أكد روتشير شارما، رئيس الأسواق الناشئة وكبير المحللين الاستراتيجيين العالميين في مؤسسة "مورغان ستانلي إنفستمنت مانجمنت"، أن الحملة القمعية التنظيمية التي تشنها الصين على قطاع التكنولوجيا، واحتمالية إدخار المستهلكين الأمريكيين للأموال أكثر مما ينفقون، يمثلان خطرين مزدوجين يهددان تعافي الاقتصاد العالمي. لا يتوقع شارما -وهو مؤلف مجموعة من الكتب الأكثر مبيعاً بما في ذلك: "اندلاع الأمم" أو (Breakout Nations) في 2012، و"نهضة وسقوط الأمم" أو (The Rise and Fall of Nations) في 2016- حدوث كساد عالمي. لكن ما يحذر منه هو أن الإجماع على حدوث طفرة قوية قد يتجاهل مخاطر الهبوط، التي قد تتسبب في تلاشي الزخم في وقت أقرب مما كان متوقعاً. فيما يلي مقتطفات من المقابلة مع شارما، الذي صدر أحدث كتاب له بعنوان "القواعد العشر للأمم الناجحة" (The 10 Rules of Successful Nations). * كيف تنظر إلى الانتعاش الاقتصادي العالمي في الوقت الحالي؟ وإلى أين يتجه؟ - إنني قلق بعض الشيء من وجود إجماع قوي للغاية على أننا جميعاً مستعدون لحدوث طفرة اقتصادية كبيرة، ولا تزال تقديرات النمو ترتفع بقوة. لذا يزعجني سؤال البعض: ما الذي يمكن أن يحدث بشكل خاطئ؟، ويبدو أن سوق السندات يطرح نفس السؤال، كما أن هناك خطين متصدعين يتطوران وسط هذا الازدهار الاقتصادي العالمي، ويجب أن نكون حذرين بشأنهما. * هل يمكنك إعطائنا تفاصيل أكثر عن خطوط التصدع هذه؟ - الأول له علاقة الصين، حيث أصبح القمع الشامل لقطاع التكنولوجيا كبيراً، والسياسة التنظيمية تمارس تأثيراً متشدداً، مثلما رأينا على مر التاريخ. ويمثل الاقتصاد الرقمي الآن حسب بعض التقديرات 40٪ من اقتصاد الصين، بعد أن كان هذا الرقم 10٪ قبل عقد من الزمان، ولعب ظهور الاقتصاد الرقمي الجديد دور البقرة النقدية والأوزة الذهبية. إنني قلق بعض الشيء الآن من ماهية التأثيرات التي قد تطرأ على النمو الاقتصادي إذا تم اتخاذ إجراءات صارمة، وإلى أي مدى سيمتد ذلك التأثير؟. وهذا، بالنسبة لي، يشكل مصدر قلق كبير للتنبؤات الاقتصادية العالمية. * ما هي مخاوفك الأخرى؟ - يعتقد الناس في الولايات المتحدة أن الإنفاق المالي سيتلاشى، ويظن الجميع أن هذا أمر مقبول لأن المستهلك في حالة جيدة وسينهض من الركود. المشكلة هي أنه إذا نظرت إلى المرة الأخيرة التي حقق فيها المستهلكون مثل هذا المكاسب المفاجئة، والتي كانت بعد الحرب العالمية الثانية، انتهى بهم الأمر إلى توفير الكثير من تلك الأموال، بدلاً من إنفاقها. والسؤال هو: ماذا لو انتهى الأمر بالمستهلك إلى إدخار الكثير من مكاسبه المفاجئة، كما فعل في المرة الأخيرة التي حدثت فيها مكاسب مماثلة؟. في الوقت نفسه، لا يزال هناك الكثير من المستهلكين ممن يعانون من ندبات جراء أزمة 2008. * هل لديك إطار زمني للتوقيت الذي قد يتباطأ فيه التعافي؟ وإلى أي مدى سيكون ذلك واضحاً بقوة؟ - ما زلت أشعر أن التعافي أمامه فرصه أكبر للزيادة، لأنه مع تسريع طرح اللقاح في الأسواق الناشئة، سيكون أداءها أفضل. لذلك أعتقد أن الانتعاش العالمي ربما لم يبلغ ذروته بعد. لكني أشعر بالقلق من أن محركي النمو الكبيرين قد يكونا أقل قوة مما نعتقد، وهذا يعني أن الانتعاش قد يبلغ ذروته بوتيرة أسرع بكثير مما يتوقعه إجماع الأراء الموجود اليوم. لا أتوقع أننا سنواجه كساداً عالمياً، لكن الإجماع اليوم قوي جداً على أننا سنحصل على طفرة اقتصادية عالمية. وأنا أبحث عن المكان الذي يوجد فيه الخطأ وسط هذا الأجماع على رأي واحد. * ماذا يعني خفض الاحتياطي الفيدرالي لحيازاته بالنسبة للأسواق الناشئة؟ - أنا أؤمن بالمثل القديم الذي يقول إن التاريخ لا يعيد نفسه بهذه السرعة. وكثير من الناس يراودهم خوف من تكرار سيناريو 2013 (موجة تقليص الحيازات)، لكنني أعتقد أن الدعائم الأساسية مختلفة هنا. نعم، هناك بعض الأسواق الناشئة الهشة، لكنها الأسواق الحدودية الأصغر. وأود أن أقول إنه إذا نظرت إلى الأسواق الناشئة الكبيرة، فستجد أن الضعف أقل هذه المرة، فيما يخص عجز الحساب الجاري وحالات الديون الخارجية. الوضع أكثر هدوءاً الآن. وأشعر الآن بأنني أكثر إيجابية مما كنت عليه قبل عقد من الزمن فيما يخص الأسواق الناشئة. * هل يمكنك أن تشرح أكثر لماذا أنت أقل قلقاً بشأن الأسواق الناشئة؟ - بالنسبة لي، فالسبب هو التحسن في دورة السلع الأساسية، وحقيقة أن تكلفة تبني التقنيات الجديدة قد انخفضت كثيراً، ويتم تبنيها بسرعة كبيرة الآن عبر الأسواق الناشئة، بما في ذلك بعض أفقر البلدان. أعتقد أن هذا يمنحني الكثير من التفاؤل بشأن ما يمكن أن يدفع نمو الأسواق الناشئة في السنوات المقبلة. * ما هو الجانب السلبي لحزم التحفيز الضخمة التي تم ضخها منذ بداية أزمة الوباء؟ - نحن الآن في عصر التحفيز العلماني، حيث نستمر في صرف حزم التحفيز وضخ المزيد منها بغض النظر عن الظروف الراهنة. أعتقد أن هذا له الكثير من الآثار المدمرة والخبيثة، ليس في شكل أزمة ولكن على هيئة إنتاجية تزداد تضاؤلاً بمرور الوقت، وسط صعود شركات الزومبي، التي تزاحم بدورها صعود الشركات الناشئة الجديدة، بسبب وجود الكثير من الشركات عديمة الفائدة التي لا تضيف قيمة، ويقللون من خطورة تدمير الإبداع. أعتقد أن هذه هي المشكلة الحقيقية وسط مستويات الديون المرتفعة هذه. * ما هي توقعاتك لاقتصاد الهند خلال السنوات المقبلة؟ - لقد عبرت عن رأيي في الهند لسنوات عديدة، ولا أرى أي سبب لتغيير هذا الرأي الآن، هذا بلد يخيب أمل المتفائلين والمتشائمين باستمرار. فالهند تسير في نفس الطريق، ومن الصعب جدا أن تكون متفائلاً أو متشائماً أكثر من اللازم، حيث تنفذ الهند مستوى محدوداً فقط من الإصلاح الاقتصادي، ولا يتم ذلك إلا عندما لا يكون أمامها خيار أخر، ونحن لا نملك خيار آخر في هذه المرحلة. لا يزال الوقت مبكراً بعض الشيء، لكن الهند تتحدث عن الخصخصة لأول مرة، كما تتحدث عن تنفيذ بعض الإصلاحات في أسواق العمل داخلها. لذلك يمكن القول على الأقل إن الجانب المشرق الموجود عبر الأسواق الناشئة -بما في ذلك الهند- هو أن الوباء يجبرهم على الإصلاح.
مشاركة :