نيوم (السعودية) – أجمعت مصادر سياسية عمانية وسعودية على وصف زيارة السلطان هيثم بن طارق إلى السعودية بنقلة نوعية غير مسبوقة في تاريخ العلاقات بين البلدين، وأن البلدين بصدد فتح صفحة جديدة تتجاوز عقد الماضي. وقالت المصادر إن الزيارة كشفت عن تجاوز البلدين القنوات التقليدية التي كانت سائدة عبر المبعوثين الشخصيين للقيادتين، فضلا عن اللقاءات التي تحدث بين الوزراء خلال اجتماعات مجلس التعاون الخليجي. سالم اليامي: عمان ستكون أكثر مرونة في التعاطي مع القضايا التي تهم دول الإقليم سالم اليامي: عمان ستكون أكثر مرونة في التعاطي مع القضايا التي تهم دول الإقليم وحظي سلطان عمان هيثم بن طارق باحتفاء رسمي سعودي، حيث كان في مقدمة مستقبليه ولي العهد الأمير محمد بن سلمان في مطار مدينة نيوم المطلة على البحر الأحمر، وتوجه مباشرة بعدها للقاء العاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز في أول لقاء مباشر له منذ أن بدأت جائحة فايروس كورونا. وشهد العاهل السعودي وسلطان عمان مراسم التوقيع على مذكرة تأسيس مجلس تنسيقي بين البلدين، بهدف التشاور والتنسيق المستمر في الأمور والموضوعات ذات الاهتمام المشترك في جميع المجالات، مما يفتح المجال لعلاقات “تتجاوز عقد الماضي” على حد وصف مراقب خليجي، و”سيكون له تأثيره الإقليمي”. واستبق البلدان الزيارة بالإعلان عن فتح أول معبر حدودي بري مشترك، في إشارة إلى جدية الخطوات بين البلدين. والزيارة هي الأولى لسلطان عمان خارج بلده منذ تقلده المنصب بعد رحيل السلطان قابوس بن سعيد قبل أكثر من عام، ورافقه فيها وفد رفيع المستوى من مسؤولين على رأس الشؤون الأمنية والسياسية والاقتصادية والتجارية. وقال مصدر دبلوماسي سعودي إن السلطان هيثم وصل إلى السعودية متحررا من الكثير من عقد الماضي في العلاقات بين البلدين داخل مجلس التعاون الخليجي وخارجه. وأضاف المصدر، في تصريح لـ”العرب”، أن “السلطان الراحل قابوس كان يتصرف على أساس أنه داخل مجلس التعاون وخارجه في آن واحد. الآن السلطان هيثم يقطع في هذه الزيارة مع تلك المواقف”. إلا أن إبراهيم العزري، رئيس تحرير وكالة الأنباء العمانية الرسمية، استبعد تغير السياسة الخارجية في عهد السلطان هيثم، مذكرا بخطابه الأول الذي أكد على أنه سيسير على نهج السلطان قابوس. وقال العزري، في تصريح لـ”العرب”، إن علاقة سلطنة عمان بمجلس التعاون “لم تتراجع على مدار تاريخ المجلس، ولا يمكن تفسير التحركات العمانية الجديدة بأنها أشبه بعودة إلى المجلس ثانية”. إبراهيم العزري: سياسة عمان الخارجية مع مجلس التعاون لن تتغير في عهد السلطان هيثم إبراهيم العزري: سياسة عمان الخارجية مع مجلس التعاون لن تتغير في عهد السلطان هيثم لكن العمل الخليجي المشترك ليس من أولويات السعودية وعمان الآن، فلكلّ منهما زاوية نظر خاصة تنظر منها إلى مشاكلها ومشاكل الإقليم. وتتزامن إعادة النظر في السياسة الإقليمية في البلدين مع تغيرات استراتيجية عميقة أهمها انصراف أميركي ملموس عن المنطقة ومشاكلها مما يتركها مفتوحة أمام التدخلات الخارجية، وخصوصا منها الإقليمية. ورغم أن الطابع الاقتصادي هو الأساس المعلن لزيارة سلطان عمان إلى السعودية إلا أن حرب اليمن والعلاقة مع إيران ستكونان حاضرتيْن في العلاقة حتى لو لم يتم التطرق إليهما مباشرة أثناء الزيارة. وقال مراقب خليجي فضل عدم ذكر اسمه “لا يريد البلدان أن ينطلقا بالعلاقة من ملفات خلافية”. وذكر مصدر صحافي عماني مرافق لوفد بلاده أن ملف انسحاب القوات الأميركية من المنطقة، وما يترتب عليه من استحقاقات تؤثر على دول الخليج، سيكون مفتوحا على طاولة الحوارات. لكن مصادر يمنية رجحت أن يلقي الملف اليمني وجهود إحلال السلام والدفع قدما بمساعي وقف إطلاق النار، وفقا للخطة الأممية والمبادرة السعودية، بظلاله على المباحثات بين البلدين. ولعبت سلطنة عمان خلال الفترة الماضية دورا رئيسيا في تيسير الجهود الأميركية والأممية لبلورة الصيغة النهائية لخطة وقف إطلاق النار في اليمن، من خلال القيام بدور الوساطة بين الشركاء الدوليين والأمميين المعنيين بالأزمة اليمنية وفريق المفاوضات الحوثي الذي تستضيفه سلطنة عمان. وسبق أن كشفت مصادر سياسية لـ”العرب” عن جهود دبلوماسية بذلتها سلطنة عمان خلال الفترة الماضية لترطيب الأجواء بين الرياض وطهران، من خلال نقل رسائل غير مباشرة تصب في اتجاه تخفيف حدة الاحتقان في المنطقة على خلفية التوترات المتصاعدة في الملف اليمني ودور طهران المباشر في تمويل الميليشيات الحوثية. وعبر الباحث في العلاقات الدولية والمستشار السابق في وزارة الخارجية السعودية سالم بن عسكر اليامي في تصريح لـ”العرب” عن اعتقاده أن الجانب السعودي يعول على دور عماني فاعل في المسار اليمني، فضلا عن إعادة تأهيل مجلس التعاون الخليجي بعد الأزمة القطرية. عماد المديفر: الملك سلمان كسر البروتوكول الصحي للمرة الأولى لاستقبال السلطان هيثم عماد المديفر: الملك سلمان كسر البروتوكول الصحي للمرة الأولى لاستقبال السلطان هيثم وقال اليامي “يقدم العهد الجديد في عمان رغبة في أن تكون مسقط أكثر مرونة في التعاطي مع القضايا الثنائية التي تهم الإقليم ودوله، ولعل هذا الفهم عكس حجم الزيارات الرسمية التي قام بها مسؤولون سعوديون إلى السلطنة خلال أقل من عامين، حيث تكثفت زيارات هؤلاء وشملت مختلف المستويات الفنية والتقنية والسياسية والعسكرية”. وأضاف “ما يعزز أهمية الزيارة الدور الذي أظهره الجانب العماني مؤخرا والانغماس فيه ومحاولة تحقيق نجاح ما من خلاله، ومن ذلك السعي لخلق حالة من التهدئة في المنطقة بين السعودية وإيران واستئناف مسار التهدئة في اليمن”. وشدد على أن أي تنسيق سعودي – عماني بشأن الأوضاع العربية قادر على تحقيق شيء يمكن الاعتداد به في المستقبل. ويرى الباحث السعودي في العلاقات الدولية عماد المديفر أن أهمية الزيارة تكمن في دلالتها وتوقيتها والأثر السياسي المترتب عليها. وقال المديفر في تصريح لـ”العرب” إن العاهل السعودي “كسر البروتوكول الصحي للمرة الأولى منذ انتشار وباء كورونا، مستقبلا السلطان هيثم، الأمر الذي يؤكد أهمية اللقاء بين زعيمي البلدين”. وأشار إلى أن زيارة سلطان عمان تأتي في مرحلة حساسة وحاسمة تمر بها المنطقة، تبدأ من تخفيف التواجد العسكري الأميركي في الخليج والشرق الأوسط وأفغانستان، ودخول طهران في مفاوضات جديدة مع دول خمسة زائد واحد وما سيترتب على ذلك من احتمال رفع العقوبات عن إيران، لتقف دول المنطقة أمام حقيقة وجود إيران نووية. وأضاف المديفر أن ثقل البلدين في المنطقة يحتّم عليهما تحقيق توافق واضح حول هذه التطورات التي تهدد أمن واستقرار الخليج، فضلا عن رفع مستوى التنسيق لإدارة ملفات تلك القضايا.
مشاركة :