هل اخترقت لجنة التحكيم التى رأسها المخرج الأسود سبايك لى، الذى ملأ بالمناسبة حفل الختام بزيه الخاص جداً، وحتى أخطائه القاتلة أثناء إعلان النتائج، بحضوره الممتع هل اخترق قدسية العدالة؟ أم أن النتائج التى أعلنت أمس الأول انحازت فقط للإبداع. بقراءة سريعة متعسفة سيجد البعض أن هناك عاملين مؤثرين فى النتائج الأول هو الانحياز للمرأة لكونها امرأة، والثانى هو الانحياز للشباب لكونهم شبابا، لقد تحقق ذلك فى منح المخرجة جوليا دوكورانو جائزة السعفة الذهبية عن فيلمها (تيتانيوم)، فهيىثاني امرأة تمسك السعفة الذهبية بيديها، بعد جين كامبيون التى اقتنصتها عام 93 بفيلمها (عازفة البيانو)، وهى أيضاً الأصغر سناً بين كل المتنافسين 37 عاما، لا أظن أبداً أن الأمر على هذا النحو، الجائزة جاءت للإبداع، ولا شىء غير الإبداع. نعم مهرجان عمره 74 دورة تحصل المرأة مرتين فقط على (السعفة الذهبية)، عدد قليل جدا، وهو ما تكرر فى الأوسكار مرتين بين 93 دورة، الأولى عام 2010 كاثرين بيجلو عن فيلم (خزانة الآلام) والثانية هذا العام كلوى تشاو عن (نوماد لاند)، لا تحسبها إبداعياً ولا هي أيضاً تعسفا بحق المرأة، التى صارت رئيسة جمهورية حتى فى بعض البلاد الإسلامية، هناك مؤكد تفصيلة أخرى تحتاج إلى إجابة متأنية ودراسة أكثر عمقا، مثلاً لماذا لم تقدم الحياة فنانة تشكيلية بحجم دافنشي أو مؤلفة موسيقى توازى موزار أو كاتبة مثل شكسبير؟ الأمر فعلاً يستحق دراسة أخرى. دعونا أولًا نُكمل حكايتنا، تنافس 24 فيلما داخل المسابقة الرسمية، بينهم أربع مخرجات وتشكلت لجنة التحكيم وبها أغلبية من النساء، إلا أن النتائج عكست أولاً روح الفن. منظمة (5050) لم تدع أبداً ضرورة أن تتساوى المرأة مع الرجل فى نتيجة أى تسابق فكرى أو فنى، فقط طالبت بأن تحصل المرأة على فرصتها كاملة مثل الرجل. لدينا العديد من الأفلام بالمسابقة قد يراها البعض هى الأفضل متفوقة على (تيتانيوم)، ومجلة مثل (سكرين) أو (فيلم فرانسيز) التى تقدم يوميا رأى النقاد فى الأفلام المشاركة كان لديها اختيارات أخرى، مثل فيلم الافتتاح (أنيت)، ولكن هذا لا يعنى أبداً أن لجنة التحكيم ليست لديها أسبابها الموضوعية، بعد أن وجدت عصرية ومتعة بصرية فى فيلم (تيتانيوم)، سيطر على تفاصيله العنف والدموية بل وأيضا الغرائبية، ويقف على حدود الرعب، الفيلم يبدأ بحادث سيارة تنجو فيه الابنة من موت محقق بعد أن دخل إلى رأسها قطعة معدنية من التيتانيوم، تؤثر بإشعاعها على سلوكها وردود أفعالها مما يتيح للمخرجة التعبير بصريا وسمعيا خارج الصندوق عن هذا العالم الجديد، الذى صارت الطفلة تعيش فيه، مع انتقالها فى مرحلة عمرية أخرى، منهج المخرجة هو التعبير بجرأة ملفتة، وهكذا من الممكن أن تجد فى فيلمها الطويل الأول (رو) الذى شارك من قبل فى المسابقة الرسمية لمهرجان (كان) إرهاصة من هذا المذاق، حيث تناولت مصاصى الدماء، مفتاح قراءة السينما يمنح تكوينات الصورة الصدارة فى التقييم. لا أحد قطعاً يعلم ما الذى دار بالضبط فى لجنة التحكيم، وما هي المداولات التى أدت لتلك النتائج، ولكن عندما يحصل الفيلم الإيرانى (البطل) للمخرج أصغر فرهدى على الجائزة الكبرى وهى تلى جائزة السعفة الذهبية فى الأهمية، فهذا يعنى أن التوجه للقضية الفكرية التي سيطرت على العمل الفنى كان له اعتبار هام داخل اللجنة، توقعت قبل يومين فوز الفيلم الإيرانى بإحدى جوائز المهرجان المهمة، والذى حضر للمهرجان بصحبة ابنته التى شاركت بالتمثيل في الفيلم. بدأت الدورة بحذر شديد في حفل الافتتاح، وكما قال مدير المهرجان تيرى فيريمو إن المشاعر الدافئة مطلوبة ولكن القبلات والأحضان تظل بالقلب، وتم الالتزام حرفيا بذلك يوم 6 يوليو افتتاح المهرجان، بينما يوم 17 يوليو وجدنا في الختام خروج مزيد من القبلات والأحضان، من مكمنها فى القلوب، أيضا الشارع والذي بات يحترز من الإفراط فى الزحام والتلاصق بحكم الجائحة، رأيناه أكثر جرأة مع اقتراب نهاية المهرجان فى التعامل مع خطوط الدفاع المعمول بها عالميا، للحد من انتشار تلك الملعونة (كورونا). هذه الدورة لم يواكبها سوى نحو 60 فى المائة ممن تعود المهرجان على تواجدهم من الصحفيين والإعلاميين، ولو حسبتها فقط عربيا لاكتشفت أن الحضور العربى لم يتجاوز 20 فى المائة، والتواجد المصرى كان هو الأقل فى تلك الدورة، إلا أن نصيبنا من الجوائز تضاعف جائزتين لفيلم (ريش) لعمر زهيرى أفضل فيلم في مسابقة (أسبوع النقاد)، وأيضا جائزة العمل الأول في الأقسام الموازية التى منحها (الفيبرسكى) اتحاد النقاد العالميين. قبل بداية المهرجان تردد عن عزل من لم يتم تحصينه بالفاكسين، لمدة أسبوع بل وينبغى أن يكون اللقاح معتمدا من الاتحاد الأوروبى، الحقيقة العملية هى أن لا أحد سأل عن تعاطى اللقاح فى المطار ولكن فقط عن مسحة (بى سى أر) سلبية وفيزا صالحة للسفر. قالها يوسف بك وهبى فى العشرينات من القرن الماضى (وما الدنيا إلا مسرح كبير) أما بعد هذه الدورة فلقد صارت الدنيا مهرجاناً كبيراً، بروفة (جنرال) لعودة الحياة الطبيعية. [email protected] المقال: نقلاً عن (المصري اليوم).
مشاركة :