المهمشون وندوب الزمن في «جثة على الرصيف» و«الإسكافية العجيبة»

  • 10/14/2015
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

شهدت أمسية اليوم الثاني من أيام مهرجان الشارقة للمسرحيات القصيرة في كلباء عرض مسرحتين أولاهما جثة على الرصيف، من تأليف سعد الله ونوس، وإخراج محمد جمعة علي، وتدور حول صراع على جثة لمشرد مات على الرصيف جوعاً وبرداً، وقام رفيقه المشرد مثله على الجثة يحرسها، فأتاه شرطي الدورية ليطردهما من ذلك المكان بحجة أن النوم غير مرخص فيه، بعد مشادة كلامية يحاول الشرطي إيقاظ الرجل الثاني فيفاجأ به ميتاً، وفي أثناء ذلك يمر بهما رجل عليه أبهة السلطة يبدو أنه خرج ليتنزه بكلبه، فيعلم من حديثهما أن هناك جثة، ويعرض على المشرد شراءها منه ليطعم بها كلبه، ويتحول الشرطي إلى تابع ذليل للسيد ينفذ طلباته، ويفرض على المشرد قبول ما يريده، ويقبل المشرد ببيع الجثة، لكن السيد حين يعرف أن المشرد لا قرابة له بالميت يمتنع عن دفع الثمن له بحجة أن لا حق له فيه، ويأخذ الجثة تاركاً المشرد يلوك حسرته. تشكل محاولة محمد جمعة علي لتجسيد نص ونوس جرأة كبيرة من هذا الفتى ذي السبعة عشر ربيعاً، وهي الثانية له في المهرجان بعد مشاركته في الدورة الماضية بمسرحية من منا؟ لعزيز نيسين، ويبدو أنه شاب جاد يسعى إلى تطوير قدراته، ولا يتهيب الصعوبات، وفي عرضه هذا حاول أن يضيف ويعدل في المسرحية الأصلية لكي يعطيها إسقاطات تناسب الواقع اليوم، حيث استعان بمجموعة من الممثلين أكثر بكثير من الممثلين الأربعة الذين يحضرون في نص ونوس، وقدم لوحتين في البداية والنهاية لم تكونا موجودتين في النص الأصلي، وأضاف عنصراً نسائياً تمثل في المرأة التي تندب ابنها الميت، واستغنى كلية عن السرد الذاتي للممثل الرئيسي الذي كان يهيمن على بعض مشاهد نص ونوس، فبدأ المسرحية بمشهد لناس كثيرين يموتون على قارعة الطريق بسبب القنابل والقذائف التي ترمى عليهم، وهناك أم تجول بين الموتى والجراح تبكي ابنها الذي لاتزال عاجزة عن تصديق موته، وأنهاها بنفس النماذج البشرية وحالة الحرب والدمار التي لا نهاية لها على ما يبدو. في المجمل استطاع جمعة أن يقدم معالجة جادة للمسرحية، وإن كان العرض قد شابه فتور في بعض الأحيان، بسبب نقص الحرفية في الأداء لدى بعض الممثلين، وبسبب تجميد حركة الممثل أثناء حواره مع زميله، وكأن الفترة الزمنية لهما ليست واحدة، في حين أنهما يتحاوران، كما أنه كانت هناك أخطاء لغوية كثيرة وفادحة لدى أغلب الممثلين. العرض الثاني كان مسرحية الإسكافية العجيبة من تأليف غارسيا لوركا، وإخراج دينا بدر، وتروي حكاية إسكافي في الرابعة والخمسين يتزوج من فتاة جميلة في الثامنة عشرة، ويصبح فرق السلوك والمزاج بينهما مشكلة كبيرة، فهي فتاة صغيرة تريد اللعب والفرح بحياتها، وهو رجل طاعن عاش حياته خاملاً مكباً على ورشته، يصلح الأحذية، ويؤدي بهما ذلك إلى شك كل منهما في الآخر، فهو يفسر سلوكها وثرثرتها من النافذة مع المارة على أنه طمع في الرجال، وقد أصبح يعتقد أنها تخونه، أما هي فتعتبر أن خموله وانشغاله الدائم عنها دليل على أنه لا يحبها، وتحت ضغط الظنون المؤرقة يقرر الإسكافي ترك البيت ويختفي، فتعيش الإسكافية حزناً وحسرة بسبب ذلك، وتنهال عليها إغراءات رجال الحي وتحرشاتهم، لكنها تصمد، وتقاوم بشدة وكبرياء، وفي النهاية يعود الإسكافي متنكراً في ثوب مهرج حكاء، ويتحقق من صدق مشاعر زوجته نحوه، ووفائها له، وشدة فقدها له، فيكشف لها عن شخصيته، وتكون النهاية. أداء الممثلين في هذه المسرحية كان في عمومه جيداً ورشيقاً، وزادته حركيةً اللوحتان الاستعراضيتان اللتان أضافتهما المخرجة دينا بدر لتمثيل ظنون المرأة وخيالات خوفها أثناء غياب زوجها، وذلك من خلال تلك الشخوص السوداء المقنّعة التي تحاول أن تنهشها من كل جانب، والضوء الغائم الذي يلف المشهد، وكان الديكور واللباس والإكسسوارات متنوعة وتناسب حالة ومزاج الشخصيات، وقد حاول الممثلان الرئيسيان سامح قابيل وولاء حامد أن يجسدا شخصيتي الإسكافي وزوجته، ونجحا إلى حد ما في ذلك، لكنْ بما أن المسرحية ذات مسحة رومانسية تتمحور حول مشكلة عاطفية في الأساس، فقد كان ينبغي الاشتغال على البوح الذاتي للشخصيتين، واستخراج كوامن نفسيهما، لإبراز جذور هذه المشكلة، وهي جذور نفسية خلقها الفارق الزمني بين الشخصيتين، وما يتركه من حواجز تحول دون فهم كل منهما للآخر، وقد حرم ذلك النقص المسرحية من العمق المطلوب.

مشاركة :