نتابع منذ أكثر من عشر سنوات تحديدا منذ عام 2011 حتى تاريخه تطورات وتحولات الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية في الشقيقة تونس، وذلك من منطلق متابعة مصير هذا التحول الذي حدث منذ 14 يناير 2011 في هذا البلد العربي الشقيق، والذي يوصف في الإعلام التونسي بالتحول الديمقراطي على اعتبار أنه لم يحدث نتيجة العنف المسلح وإنما نتيجة للنضال السياسي انتهى إلى ما أصبح عليه الوضع بعد 14 يناير 2011. وبقدر ما كانت هناك آمال معقودة على هذا التحول «الديمقراطي» خاصة بعد عام 2014 تاريخ إقرار الدستور التونسي الجديد الذي يؤطر هذه التجربة ويرسم طريقها بقدر ما أشعر بالكثير من الخوف والقلق على هذه التجربة بسبب نتائجها والأخطاء التي وقعت فيها من خلال ثلاثة جوانب معلومة ومعروفة للمجتمع التونسي ومقلقة لأبعد الحدود. أولا: فشل المنظومة السياسية المنبثقة عن الدستور الجديد، وذلك باعتراف أبرز التيارات والأحزاب السياسية التونسية إذ كان واضحا أن النظام السياسي وانطلاقا من هذا الدستور ليس مناسبا ولا واقعيا حيث تتوزع السلطة التنفيذية بين رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء بطريقة غير واقعية وغير عملية، ما أدى إلى استمرار الصراع وتعطل كل شيء تقريبا بما في ذلك تعيين الوزراء وإقالتهم والتوقيع على القوانين والاتفاقيات، وذلك نتيجة لهذا النزاع الذي أدخل البلاد في حالة من الجمود بل حتى في حالة من الفوضى السياسية التي نرى ونشاهد ونتابع بعض جوانبها في القنوات الفضائية يوميا. ثانيا: النظام الانتخابي نظام غير مناسب لأنه لا يعطي الأغلبية لأي حزب سياسي تقريبا بعكس الأنظمة في الدول الديمقراطية وهذا ما خلق سلطة غير فعالة وفقا لما تؤكده التقارير التونسية نفسها بل إن رئيس الجمهورية قيس سعيد نفسه أشار إلى ذلك بوضوح في بعض خطاباته وطالب بمراجعة النظام السياسي والانتخابي من خلال حوار وطني تونسي للتقدم إلى الأمام وإلا ستظل تونس تعاني من هذه الفوضى. ثالثا: حالة العنف المستشري حتى داخل البرلمان بسبب الإدارة السيئة لرئيسه السيد راشد الغنوشي الزعيم الإخواني وقلة خبرته في إدارة مثل هذا البرلمان المتنوع فأدخله في حالة من الفوضى والاستعراضات التي تشاهد من خلال متابعة جلسات البرلمان الذي يسيطر عليه الإخوان وحلفاؤهم الذين يحصلون في الغالب على الأغلبية لتمرير القوانين والتشريعات التي تقود البلاد إلى حالة من الفوضى والعنف شاهدنا بعضا منها في الاعتداءات المتكررة التي كان آخرها الاعتداء على رئيسة الحزب الدستوري الحر التونسي النائبة المحامية عبير موسى أمام الجميع بحضور أجهزة الإعلام المحلية والعربية العالمية فكان هذا الاعتداء فضيحة قبل أن يكون إساءة إلى صورة تونس التي كانت قبل عام 2011 على الأقل في هذا المجال صورة إيجابية ناصعة تحظى فيها المرأة التونسية بأقصى درجات الاحترام والتقدير فإذا بها في ظل هذا الوضع الجديد تتعرض للاعتداء بالضرب داخل المؤسسة التشريعية أعلى سلطة في البلاد وهو البرلمان وللمرة الثانية ومن المحزن حقيقة أن يقال إن هذا التحول تحول «ديمقراطي» ناجح بل هو الأفضل بين التجارب الديمقراطية في حين أن الواقع يبين عكس ذلك تماما. إن الاعتداء المتكرر على رئيسة الحزب الدستوري الحر واستمرار سيطرة تيار الإخوان على مقاليد السلطة التشريعية وجزء كبير من السلطة التنفيذية قد أدى إلى حالة صراعية يترجمها اليوم الحزب الدستوري بشكل رئيسي ومعه العديد من التيارات الوطنية الديمقراطية والتي اكتوت بنار الإسلام السياسي الذي من الواضح أنه بصدد إفساد الحياة السياسية وتخريب هذه التجربة بالتحول بها تدريجيا إلى المنطق الإخواني في السيطرة على مقاليد الحكم والعمل على تغيير طبيعة المجتمع التونسي المعروف بالتنوع والتسامح والحداثة. لا ندري حتى الان إلى أين يقود هذا الوضع الشقيقة تونس، ولكن كل ما يصل إلى العالم اليوم عن تونس سلبي للأسف الشديد سواء بالنسبة إلى الوضع الاقتصادي المتردي أو الوضع الاجتماعي الأكثر سوءا أو الوضع السياسي المتوتر والذي يصل صداه كل يوم، ولذلك نسأل الله سبحانه وتعالى أن يحفظ تونس من كل سوء وشر، وأن يقيها شرور تطرف جماعات الإسلام السياسي الذي اكتوت بناره العديد من البلدان العربية.
مشاركة :