يعتبر تحدي المياه من أكبر التحديات التي تواجه الدول العربية الإفريقية منها والآسيوية مع تفاوت بسيط في مدى الحدَّة، السبب أن الوطن العربي بشكل عام ذو مناخ جاف وأن ما نسبته 65% من الأنهار العابرة لبعض دوله تأتي من خارج هذه الدول، ما يعني أن التحكم بكميات المياه الواصلة مُسيطر عليها من دول المنبع أو الدول الأقرب إلى المنبع التي يمر بها النهر بأراضيها قبل الوصول إلى الدول العربية. يضاف إلى هذا التحدي تحدي عدم استغلال مياه الأمطار والتلوث الذي تهمله بعض الدول، وكذلك الزيادة في عدد السكان التي تفوق نسبتها عند العرب أية نسبة في الدول الأخرى. أزمة سد النهضة الاثيوبي الذي أوشك على الإنتهاء والامتلاء مُهدداً حصة مصر والسودان من مياه نهر النيل الأزلي القت الضوء على مسألتين الأولى تهاون العرب في الدفاع عن حقوقهم وفي مقدمتها حق الحصول على المياه، والثانية مصادرة بعض العرب لحصص الأشقاء من مياه الأنهار المشتركة. تهاون العرب في حماية حقهم المائي برز جلياً في التصدي للسطو الاثيوبي على حصة الشعبين السوداني والمصري من مياه النيل، وحرمان مصر والسودان من شريان الحياة الرئيس في هذين البلدين. مصر مبارك اهملت موضوع السد ولم تتخذ أي إجراء منذ بدء الخطوات الاثيوبية الأولى للبناء، لا بل قيل إن إدارة مبارك تجاهلت بشكل غير مبرر عدداً من الكتب والاتصالات الاثيوبية بشأن السد والحصص المائية، ثم جاءت الفوضى التي عصفت بالدولة المصرية أواخر عهد مبارك والتي انتهت بداية عهد الرئيس عبدالفتاح السيسي، تلك المرحلة الهت مصر عن أي شأن خارجي، فقد استحوذ هدف حماية الدولة ومكتسباتها وأمن مواطنيها كل الاهتمام، فقد كانت المؤامرة على مصر أكبر من أي تحدٍ آخر. في الأثناء كان سد النهضة يكتمل، حتى بات تهديداً حقيقياً يواجه السودان ومصر. العرب تهاونوا في الدفاع عن السودان ومصر وللأسف لم يظهروا أي قدر يُذكر من اشكال التضامن مع دولتين لم تقصرا يوماً في الدفاع عن العرب في كل قضاياهم. كان المتوقع بل الواجب أن يوجه العرب رسالة قوية إلى اثيوبيا تعلن التضامن مع مصر والسودان وتحذر من اتخاذ إجراءات رادعة إذا لم تستجب اثيوبيا لحقوق مصر والسودان في مياه نهر النيل. هذا لم يحدث، ما أغرى اثيوبيا في المضي في مشروعها العدواني تجاه السودان ومصر. بعد هذه المرحلة ما العمل؟ لا بد من دعم مصر والسودان في أي إجراء تتخذانه لوقف العدوان الاثيوبي بما في ذلك اللجوء إلى القوة العسكرية، لأن المسألة لا تحتمل البقاء بدون حل لأن اللاحل يعني القضاء على الزراعة مصدر الغذاء الرئيسي للشعبين السوداني والمصري. في الجانب الآخر نجد دولاً أخرى تعاني من شح في المياه يصل إلى حد التهديد بالعطش. الأردن وسوريا والعراق وفلسطين ولبنان من هذه الدول لكن الأردن يأتي في أعلى القائمة بالحاجة إلى المياه، بالنظر لعدة أسباب تتعلق معظمها بالاستيلاء على حصته من مياه نهر اليرموك من قبل الشقيقة سوريا، بالإضافة إلى تذبذب الهطول المطري الذي يعتبر بشكل عام غير كافٍ لسد حاجة البلاد من المياه، مع الإقرار بالتراخي الحكومي في حفظ مياه الأمطار عبر اقامة مشاريع حصاد مائي من سدود وأحواض وغيرها، أما بقية الأسباب فتقع في الزيادة في عدد السكان ببعديها الطبيعي عن طريق الولادات وارتفاع معدل عمر الإنسان نتيجة تحسن الغذاء والرعاية الصحية والنظافة، أو القصري بسبب تدفق الهجرات بين فترة وأخرى. في ضوء تعنت الشقيق السوري وعدم استجابته لتسييل حصة الأردن من مياه نهر اليرموك اضطر الأردن إلى شراء جزء من العجز الذي يعاني منه من إسرائيل، وهذا مؤلم للمواطن والدولة معاً، لكنها الضرورة التي تدفع الإنسان أحياناً إلى فعل ما يكرهه مُرغماً. سوريا الشقيقة فوق انها تمنع تدفق مياه اليرموك نحو الأردن من خلال اقامة 42 سداً في منطقة حوض النهر، لا تأخذ أبداً في الاعتبار ان مليوناً وربع المليون من المواطنين السوريين يشكلون ما بين 10 إلى 15% من السكان على الأرض الأردنية يستهلكون مياهاً بنفس القدر الذي يحتاجه المواطن الأردني وهم بذلك يزيدون من الفقر المائي في البلاد. وإذ نأسف لذكر هذه الحقيقة إنطلاقاً من مبادئ وأخلاق الشعب الأردني الذي تعوَّد على اقتسام رغيف الخبز وشربة الماء مع كل شقيق عربي قَدِمَ إلى دياره، لكننا نعتب على الذين لا يكترثون بمعاناتنا، وتحت وطأة هذا الإلحاح نتشارك مع الشقيقتين مصر والسودان في افتقاد الموقف العربي المتضامن الذي يحضر لأتفه الأسباب والقضايا ويغيب لأهمها مع الأسف. إن تحدي المياه، من أخطر التحديات وأهمها التي تواجه الأمة العربية، وهي تحديات غير قابلة للتسويف الذي قد يقود إلى حروب توسع المأساة ولا تضيقها، ما يوجب على العرب أن يتبنوا ميثاقاً يلزم دولهم بعدم المساس بحقوق الأشقاء من حصتهم من مياه الأنهار المارة بأراضيهم، وثانياً التزام عربي بالوقوف ضد مصادرة حق العرب في المياه من قبل أية دولة واعتبار المصادرة عملاً من أعمال العدوان على الشعوب يقتضي منعه بكل الطرق. وثالثاً وأخيراً إقرار استراتيجية عربية تساعد الدول الفقيرة مائياً على معالجة أسباب شح المياه ومنع التلوث وتقليل الفاقد وذلك بالاسهام العلمي والمالي من قبل الدول ذات الخبرة وذات الملاءة المالية، وعدم ادخال مسألة تتعلق بالحياة بتعقيدات السياسة واصطفافاتها. (الرأي)
مشاركة :