إلى ما قبل انقلاب ميليشيات الحوثي على الشرعية، ومن ثم هجومها على محافظة مأرب، كان سيف بن علي بحيبح، وهو في العقد الثامن من العمر يعيش في قرية واسط التابعة لمديرية الجوبة، سعيدا بإكمال أبنائه العشرة تعليمهم الجامعي، كما كان يشجع بعضهم على مواصلة الدراسات العليا، والبعض الآخر على العمل والإنتاج، لأنه يقدس العلم ويرى فيه مفتاح التطور وعنوان المستقبل، لكنه اضطر لحمل السلاح لمواجهة الحوثيين حتى فارق الحياة ومن بعده أربعة من أبنائه وأربعة من أحفاده. ويقول شاذلي سعيد وهو أحد مساعدي القائد العسكري البارز اللواء مفرح بحيبح طوال سنوات القتال ضد الميليشيات، وقد عرف الأسرة عن قرب، «عندما انطلقت المعارك في 18 مارس(آذار) 2016 كنا وقتها نقوم بتوزيع رواتب منتسبي اللواء 26 الذي يقوده اللواء مفرح بحيبح، وكان الترتيب للهجوم يتم بسرية تامة، وعند بداية الهجوم، خرج الشيخ سيف بن علي حاملاً بندقيته متوجهاً نحو حريب وأولاده العشرة كانوا قد سبقوه، لكنها كانت معركة خاطفة، تمكن خلالها منتسبو اللواء من دحر الميليشيات وتحرير مديريتي حريب في مأرب وعين في شبوة، وصولاً إلى السوداء وشقير». ويضيف سعيد في حديثه لـ«الشرق الأوسط» أنه «بعدها بأشهر من العام نفسه اشتعلت جبهة الساق وكان هناك قناص حوثي متمركز على إحدى التلال أعاق تقدم القوة الحكومية، وإذا بالشيخ سيف بن علي بحيبح يتعهد بفتح الطريق، وفعلا دخل إلى الصحراء في مكان مقابل لموقع وجود القناص الحوثي، وظل يناوش القناص وفتح الطريق ودخلت القوة وحينها أصيب بطلقة قاتلة ذهبت حياته على إثرها». وروى سعيد كيف أن خبر مقتل الرجل وصل إلى ابنه الأكبر العقيد محمد، قائد الكتيبة الخامسة، فردد كلاما فحواه أن عائلته حازت الفخر والمجد، وكيف استمرت المعركة وصولاً إلى منطقة الصفحة وتبة عتيق، وكيف تمكن اللواء من تحرير مديريتي بيحان وعسيلان في محافظة شبوة، ونعمان والقنذع وفضحة وناطع في محافظة البيضاء. وفي عام 2018 تسلم العقيد أحمد سيف - بحسب رواية سعيد - قيادة جبهة فضحة وكان نموذجا للقيادة سيطر على قلوب المقاتلين، وكان لهم أخا وقائداً كريما شهما، لا يظلم عنده أحد، وكيف أنه أثناء تفقده الخطوط الأمامية تم استهداف موقعه وذهب إلى ربه. وفي خطوط الإمداد إلى هذه الجبهة وفي العام نفسه وبعد فترة قصيرة أصيب الملازم شايف وهو الابن الثالث، بإصابة خطيرة في رأسه ونقل إلى المستشفى لكنه فارق الحياة متأثرا بتلك الإصابة ملتحقاً بوالده وأخيه، قبل أن يلحقه الملازم ناجي سيف بحيبح الذي قتل في جبهة رحبة جنوب مأرب في شهر أكتوبر(تشرين الأول) عام 2020. وتوجت تضحيات هذه الأسرة في مواجهات ميليشيات الحوثي في عملية تحرير مديرية رحبة، حيث التحق عبد المجيد سيف بحيبح بوالده، وأشقائه أحمد، وشائف وناجي، وأحفاده الأربعة، وليد مفرح، وراشد مفرح، ومعتصم مفرح، و بشير مفرح بحيبح، والكثير من أقربائهم وأبناء عمومتهم. وتؤكد هذه الأسرة أنها لم ولن تستسلم، فالعقيد محمد لا يزال يقود الكتيبة الخامسة ويقاتل الميليشيات ويتقدم ويحرر، وإخوانه يقاتلون ببسالة لا تضاهيها بسالة، إذ تشكل الأسرة نموذجا لقبيلة مراد التي يقود معظم أبنائها المواجهات مع ميليشيات الحوثي في مديريات جنوب محافظة مأرب، حيث أفشلوا خطط الميليشيات بالوصول إلى الطريق الرئيسي الممتد من مدينة مأرب وحتى محافظة شبوة، وحالوا بينها وبين التقدم نحو حقول النفط والغاز. ونتيجة هذا الاستبسال عجزت الميليشيات الحوثية عن تحقيق أي اختراق عبر الهجوم المتواصل الذي يشنه عناصرها على محافظة مأرب منذ مطلع العام الحالي، بعد أن فشل الهجوم في العام الذي سبقه. ويرى محللون في قصة الرجل السبعيني الذي حمل بندقيته والتحق بقوات الجيش لقتال الحوثيين ودفع حياته وحياة أربعة من أبنائه وأربعة من أحفاده ثمنا لذلك الموقف، نموذجا لحالة الرفض المجتمعي التي تواجهها الميليشيات كما أنها تلقي الضوء على مخاطر النهج الطائفي الذي تتبعه هذه الميليشيات على النسيج الاجتماعي في اليمن، فضلا عن أنها تأكيد على أن استقرار هذا البلد الذي يشرف على واحد من أهم الممرات البحرية لن يتحقق إلا بقيام نظام حكم وطني يستوعب تنوع وتعدد المكونات الاجتماعية، ولا يكون مصدر خطر لجيرانه كما تعمل هذه الميليشيات اليوم.
مشاركة :