خلال مداولات قمة بيروت انستيتيوت، التي عقدت مؤخراً في أبوظبي، بمشاركة أكثر من 120 شخصية عربية وعالمية من القيادات السياسية والفكرية وصناع القرار كانت أبرز ملامح المشكلات، التي أرّقت المجتمعين، منذ يومهم الأول هي فوضى الاقتتال والتناحر والحروب، التي تستنزف منطقتنا العربية وتهدد استقرار شعوبها وتفاقم أزماتها الإنسانية، ثم كان من بين الهموم العربية مشكلات البطالة بين الشباب وهجرة العقول العربية، وفوق ذلك وجود متربصين إقليميين للأسف يحشرون أنوفهم في منطقتنا لزعزعة استقرارها، وإثارة الفتن هنا وهناك، وتحريك الجماعات المتطرفة والطائفية.. هذا الوضع المؤلم والمقلق بجميع المقاييس استدعى هذه القمة، التي فتحت الإمارات أبوابها لاستضافتها بتأكيد وترحيب شديدين من سمو الشيخ عبد الله بن زايد آل نهيان وزير الخارجية، الذي يعلم بلا شك حجم الكارثة العربية، التي نمر بها، ويوقن بدور الإمارات الفاعل في استقطاب الباحثين عن حلول عادلة وسوية. بادرة مهمة وجاءت في توقيتها ،لتضع خلاصة فكر المفكرين والسياسيين أمام صناع القرار، للبحث بصدق عن مخرج لأزماتنا التنموية والإنسانية والأمنية من عنق الزجاجة، الذي تمر به، وتقديم خريطة طريق لرسم مستقبل أفضل لأجيالنا في المنطقة العربية، الذين لا ننكر، ولا يليق بعاقل أن يتجاهل أنهم يعيشون في أغلبهم اليوم بين أنياب البطالة وبراثن التطرف أو غسيل الأدمغة، وهجرة العقول بحثاً عن مستقبل متوهم في أغلب الأحيان. المتحدثون في القمة وضعوا أيديهم على كثير من المشكلات الملحة، فقالوا في مداخلاتهم، إن تفاقم مشكلة البطالة هو مفتاح الإرهاب والعنف في صفوف الشباب، واحترام حقوق الإنسان والقانون، من أهم عوامل السلام في المجتمعات، وإن التدمير والتناحر والحروب طريقنا للانقراض، وإن اعتناق قيم التسامح هو المخرج الحقيقي لأزماتنا. هذه العناوين الكبيرة ستظل في حيز العناوين ولن تتحول إلى أجندات عمل إلا بتكاتف الجميع حكومات وشعوباً لتفعيلها، وإلا سيكون مصيرها أدراج الأرشيفات وأوراق الجرائد، وعلى قدر إيماننا بدقة التقييم للمشكلات التي تحيق بمنطقتنا العربية نؤمن أيضاً بأن الحل يحتاج إلى جرعات عالية من الصدق في التعامل معها. منطقتنا العربية مهددة بالطامعين من محيطها الإقليمي، ومن خارج محيطها، ويروق لبعض المنتفعين أن يتركوها عرضة للحروب الأهلية والتناحرات الجاهلية والاقتتال الطائفي والصراعات والتقسيمات، لأن هذه التربة بالنسبة لهم هي أنسب تربة للسيطرة على مقدرات المنطقة، وتشتيت كوادرها الفاعلة والعمل على تجهيلها ورميها في قعر التاريخ، وإذا كنا حريصين على مستقبل أجيالنا كما نقول، فإن مواقفنا يجب أن تتجاوز حدود الكلام والتنظير إلى فضاء العمل العربي المشترك الجاد، لوضع حلول تحمدنا الأجيال القادمة عليها، لأنها ستصون مستقبلها. نجاحنا نحن العرب باجتماعنا ووحدة رؤيتنا، هذا ما أكده معالي المهندس سلطان بن سعيد المنصوري وزير الاقتصاد حين قال في كلمة له في إحدى جلسات القمة، إن دولتنا منذ تأسيسها، قامت على الفكر الوحدوي، وإيمانها به، لتجاوز حدود بلادنا ودول الخليج، وصولاً لمنظومة عربية متكاملة، للاستفادة من التجارب المتبادلة، لأننا لا نستطيع أن ننجح منفردين، لكننا نستطيع أن ننجح مجتمعين. إن الوضع المؤلم الذي تعيشه أمتنا العربية يتطلب وصل الليل بالنهار فكراً وبحثاً وعملاً جاداً، للخروج من أزماتنا، ولن ينفعنا أن نقول غداً لأجيالنا، إننا كنا جزءاً من لعبة عالمية أو مؤامرات إقليمية، بل سيشرفنا أن نقول لأبنائنا يوماً ما، إننا تعرضنا لأخطار، ولكننا صنعنا حلولنا بأنفسنا وبثقتنا بقدارتنا بالحياة وإيماننا بحقوقكم بأن تحظوا بمستقبل أفضل.نتمنى أن تكون توصيات قمة بيروت انستيتيوت خريطة طريق للخروج من الأزمات في منطقتنا، وأن تكون ثقتنا بأنفسنا، نحن العرب، نبراساً لنا.
مشاركة :