التجربة التونسية بين الديمقراطية والعنف

  • 7/16/2021
  • 01:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

نتابع‭ ‬منذ‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬عشر‭ ‬سنوات‭ ‬تحديدا‭ ‬منذ‭ ‬عام‭ ‬2011‭ ‬حتى‭ ‬تاريخه‭ ‬تطورات‭ ‬وتحولات‭ ‬الحياة‭ ‬السياسية‭ ‬والاجتماعية‭ ‬والاقتصادية‭ ‬في‭ ‬الشقيقة‭ ‬تونس،‭ ‬وذلك‭ ‬من‭ ‬منطلق‭ ‬متابعة‭ ‬مصير‭ ‬هذا‭ ‬التحول‭ ‬الذي‭ ‬حدث‭ ‬منذ‭ ‬14‭ ‬يناير‭ ‬2011‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬البلد‭ ‬العربي‭ ‬الشقيق،‭ ‬والذي‭ ‬يوصف‭ ‬في‭ ‬الإعلام‭ ‬التونسي‭ ‬بالتحول‭ ‬الديمقراطي‭ ‬على‭ ‬اعتبار‭ ‬أنه‭ ‬لم‭ ‬يحدث‭ ‬نتيجة‭ ‬العنف‭ ‬المسلح‭ ‬وإنما‭ ‬نتيجة‭ ‬للنضال‭ ‬السياسي‭ ‬انتهى‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬أصبح‭ ‬عليه‭ ‬الوضع‭ ‬بعد‭ ‬14‭ ‬يناير‭ ‬2011‭.‬ وبقدر‭ ‬ما‭ ‬كانت‭ ‬هناك‭ ‬آمال‭ ‬معقودة‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬التحول‭ ‬‮«‬الديمقراطي‮»‬‭ ‬خاصة‭ ‬بعد‭ ‬عام‭ ‬2014‭ ‬تاريخ‭ ‬إقرار‭ ‬الدستور‭ ‬التونسي‭ ‬الجديد‭ ‬الذي‭ ‬يؤطر‭ ‬هذه‭ ‬التجربة‭ ‬ويرسم‭ ‬طريقها‭ ‬بقدر‭ ‬ما‭ ‬أشعر‭ ‬بالكثير‭ ‬من‭ ‬الخوف‭ ‬والقلق‭ ‬على‭ ‬هذه‭ ‬التجربة‭ ‬بسبب‭ ‬نتائجها‭ ‬والأخطاء‭ ‬التي‭ ‬وقعت‭ ‬فيها‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬ثلاثة‭ ‬جوانب‭ ‬معلومة‭ ‬ومعروفة‭ ‬للمجتمع‭ ‬التونسي‭ ‬ومقلقة‭ ‬لأبعد‭ ‬الحدود‭.‬ أولا‭: ‬فشل‭ ‬المنظومة‭ ‬السياسية‭ ‬المنبثقة‭ ‬عن‭ ‬الدستور‭ ‬الجديد،‭ ‬وذلك‭ ‬باعتراف‭ ‬أبرز‭ ‬التيارات‭ ‬والأحزاب‭ ‬السياسية‭ ‬التونسية‭ ‬إذ‭ ‬كان‭ ‬واضحا‭ ‬أن‭ ‬النظام‭ ‬السياسي‭ ‬وانطلاقا‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬الدستور‭ ‬ليس‭ ‬مناسبا‭ ‬ولا‭ ‬واقعيا‭ ‬حيث‭ ‬تتوزع‭ ‬السلطة‭ ‬التنفيذية‭ ‬بين‭ ‬رئيس‭ ‬الجمهورية‭ ‬ورئيس‭ ‬الوزراء‭ ‬بطريقة‭ ‬غير‭ ‬واقعية‭ ‬وغير‭ ‬عملية،‭ ‬ما‭ ‬أدى‭ ‬إلى‭ ‬استمرار‭ ‬الصراع‭ ‬وتعطل‭ ‬كل‭ ‬شيء‭ ‬تقريبا‭ ‬بما‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬تعيين‭ ‬الوزراء‭ ‬وإقالتهم‭ ‬والتوقيع‭ ‬على‭ ‬القوانين‭ ‬والاتفاقيات،‭ ‬وذلك‭ ‬نتيجة‭ ‬لهذا‭ ‬النزاع‭ ‬الذي‭ ‬أدخل‭ ‬البلاد‭ ‬في‭ ‬حالة‭ ‬من‭ ‬الجمود‭ ‬بل‭ ‬حتى‭ ‬في‭ ‬حالة‭ ‬من‭ ‬الفوضى‭ ‬السياسية‭ ‬التي‭ ‬نرى‭ ‬ونشاهد‭ ‬ونتابع‭ ‬بعض‭ ‬جوانبها‭ ‬في‭ ‬القنوات‭ ‬الفضائية‭ ‬يوميا‭.‬ ثانيا‭: ‬النظام‭ ‬الانتخابي‭ ‬نظام‭ ‬غير‭ ‬مناسب‭ ‬لأنه‭ ‬لا‭ ‬يعطي‭ ‬الأغلبية‭ ‬لأي‭ ‬حزب‭ ‬سياسي‭ ‬تقريبا‭ ‬بعكس‭ ‬الأنظمة‭ ‬في‭ ‬الدول‭ ‬الديمقراطية‭ ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬خلق‭ ‬سلطة‭ ‬غير‭ ‬فعالة‭ ‬وفقا‭ ‬لما‭ ‬تؤكده‭ ‬التقارير‭ ‬التونسية‭ ‬نفسها‭ ‬بل‭ ‬إن‭ ‬رئيس‭ ‬الجمهورية‭ ‬قيس‭ ‬سعيد‭ ‬نفسه‭ ‬أشار‭ ‬إلى‭ ‬ذلك‭ ‬بوضوح‭ ‬في‭ ‬بعض‭ ‬خطاباته‭ ‬وطالب‭ ‬بمراجعة‭ ‬النظام‭ ‬السياسي‭ ‬والانتخابي‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬حوار‭ ‬وطني‭ ‬تونسي‭ ‬للتقدم‭ ‬إلى‭ ‬الأمام‭ ‬وإلا‭ ‬ستظل‭ ‬تونس‭ ‬تعاني‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬الفوضى‭.‬ ثالثا‭: ‬حالة‭ ‬العنف‭ ‬المستشري‭ ‬حتى‭ ‬داخل‭ ‬البرلمان‭ ‬بسبب‭ ‬الإدارة‭ ‬السيئة‭ ‬لرئيسه‭ ‬السيد‭ ‬راشد‭ ‬الغنوشي‭ ‬الزعيم‭ ‬الإخواني‭ ‬وقلة‭ ‬خبرته‭ ‬في‭ ‬إدارة‭ ‬مثل‭ ‬هذا‭ ‬البرلمان‭ ‬المتنوع‭ ‬فأدخله‭ ‬في‭ ‬حالة‭ ‬من‭ ‬الفوضى‭ ‬والاستعراضات‭ ‬التي‭ ‬تشاهد‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬متابعة‭ ‬جلسات‭ ‬البرلمان‭ ‬الذي‭ ‬يسيطر‭ ‬عليه‭ ‬الإخوان‭ ‬وحلفاؤهم‭ ‬الذين‭ ‬يحصلون‭ ‬في‭ ‬الغالب‭ ‬على‭ ‬الأغلبية‭ ‬لتمرير‭ ‬القوانين‭ ‬والتشريعات‭ ‬التي‭ ‬تقود‭ ‬البلاد‭ ‬إلى‭ ‬حالة‭ ‬من‭ ‬الفوضى‭ ‬والعنف‭ ‬شاهدنا‭ ‬بعضا‭ ‬منها‭ ‬في‭ ‬الاعتداءات‭ ‬المتكررة‭ ‬التي‭ ‬كان‭ ‬آخرها‭ ‬الاعتداء‭ ‬على‭ ‬رئيسة‭ ‬الحزب‭ ‬الدستوري‭ ‬الحر‭ ‬التونسي‭ ‬النائبة‭ ‬المحامية‭ ‬عبير‭ ‬موسى‭ ‬أمام‭ ‬الجميع‭ ‬بحضور‭ ‬أجهزة‭ ‬الإعلام‭ ‬المحلية‭ ‬والعربية‭ ‬العالمية‭ ‬فكان‭ ‬هذا‭ ‬الاعتداء‭ ‬فضيحة‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬إساءة‭ ‬إلى‭ ‬صورة‭ ‬تونس‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬قبل‭ ‬عام‭ ‬2011‭ ‬على‭ ‬الأقل‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬المجال‭ ‬صورة‭ ‬إيجابية‭ ‬ناصعة‭ ‬تحظى‭ ‬فيها‭ ‬المرأة‭ ‬التونسية‭ ‬بأقصى‭ ‬درجات‭ ‬الاحترام‭ ‬والتقدير‭ ‬فإذا‭ ‬بها‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬هذا‭ ‬الوضع‭ ‬الجديد‭ ‬تتعرض‭ ‬للاعتداء‭ ‬بالضرب‭ ‬داخل‭ ‬المؤسسة‭ ‬التشريعية‭ ‬أعلى‭ ‬سلطة‭ ‬في‭ ‬البلاد‭ ‬وهو‭ ‬البرلمان‭ ‬وللمرة‭ ‬الثانية‭ ‬ومن‭ ‬المحزن‭ ‬حقيقة‭ ‬أن‭ ‬يقال‭ ‬إن‭ ‬هذا‭ ‬التحول‭ ‬تحول‭ ‬‮«‬ديمقراطي‮»‬‭ ‬ناجح‭ ‬بل‭ ‬هو‭ ‬الأفضل‭ ‬بين‭ ‬التجارب‭ ‬الديمقراطية‭ ‬في‭ ‬حين‭ ‬أن‭ ‬الواقع‭ ‬يبين‭ ‬عكس‭ ‬ذلك‭ ‬تماما‭.‬ إن‭ ‬الاعتداء‭ ‬المتكرر‭ ‬على‭ ‬رئيسة‭ ‬الحزب‭ ‬الدستوري‭ ‬الحر‭ ‬واستمرار‭ ‬سيطرة‭ ‬تيار‭ ‬الإخوان‭ ‬على‭ ‬مقاليد‭ ‬السلطة‭ ‬التشريعية‭ ‬وجزء‭ ‬كبير‭ ‬من‭ ‬السلطة‭ ‬التنفيذية‭ ‬قد‭ ‬أدى‭ ‬إلى‭ ‬حالة‭ ‬صراعية‭ ‬يترجمها‭ ‬اليوم‭ ‬الحزب‭ ‬الدستوري‭ ‬بشكل‭ ‬رئيسي‭ ‬ومعه‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬التيارات‭ ‬الوطنية‭ ‬الديمقراطية‭ ‬والتي‭ ‬اكتوت‭ ‬بنار‭ ‬الإسلام‭ ‬السياسي‭ ‬الذي‭ ‬من‭ ‬الواضح‭ ‬أنه‭ ‬بصدد‭ ‬إفساد‭ ‬الحياة‭ ‬السياسية‭ ‬وتخريب‭ ‬هذه‭ ‬التجربة‭ ‬بالتحول‭ ‬بها‭ ‬تدريجيا‭ ‬إلى‭ ‬المنطق‭ ‬الإخواني‭ ‬في‭ ‬السيطرة‭ ‬على‭ ‬مقاليد‭ ‬الحكم‭ ‬والعمل‭ ‬على‭ ‬تغيير‭ ‬طبيعة‭ ‬المجتمع‭ ‬التونسي‭ ‬المعروف‭ ‬بالتنوع‭ ‬والتسامح‭ ‬والحداثة‭.‬ لا‭ ‬ندري‭ ‬حتى‭ ‬الان‭ ‬إلى‭ ‬أين‭ ‬يقود‭ ‬هذا‭ ‬الوضع‭ ‬الشقيقة‭ ‬تونس،‭ ‬ولكن‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬يصل‭ ‬إلى‭ ‬العالم‭ ‬اليوم‭ ‬عن‭ ‬تونس‭ ‬سلبي‭ ‬للأسف‭ ‬الشديد‭ ‬سواء‭ ‬بالنسبة‭ ‬إلى‭ ‬الوضع‭ ‬الاقتصادي‭ ‬المتردي‭ ‬أو‭ ‬الوضع‭ ‬الاجتماعي‭ ‬الأكثر‭ ‬سوءا‭ ‬أو‭ ‬الوضع‭ ‬السياسي‭ ‬المتوتر‭ ‬والذي‭ ‬يصل‭ ‬صداه‭ ‬كل‭ ‬يوم،‭ ‬ولذلك‭ ‬نسأل‭ ‬الله‭ ‬سبحانه‭ ‬وتعالى‭ ‬أن‭ ‬يحفظ‭ ‬تونس‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬سوء‭ ‬وشر،‭ ‬وأن‭ ‬يقيها‭ ‬شرور‭ ‬تطرف‭ ‬جماعات‭ ‬الإسلام‭ ‬السياسي‭ ‬الذي‭ ‬اكتوت‭ ‬بناره‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬البلدان‭ ‬العربية‭.‬

مشاركة :