلى تلك الأسواق من دون شعور أكبر من اليقين حول ما يخطط مجلس الاحتياطي الفيدرالي لفعله. وأوضح ديفيد فرنانديز، المختص في العملة والسندات ببنك «باركليز» في سنغافورة: «لن يؤدي تأجيل الزيادة في أسعار الفائدة سوى إلى زيادة التقلب وعدم اليقين في الأسواق الناشئة». وأضاف: «ستواصل الأسواق الناشئة رؤية تدفق الأموال خارجها». وقد أثار الموقف العام لصندوق النقد الدولي في دعم مجلس الاحتياطي الفيدرالي بعض الانتقادات خلال اجتماعات ليما، لا سيما أن الصندوق يدرك - أكثر من أي مؤسسة أخرى - مدى خطورة الجمع بين عدم اليقين والتدفقات المتقلبة لرأس المال لاقتصاديات الأسواق الناشئة. وذكر مسؤول أوروبي رفيع المستوى، فضل عدم الكشف عن هويته، منتقدا صندوق النقد الدولي: «عندما أسافر حول العالم، لا أجد أحدا يدعم سياسة مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأميركي حول أسعار الفائدة». وتابع: «أصبحت توجهات صندوق النقد الدولي قصيرة المدى». ورأى البعض أيضا أن دعم صندوق النقد الدولي لمجلس الاحتياطي الفيدرالي يتجاوز اختصاصاته، المتمثلة في مراقبة الصحة المالية للدول الأعضاء. وقال أكسيل ويبير، مسؤول كبير سابق في البنك المركزي الأوروبي، الذي يشغل الآن منصب رئيس بنك «يو بي إس» الاستثماري: «ليس لصندوق النقد الدولي دور حقيقي في التعليق على السياسة النقدية». وقد سمع الصندوق هذه الانتقادات. وعلق ديفيد ليبتون، النائب الأول لمدير عام صندوق النقد الدولي، أن الصندوق كان يعلم أن هذا التدفق له آثار جانبية ضارة. لكنه وافق على أنه إذا كان خفض أسعار الفائدة ضروريا لصحة اقتصاد الولايات المتحدة، فإنه إذن ينبغي أن يكون هناك مسار للعمل. وفي الوقت الحاضر، سوف تستمر الأسواق الناشئة في لعب لعبة الانتظار.
مشاركة :