في ذكرى اغتيال غسّان كنفاني

  • 7/14/2021
  • 01:00
  • 5
  • 0
  • 0
news-picture

‭(‬اليوم،‭ ‬تخلصنا‭ ‬من‭ ‬لواء‭ ‬فكري‭ ‬مسلّح،‭ ‬فغسان‭ ‬كنفاني‭ ‬كان‭ ‬بقلمه‭ ‬أكثر‭ ‬خطرا‭ ‬على‭ ‬إسرائيل‭ ‬من‭ ‬ألف‭ ‬فدائي‭ ‬مسلّح‭)‬،‭ ‬كان‭ ‬ذلك‭ ‬تعقيب‭ ‬رئيسة‭ ‬وزراء‭ ‬إسرائيل‭ ‬آنذاك‭ ‬جولدا‭ ‬مائير‭ ‬على‭ ‬اغتيال‭ ‬‮«‬الموساد‮»‬‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬للمفكّر‭ ‬القائد‭ ‬الشهيد‭ ‬الفلسطيني‭ ‬المبدع‭ ‬غسان‭ ‬كنفاني،‭ ‬ويحمل‭ ‬هذا‭ ‬التعقيب‭ ‬الأسباب‭ ‬التي‭ ‬قضت‭ ‬بأن‭ ‬تقرر‭ ‬دولة‭ ‬الاحتلال‭ ‬الصهيوني‭ ‬القيام‭ ‬بعملية‭ ‬الاغتيال،‭ ‬ذلك‭ ‬أنّ‭ ‬الأمر‭ ‬تجاوز‭ ‬الأسباب‭ ‬المنظورة‭ ‬والظاهرة،‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬أبعد‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬بكثير،‭ ‬فقد‭ ‬قام‭ ‬الموساد‭ ‬الاسرائيلي‭ ‬باغتيال‭ ‬كنفاني‭ ‬في‭ ‬الثامن‭ ‬من‭ ‬يوليو‭ ‬عام‭ ‬1972‭ ‬في‭ ‬العاصمة‭ ‬اللبنانية‭ ‬بيروت‭ ‬إثر‭ ‬انفجار‭ ‬عبوة‭ ‬ناسفة‭ ‬وضعت‭ ‬في‭ ‬سيارته‭.‬ ‭ ‬من‭ ‬الصحيح‭ ‬أن‭ ‬قلم‭ ‬غسان‭ ‬كنفاني‭ ‬وريشته‭ ‬وإبداعه‭ ‬الأدبي‭ ‬والفني‭ ‬والصحفي،‭ ‬شكّل‭ ‬في‭ ‬واقع‭ ‬الأمر‭ ‬برنامجا‭ ‬ثقافيا‭ ‬للثورة‭ ‬الفلسطينية‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬18‭ ‬كتابا‭ ‬بين‭ ‬رواية‭ ‬وقصة‭ ‬وبحث‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬المقالات‭ ‬والملصقات‭ ‬والرسوم،‭ ‬أعماله‭ ‬تمت‭ ‬ترجمة‭ ‬معظمها‭ ‬إلى‭ ‬معظم‭ ‬لغات‭ ‬الأرض‭ ‬وتحوّل‭ ‬بعضها‭ ‬إلى‭ ‬أفلام‭ ‬سينمائية‭ ‬وعروض‭ ‬مسرحيّة،‭ ‬كل‭ ‬هذه‭ ‬الأعمال‭ ‬أسهمت‭ ‬في‭ ‬صياغة‭ ‬أوليّة‭ ‬للمشروع‭ ‬الثقافي‭ ‬الفلسطيني‭ ‬الذي‭ ‬حمل‭ ‬لواءه‭ ‬غسان‭ ‬كنفاني‭ ‬ولا‭ ‬يزال‭ ‬مشرعا‭ ‬لعقود‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬بعد‭ ‬اغتياله‭ ‬وفي‭ ‬المستقبل‭ ‬الوطني‭ ‬الفلسطيني‭.‬ هذا‭ ‬المشروع‭ ‬كان‭ ‬يتطلب‭ ‬برنامجا‭ ‬سياسيا‭ ‬موازيا‭ ‬للمشروع‭ ‬الثقافي‭ ‬الذي‭ ‬وضع‭ ‬أسسه‭ ‬غسان‭ ‬كنفاني،‭ ‬وجاء‭ ‬ذلك‭ ‬عندما‭ ‬صاغ‭ ‬الاستراتيجية‭ ‬السياسية‭ ‬والبيان‭ ‬السياسي‭ ‬للجبهة‭ ‬الشعبيّة،‭ ‬مُؤكدا‭ ‬أهمية‭ ‬الكفاح‭ ‬المسلح‭ ‬والعمل‭ ‬الفدائي،‭ ‬ويُلاحظ‭ ‬في‭ ‬صياغة‭ ‬الاستراتيجيّة‭ ‬السياسيّة‭ ‬للجبهة‭ ‬أنّها‭ ‬تأثرت‭ ‬بقناعاته‭ ‬حول‭ ‬سبب‭ ‬فشل‭ ‬ثورة‭ ‬1936‭.‬ ‭ ‬ذلك‭ ‬أننا‭ ‬نلاحظ‭ ‬في‭ ‬الكتيّب‭ ‬الذي‭ ‬أصدره‭ ‬غسان‭ ‬كنفاني‭ ‬عن‭ ‬هذه‭ ‬الثورة‭ ‬قبل‭ ‬أشهر‭ ‬قليلة‭ ‬من‭ ‬اغتياله‭ ‬أنّه‭ ‬أرجع‭ ‬فشلها‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬يُسمى‭ ‬‮«‬المثلث‭ ‬المُعادي‮»‬‭ ‬القيادات‭ ‬الرجعية‭ ‬المحليّة‭ ‬وبعض‭ ‬الأنظمة‭ ‬العربية‭ ‬القائمة‭ ‬آنذاك‭ ‬والحلف‭ ‬الإمبريالي ‭_ ‬الصهيوني،‭ ‬وقد‭ ‬عكس‭ ‬هذه‭ ‬القناعات‭ ‬في‭ ‬سياق‭ ‬البرنامج‭ ‬السياسي‭ ‬للجبهة‭ ‬تحت‭ ‬فصل‭ (‬من‭ ‬هم‭ ‬أعداؤنا؟‭).‬ هذا‭ ‬الدور‭ ‬الثقافي‭ - ‬السياسي‭ ‬لغسان‭ ‬كنفاني‭ ‬،‭ ‬كان‭ ‬كافيا‭ ‬بالتأكيد‭ ‬لأن‭ ‬تتخذ‭ ‬جولدا‭ ‬مائير‭ ‬شخصيا‭ ‬قرار‭ ‬اغتياله‭ ‬وكلّفت‭ ‬‮«‬الموساد‮»‬‭ ‬بذلك،‭ ‬لكن‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬السياق‭ ‬علينا‭ ‬أن‭ ‬نلحظ‭ ‬أنّ‭ ‬هناك‭ ‬مبررات‭ ‬إضافيّة‭ ‬ذات‭ ‬طبيعة‭ ‬أمنيّة‭ ‬بامتياز‭ ‬جعلت‭ ‬غسان‭ ‬كنفاني‭ ‬هدفا‭ ‬لهذا‭ ‬الاغتيال،‭ ‬ذلك‭ ‬أنّ‭ ‬مجلة‭ ‬الهدف‭ ‬التي‭ ‬كان‭ ‬يترأس‭ ‬تحريرها،‭ ‬في‭ ‬مقر‭ ‬معلن‭ ‬وواضح‭ ‬وبيافطة‭ ‬مع‭ ‬رقم‭ ‬هاتف‭ ‬شكّلت‭ ‬في‭ ‬واقع‭ ‬الأمر‭ ‬مركزا‭ ‬وغرفة‭ ‬اتصالات‭ ‬علنيّة‭ ‬مع‭ ‬كل‭ ‬حركات‭ ‬التحرّر‭ ‬وثورات‭ ‬الشعوب‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬العالم‭.‬ ‭ ‬فهذه‭ ‬الحركات‭ ‬والثورات‭ ‬وجدت‭ ‬في‭ ‬مقر‭ ‬المجلة‭ ‬وهاتفها‭ ‬المعلن‭ ‬ورئيس‭ ‬تحريرها‭ ‬الناطق‭ ‬بعدّة‭ ‬لغات‭ ‬وسيلة‭ ‬اتصال‭ ‬بالثورة‭ ‬الفلسطينيّة‭ ‬والجبهة‭ ‬الشعبيّة‭ ‬تحديدا‭ ‬في‭ ‬فترة‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬الاتصالات‭ ‬سهلة‭ ‬نظرا‭ ‬إلى‭ ‬المقرات‭ ‬ذات‭ ‬الطبيعة‭ ‬السريّة‭ ‬للجبهة‭ ‬الشعبيّة‭ ‬وعموم‭ ‬فصائل‭ ‬الثورة،‭ ‬لذلك‭ ‬لعب‭ ‬غسان‭ ‬كنفاني‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬الفترة‭ ‬صلة‭ ‬الوصل‭ ‬وكان‭ ‬جسرا‭ ‬لابد‭ ‬منه‭ ‬للتواصل‭ ‬مع‭ ‬حركة‭ ‬الثورة‭ ‬العالمية‭ ‬في‭ ‬إيطاليا‭ ‬واليابان‭ ‬والمنظمات‭ ‬والحركات‭ ‬الثوريّة‭ ‬في‭ ‬أمريكا‭ ‬اللاتينية،‭ ‬ولتأكيد‭ ‬أهمية‭ ‬هذا‭ ‬الدور‭ ‬في‭ ‬قرار‭ ‬اغتياله‭ ‬أنّ‭ ‬غسان‭ ‬كان‭ ‬ناطقا‭ ‬رسميا‭ ‬للجبهة‭ ‬من‭ ‬بيروت‭ ‬عندما‭ ‬أقدمت‭ ‬على‭ ‬إجبار‭ ‬ثلاث‭ ‬طائرات‭ ‬على‭ ‬الهبوط‭ ‬في‭ ‬صحراء‭ ‬الزرقاء‭ ‬في‭ ‬الأردن‭ ‬في‭ ‬سبتمبر‭ ‬1970،‭ ‬تم‭ ‬من‭ ‬خلالها‭ ‬إطلاق‭ ‬سراح‭ ‬أربعة‭ ‬أسرى‭ ‬من‭ ‬سجون‭ ‬الاحتلال‭ ‬على‭ ‬رأسهم‭ ‬الفدائيّة‭ ‬المناضلة‭ ‬ليلى‭ ‬خالد‭.‬ وللتأكيد‭ ‬مجددا‭ ‬على‭ ‬الدور‭ ‬الأمني‭ ‬في‭ ‬أسباب‭ ‬الاغتيال‭ ‬أنّ‭ ‬خليفته‭ ‬في‭ ‬رئاسة‭ ‬التحرير‭ ‬بسام‭ ‬أبو‭ ‬شريف‭ ‬تعرّض‭ ‬أيضا‭ ‬لمُحاولة‭ ‬اغتيال‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬ظرفٍ‭ ‬بريدي‭ ‬في‭ ‬مكتبه‭ ‬في‭ ‬مجلة‭ ‬الهدف‭ ‬بعد‭ ‬أشهر‭ ‬قليلة‭ ‬من‭ ‬اغتيال‭ ‬غسان‭ ‬كنفاني‭.‬ تقول‭ ‬صافيناز‭ ‬كاظم‭ ‬الكاتبة‭ ‬والناقدة‭ ‬المصريّة،‭ ‬إنّها‭ ‬سمعت‭ ‬بمصطلح‭ ‬‮«‬شعراء‭ ‬الأرض‭ ‬المحتلة‮»‬‭ ‬للمرّة‭ ‬الأولى‭ ‬عندما‭ ‬التقت‭ ‬بغسان‭ ‬كنفاني‭ ‬في‭ ‬مؤتمر‭ ‬بالعاصمة‭ ‬اللبنانيّة‭ ‬مطلع‭ ‬عام‭ ‬1967‭ ‬واستمعت‭ ‬لحديثه‭ ‬عن‭ ‬محمود‭ ‬درويش‭ ‬وسميح‭ ‬القاسم‭ ‬وتوفيق‭ ‬زياد‭ ‬وتبادله‭ ‬الرسائل‭ ‬مع‭ ‬البعض‭ ‬منهم‭.‬ كتاب‭ ‬غسان‭ ‬كنفاني‭ ‬المعنون‭ ‬‮«‬شعراء‭ ‬الأرض‭ ‬المحتلة‮»‬‭ ‬لم‭ ‬يتوقّف‭ ‬عند‭ ‬التعريف‭ ‬بهم‭ ‬على‭ ‬صفحات‭ ‬الجرائد‭ ‬والصحف‭ ‬الصادرة‭ ‬في‭ ‬لبنان‭ ‬خاصة‭ ‬مجلة‭ ‬الهدف،‭ ‬لكن‭ ‬أوجد‭ ‬صيغة‭ ‬لوحدة‭ ‬المشروع‭ ‬الثقافي‭ ‬الفلسطيني‭ ‬بين‭ ‬أرض‭ ‬1948‭ ‬وعموم‭ ‬الشتات‭ ‬الفلسطيني،‭ ‬غسان‭ ‬كنفاني‭ ‬هو‭ ‬الذي‭ ‬قام‭ ‬بتغيير‭ ‬المصطلح‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬شائعا‭ ‬آنذاك‭ ‬‮«‬أدب‭ ‬النكبة‮»‬‭ ‬إلى‭ ‬‮«‬أدب‭ ‬المقاومة‮»‬‭.‬ هذا‭ ‬الدور‭ ‬الشامل‭ ‬السياسي‭ ‬والأمني‭ ‬والثقافي‭ ‬كان‭ ‬باعتقادنا‭ ‬وراء‭ ‬قرار‭ ‬اغتيال‭ ‬المفكر‭ ‬والروائي‭ ‬الشهيد‭ ‬القائد‭ ‬غسان‭ ‬كنفاني‮ ‬أحد‭ ‬أبرز‭ ‬رموز‭ ‬الثقافة‭ ‬الفلسطينية‭.‬ { كاتب‭ ‬من‭ ‬فلسطين

مشاركة :