صدر عن مجلس الوزراء قراران هامين الاول يتعلق بتعديلات تشريعية تهدف الى تعزيز الحقوق وسيادة القانون ومواكبة متطلبات التنمية. والثاني الموافقة على الخطة الوطنية لسوق العمل 2021-2023 والتي تهدف الى خلق فرص عمل نوعية وجعلهم الخيار الافضل للتوظيف. هذه قرارات لها اهميتها بالرغم من ان الوقت مازال مبكرا لمعرفة ماهي القوانين والتشريعات التي سوف يعاد النظر فيها وكيف سيختلف القرار في جعل البحريني الخيار المفضل عن ماجاء في الرؤية 2030. الى ان تتضح ماهي التشريعات المقصودة يمكن القول بان مجرد التفكير في تعديلها لتعزيز الحقوق وسيادة القانون هو في حد ذاته امرا هاما، والاهم هو ربطه بمتطلبات التنمية. هذا الربط يعني اننا امام تصور اكثر شمولية للتنمية وليس فقط التنمية الاقتصادية. حيث ان تعديل التشريعات لصيانة الحقوق وسيادة القانون لها مدلولاتها الايجابية وتمثل مرتكز لجميع ابعاد التنمية الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والفكرية. في هذا المقال سنتناول الشق المتعلق بالخطة الوطنية لسوق العمل. تهدف الخطة الى خلق فرص عمل للمواطنين وتعزيز البحرنة. في هذا الصدد يقول وزير العمل "ان العمل جاري على توظيف 25 الف بحريني وفق ماجاء في قرار الحكومة وان الوزارة تمكنت من توظيف 12600 بحيني في 6 اشهر ، والحاق 5000 مواطن للتدريب". اي تتحدث الخطة عن 17.5 الف مواطن ما يعادل 12% من القوى العاملة، ونتساءل، كما تساءل الاستاذ جمال فخرو، هل هذه الارقام توظيف جدد ام انتقال من وظيفة الى اخرى؟ ان كان توظيف جدد فانه يمثل تحسن كبير في الارقام عن الاعوام السابقة. ويرى وزير العمل ان الاقتصاد يخلق فرص عمل تحتاج الى مهارات يطلبها رجال الاعمال. نامل ان تؤدي الخطة الوطنية لسوق العمل على رفع كفاءة السوق وتحضير الكوادر والمهارات المطلوبة وتحسين القدرة التفاوضية للعمالة البحرينينة. هذا يعني ان الخطة الوطنية لسوق العمل لا ينبغي ان تقتصر على قوانين واجراءات سوق العمل وتعاملها مع الشركات والباحثين عن عمل، فهناك نسبة كبيرة من العاطلين تحتاج الى برامج تدريب وتأهيل مكثفة، فكيف ستتعامل الخطة الوطنية مع قضية التعليم والتدريب؟ موقع هيئة تنظيم سوق العمل يحدد السياسات التي سيعتمد عليها في تنفيذ الخطة ومنها "تدريب الموارد البشرية الوطنية"، وتعتبره امرا حاسما في نجاح الخطة. غير انه مازال هناك حاجة للتغيير في مناهج التعليم والتدريب لتخريج نوعية مناسبة من الخريجين قادرين على المنافسة في سوق العمل، نأمل ان تتمكن الوزارة من التاثير في سياسات التعليم، من خلال عضويتها في المجلس الاعلى لتطوير التعليم والتدريب، وتحدث تغيير في المناهج واسلوب التدريس ليواكب متطلبات التنمية. بالاضافة الى ذلك نجد ان الخطة الوطنية لا تمنح هيئة تنظيم سوق العمل ووزارة العمل اي ادوات لجعل البحريني الخيار المفضل، فكيف ستحقق ذلك؟ هل من خلال تشريع بتخصيص وظائف للبحرينيين؟ ام بوضع حوافز لرجال الاعمال لتوظيف بحرينيين؟ وماتاثير ذلك على انتاجية الشركة وتنافسيتها في حالة فرض التوظيف؟ هذا يقودنا الى التفكير في معالجة قضية التنافس في السوق على الوظائف بين البحرينيين والعمالة الماهرة الوافدة. تقدم احد النواب باقترح بتخصيص مهن معينة للبحرينيين. هذا قد يكون احد الخيارات، لكنه يطرح تساؤل حول تنافسية صاحب العمل، وتنافسية الاقتصاد. اذا كانت التنافسية تعتمد على الانتاجية، فكيف نعالج ضعف انتاجية بعض البحرينيين والتي عادة تكون وليدة التعليم والتدريب وفرص الممارسة والبيئة القيمية في المجتمع والتوجه الفكري السائد. صاحب العمل امام ثلاث خيارات: استقدام وافد على مهارة وانتاجية مناسبة باجر مناسب؛ او توظيف بحريني يحتاج الى مزيد من التدريب والتاهيل؛ او توظيف بحريني مؤهل لكن براتب مرتفع؟ هذه معضلة تحتاج التعامل معها في الخطة الوطنية ومنافشتها في ضوء تخصيص وظائف للبحريني وينبغي ايجاد جواب لا ينتقص من تنافسية صاحب العمل وفي نفس الوقت لا يحرم البحريني من الخبرة التي سيكتسبها من فرصة العمل هذه؟ هذا يعني الحاجة الى تشريعات تجعل المنافسة في سوق العمل متكافئة ان لم تكن في صالح البحريني. اختارت اللجان عدد من التشريعات (111 تشريعا) لمعالجة قضية عدالة المنافسة وجعلها في صالح البحريني؟ فهل ستنجح في ذلك؟ ما يشجع في الخطة الوطنية (وفق اخر تحديث 19-04-2018) ان هيئة تنظيم سوق العمل تضع الحوار الاجتماعي ضمن سياساتها السبع، لذلك نرى ان تاخذ الهيئة المبادرة وتطرح هذه التساؤلات وغيرها للتشاور العام وتقييم نتائجه والاستفادة منها في معالجة هذه المعضلة وغيرها. تتاثر كفاءة سوق العمل بعدة عوامل منها الاعداد الكبيرة من العمالة الوافدة ونظام الفيزة المرنة التي طرحت اعداد كبيرة من العمالة في السوق مما يقلل الاجور وتجعل البحريني خارج المنافسة كونه لا يمكنه العيش بالاجور المطروحة. كذلك يتاثر سوق العمل باعداد الشباب المتزايد الباحث عن عمل، وكثرة الباحثين عن عمل من نفس التخصص، هذا في حد ذاته يضغط في اتجاه تقليل الاجور. كل هذه العوامل ترفع مستوى التنافس على وظائف محدودة ويضغط على الاجور. من العوامل الاخرى المؤثرة في كفاءة سوق العمل توفر حوافز للعامل البحريني وصاحب العمل لرفع انتاجية رأس المال البشري من خلال التدريب واكتساب الخبرات بالاضافة الى قيام وزارة العمل ببرامج تدريب ترفع المهارات في القطاعات المستهدفة. معالجة هذه العوامل وغيرها ستكون صعبة من خلال الخطة الوطنية لسوق العمل، وزارة العمل وهيئة تنظيم سوق العمل لا تملك الادوات لخلق فرص عمل. فمالم تكن هناك خطة وطنية لتنويع الاقتصاد نحو التصنيع تقودها الحكومة بمشاركة القطاع الخاص مع دور لغرفة التجارة والصناعة فان الخطة الوطنية لسوق العمل ستواجه صعوبة في تقليل البطالة وجعل البحريني الخيار المفضل في اقتصاد يقوم على الخدمات والمؤسسات الصغيرة والمتوسطة.
مشاركة :