في مثل هذا اليوم 23 يوليو 1952 تحل الذكرى الـ69 لثورة يوليو، فتحية ود ومحبة لهذه الثورة التي غيرت وجه العالم شرقه وغربه ومحيطه العربي والإفريقي، ما جعل تلك البلدان تكن لمصر وانطلاقها وثورتها كل الوفاء في التحرير والاستقلال. وكان عبدالناصر مكافحا قويا ضد المستعمرين، وليس أدل على ذلك من عدوان 1956. وقد كانت مبادئ الثورة ويقظة مصر تقف بالمرصاد لدول كانت تسمي نفسها دولا كبرى. على امتداد القرن العشرين وخاصة منتصفه، كان جمال عبدالناصر ثائرا على الأوضاع في مصر ضد الحكم البائد، وقضى حياته في الكفاح الوطني وضد المستعمرين حتى حقق ما كان يرنو إليه، وعلى الجانب العربي والقومي، انصب اهتمام عبدالناصر على القضية الفلسطينية من خلال التضييق على اسرائيل التي ناصبت الفلسطينيين العداء، فكان عدوان 5 يونيو 1967، وما ترتب عليه من خداع من جانب دول كبرى شاركت فيه ضد دولة ما زالت تبني كيانها وتدافع عن استقلالها. وعلى الرغم من نكسة 67، فإن عبدالناصر كان يدرك تماما أنه لا يستطيع أي زعيم عربي إغفال الحقوق التاريخية للعرب في فلسطين، وكان يرى انه حتى لو وقّعت منظمة التحرير على هذا التنازل، ولو حدث هذا التنازل من جانب أي طرف عربي، فإنه لن يلزم الأجيال القادمة، التي من حقها أن تواصل الكفاح لاسترداد كل الأرض العربية المحتلة، كانت مبادئ وسياسة الزعيم جمال عبدالناصر منصبة في هذا الشأن، وقد كانت الأمة العربية قبل قيام ثورة 23 يوليو 1952، من مشرقها إلى مغربها تواجه الاستعمار، وتكافح من أجل شيء واحد فقط (هو الاستقلال). وللتاريخ لا بد من القول إن الاتحاد السوفيتي ساعد في قيام إسرائيل عام 1947، على أنقاض نصف فلسطين، ثم تبعه عدوان فرنسا بزعامة (جي موليه) وإنجلترا وإسرائيل بزعامة (بن جورين) واستمر عبدالناصر في كفاحه وتطلعه إلى أن تحظى الأمة العربية بوطن يحفظ اسمها، فقد كان زعيما تجاوز كل الحدود، وصاحب نظرة حادة تعطي من يراه أو يجالسه من زعماء العالم انطباعا بالعزة والكرامة والكبرياء وقد اكتسب جمال عبدالناصر احترام الجميع ومحبة دول العالم ومن ثم ظل عبدالناصر حتى يومنا هذا من أهم الشخصيات التي جاءت في تاريخ مصر، فقد كان الإنسان المثقف والوطني الذي ترك أثرا في العالم كله وليس في مصر فقط، إذ كان يؤمن بأفكاره ويدافع عنها، ليس في مصر فقط بل في الوطن العربي كله. كان جمال عبدالناصر يرى دائما أن قوة الأمة العربية في وحدتها وفعلا حققت السياسة الناصرية بلورة السياسة الوحدوية بإقامتها أول وحدة عربية بين مصر وسوريا، كما لعبت السياسة المصرية دورا بارزا في انتصار الثورة الجزائرية. ومن إنجازات عبدالناصر تأميم قناة السويس وبناء السد العالي فقد جاء قرار عبدالناصر في 26 يوليو 1956 بتأميم قناة السويس كرد فعل مباشر للرد الأمريكي الغربي على تمويل السد العالي، فجاء القرار بمثابة صدمة لتلك القوى الاستعمارية الكبرى، وهو ما وصفه السياسيون بأنه أجرأ قرار اتخذه الزعيم عبدالناصر في النصف الثاني من القرن العشرين وكان سببا في العدوان الثلاثي عام 1956. وفي بورسعيد تصدى كل رجل وامرأة وطفل لهذا العدوان الخسيس من إنجلترا وفرنسا وإسرائيل، حيث تصدت له المقاومة الشعبية وتراجع الغزو وهو ما زاد من التأييد الشامل لمصر وعبد الناصر في الوطن العربي كله. وقد حيرت علاقة عبدالناصر بالدين الكثيرين، فإبان حكمه من 23 يوليو 1952 حتى 28 سبتمبر 1970 أنشأ مساجد تعادل مجموع ما بني في مصر منذ الفتح الإسلامي، حيث شهد عصره الكثير من الإصلاحات الدينية في مقدمتها إنشاء إذاعة القرآن الكريم التي كانت قدوة لكثير من الدول العربية في إنشاء مثل هذه الإذاعة الدينية وفي عهده وتحديدا سنة 1954، وبعد أن تزايد عدد الطلاب الوافدين من الدول الإسلامية إلى الأزهر لدرجة أن ضاقت بهم أروقة الأزهر، ولذلك سارعت الدولة المصرية إلى إقامة مدينة البعوث الإسلامية بالقاهرة ومدينة طلابية أخرى بالإسكندرية احتوت على السكن والرعاية المعيشية والاجتماعية، وعلى مستوى المساجد زاد عددها من أحد عشر ألف مسجد قبل الثورة إلى واحد وعشرين ألف مسجد حتى عام 1970، كما أصبحت المادة الدينية مادة إجبارية يتوقف عليها النجاح أو الرسوب كباقي المواد لأول مرة في تاريخ مصر بينما كانت اختيارية في النظام السابق، كذلك اكتملت موسوعة جمال عبدالناصر للفقه الإسلامي والتي ضمت كل علوم وفقه الدين الحنيف في عشرات المجلدات وتم توزيعها في العالم كله. وفي عهده وبإيعاز منه تم بناء آلاف المعاهد الأزهرية والدينية وتم افتتاح فروع لجامعة الأزهر في عديد من الدول الإسلامية. وقد اعتبر محللون كثيرون أن عبدالناصر من أقرب حكام مصر فهما لروح الدين ودوره في حياة الشعوب. ودّعت الأمة العربية من الخليج إلى المحيط الزعيم جمال عبدالناصر _طيب الله ثراه_ يوم الإثنين 28 سبتمبر 1970 وكان هذا في ذكرى يوم الإسراء والمعراج وهو يوم فضله الديني عظيم ومعروف للجميع. ومسك الختام: جمال عبدالناصر هو من طلب تخليد قصة بطولة وانتصار شعب بورسعيد على العدوان الثلاثي الغاشم (بريطانيا وفرنسا وإسرائيل) بفيلم سينمائي فكان فيلم بورسعيد إنتاج حلمي رفلة وإخراج عز الدين ذو الفقار، بطولة فريد شوقي، ونذكر هنا أن جمال عبدالناصر هو من اتصل بفريد شوقي وطالبه بالإسراع في تصوير فيلم بورسعيد الذي فعلا جسد مقاومة أهل وشعب بورسعيد ضد العدوان الثلاثي، كما أمر الزعيم الخالد بإرسال نسخة من الفيلم إلى ملوك ورؤساء الدول العربية، وعلى الرغم من مرور 51 عاما على رحيله فإن عبدالناصر لا يزال الرمز الخالد والصورة الحية في مختلف ساحات النضال.
مشاركة :