الحرامي «اللي يصيد ولا ينصاد»!!

  • 11/28/2013
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

- 1 - لعله من نسل: «إبليس»، ذلك أنّه يرانا هو وقَبيله من حيث لا نراهم. إذن فهو خلق آخر، إذ يتمتّع بجملةٍ من صفاتٍ لا يُمكن أن يتوافر عليها الأسوياء؛ كما قد قالتهُ أمي -يرحمها الله- ذات ليلةٍ قمراء بحشرجةٍ هامسة: الحرامي يُولد -بشعاً- وبحجمٍ كبيرٍ، بينما يموت وقد اتخذ له شكلاً آخر غير الذي ولد عليه، بحيث يضمر متضائلاً كلما طال به العمر.. إلى أنْ يموت صغيراً، كأيّ حشرةٍ تلقى حتفها تحت أقدام متورّمة. صحّح لها والدي- حفظه الله: بل يموت يا موضي -يخاطب أمي- يوم يموت: رجيماً/ ومسخاً من سوء أعماله. فشلتُ إذ ذاك في أن أتخيّل أيّ صورةٍ لـ: «الحرامي» يمكنها أن تُشبه صور الآدميين ممن أراهم قبالتي وقد اكتظّت بهم الأمكنة، حتى أني في أحلامي المفزعة، كثيرا ما كنتُ أجدني: أهرب وأهرب من شبحٍ بشعٍ لـ: «حراميٍّ» يتكوّر داخل جثةٍ ضخمةٍ لا يفتأ يتتبّعني حيثما توجّهتُ، وبينما تحين مني التفاتةٍ ابتغاء أن أتبيّنَ حقيقته يبدو لي دون ملامح يكتسي بها وجههُ..! 2 - عُلّقت الدراسة في مدرسة: «الخالدية ببريدة»، ليومٍ واحد، ولم يكن ذلك بسببٍ من المطر، ما لكم ولإساءة الظن!؟. إنّما التعليق جاء بسببٍ من أنّ: حراميّاً» قد سطا على المدرسةِ ليلاً، وقد تمكّن -بأمانٍ- من سرقة كلّ شيء كان ثميناً من حجرتي: «المدير» و: «وكيله». ولما أن عدنا في الغد، ما كان للجميعِ من حديثٍ يتداول آنذاك، غير الكشف عن هويّة: «الحرامي» الذي لم يكن سوى ذلك الشاب فارع الطول: ابن مدير المدرسة الذي كان عيناً لوالده! شيئٌ واحد لم نستوعبه في أمر تلك: «السرقة»، وهو أنّ -مفاتح والده/ المدير- هي التي قد تمّ استعمالها في عملية السطو. وكانت هي أول عمليةٍ تعرفت من خلالها على أن كثيراً من السرقات قد لا تحتاج إلى كسر أقفال ولا إلى تسوّر المباني! كنت أعرف -السارقَ- كبقية تلامذة المدرسة، إذ كان صحبةَ والده حيثما راح أو جاء، وبخاصةٍ أثناء الاصطفاف في الطابور.. فلقد كان هو من يستأنف: «الإذاعة المدرسية» بقراءة سورةٍ من قصار جزء عم! تلك كانت هي المرة الأولى التي أتبين فيها ملامح : «حرامي» وعن كثب. وما إن عدت إلى البيت، وقبل أن أتخفف من: «حقيبتي»، رحتُ بتلقائية مَن عرف شيئا جديداً أقصُّ على: «أمي»، تفاصيل الحكايةِ، وبسرعةٍ لم تألفها فيَّ، جئتُ على: «الزبدة» مباشرةً لأعلنَ لها عن هذا الاكتشاف: يُمّه.. طلعَ: «الحرامي» واحد من بني آدم.. وليس كما قد كنت ظننته -بادي الرأي- من نسل: «إبليس» بل اكتشفت أن: «الحرامي» قد يكون ابناً لرجلٍ تقيّ/ ومدير! 3 - وكلّما نضجتُ ألفيتُ: «الحرامية» أكثر مما كانوا عليه قبلاً، إذ يتكاثرون بصورةٍ هي أشبه ما تكون بخصوبة ما عليه: «الذباب» أثناء تناسلها، غير أنّ ما هم عليه من تكاثرٍ لم يكن له أدنى تأثيرٍ على: «خصوصيّتهم» بحيث ظلّوا نسخة واحدة طبق الأصل. واسألوا إن شئتم أنفسكم: هل أنّ أحداً منكم يمتلك قدرةً في التفريق فيما بين ذبابٍ وآخر؟! وأيّا يكن الأمر.. فلقد كان: «معهد بريدة العلمي» إبان تلك المرحلة من عمري، قد دأبَ أن يحيطني بهالةٍ -قدسيّة- من تديّنٍ فطريٍّ- لم يمسسه طائفٌ من أدلجة.. وكنت حينها أعرف أنّ ثمة: «حرامية» كثراً، لكن ما كنت على يقينٍ منه بسببٍ من حسّ دينيٍّ مرهفٍ يتلبّسني: هو أنّه من المحال أن يكون هاهنا: «حراميٌّ» داخل قُدّاس المعهد!. بيد أنّ هذا الظن الأبيض سرعان ما اسودَّ واقعاً، بفعل: «حرامي» قد مارس شغله باحترافٍ يظهر أنه تدرّب عليه منذ أن كان صبيّا، إذ قبض على هذا: «الشيخ الوافد» متلبساً بجريمة بيع الأسئلة، من بعد مضي أكثر من ثلاث سنوات وهو يقتات -بهذه الطريقة- من أسئلة بقية: «الشيوخ»، باعتباره هو مَن كان الوحيد الذي يجيد فيهم: «الضرب على الآلة الكاتبة» وقتها، وكان -أساتذتي الشيوخ- كثيراً ما يغبطونه على محض احتسابه وبذله وقته/ وجهده دون أن يقبل ريالا واحدا من أحد منهم، إذ يقسم لهم الأيمان المغلظة، أنه ما كان يريد بهذا العمل إلا وجه الله والدار الآخرة! 4 - كبرتُ، بل وكبرنا كلّنا، في الأثناء التي كبُر فيها: «الحراميّة» بشكلٍّ يجعلك تخافُ حتى: «ظلّك» ذلك الذي لا يمكنه أن يأتي لأي مكانٍ دونك، حتى: «ظلّنا» طفقنا نخافه، خشية أن يكون هو الآخر متواطئاً مع القوم إياهم! آمنتُ إذن بأنّ مَن لم يكن: «حراميّاً» فسيظلُّ هو الاستثناء، وذلك أنّ: «القاعدة» ليس من شأنها أن تعترف إلا بمن كان: «لصّاً»! وبالجملةِ.. فلقد انتهت أسطورة: «حراميّ/أفلام الكرتون» ذي البزّة المقلمة، وبتنا في عصر: «عولمة الحرامي» الذي يمكنك أن تلقاه في: «مرقص» بشهقاتٍ متتابعةٍ لمخمورٍ يبحث عن ظلّه!، كما يمكنك أن تلقى حراميّاً بذات المواصفات العالمية التي كان عليها: «حراميّ» المرقص، ولكن هذه المرة قد تجده في: «مسجد» مسبّحاً ثم لا يلبث أن يأخذك بالأحضان، ولا يأنف بالتالي: أن يقول بصوتٍ متهدّج خاشع تعالَ بنا: «نسرق.. ساعة»!!.. ومن هنا يمكن القول: إنّ: «الحرامي» قد يكون: «عربيداً» وليس بمستغربٍ أن يحظى بشقيق له في ذات المهنة يصنّف: «داعيةً ذلك أنّ المسألة لا تعدو أن تكون: «سرقة» وهي التي أضحت بمتناول الجميع! ولئن التقيت قبالتك بكبيرٍ يندسّ بفشخرةٍ داخل: «بشتٍ» مقصّبٍ.. يوصف على أنه: «مسؤول كبير» فإنّ: «فراشه» هو الآخر ليس بأقلَّ منه احترافيّةً و(لعانةً) فخذ حذرك من أيّما أحدٍ.. ألم يقل أحدهم ذات يأس: الواقع يحيّر عقول الرجاجيل ** فينا حرامي بس (وين الحرامي)! 5 - وبما أني من عشاق: «الأسئلة»، وأستشرف إجاباتكم، فختم المقالة سيكون أسئلة على هذا النحو: • أي علاقة عضويّة تربط فيما بين صناعة: «الفساد» وتبيئة: «الحرامي»؟! • لو أنّ نزاهة استبدلت مكافحة: «الحرامية» بمكافحة الفساد هل بتصور من كان منكم متابعا- يمكن أن نلحظ نجاحات أفضل من الحال التي عليها:«نزاهة»؟! • لماذا لا يرعبنا إلا: «الحرامي/ الصغير»؟! ما أخشاه أن تقولوا: بسببٍ من كونه فقيرا و«غشيم»!! • لئن لم يكن ممكناً أن: «يحترم الحرامي» إلا حراميٌّ مثله فإنّ السؤال يبقى مشروعا عمن هم الذين يدافعون عن: «الحرامي»؟! وهل سيأتي اليوم الذي نستدل بهؤلاء على هؤلاء؟! • متى أو في أي طورٍ ينتقل فيها: «السارق» من كونه يرقة/: يحمل لقب: «لص» إلى طور اليافع حاملاً لقب: «حرامي»؟! وهل لا بد له من حاضنة؟! • هل يسوغ تأنيث لفظة: «حرامي» و: «لص»؟! أم أنّ ما يمكن أن يقال في شأنها يمكن أن يطرد كما هو في لقب: «عضو»؟! • أولئك الذين لم يعيشوا تجربة: «الحرامية» بحياتهم ولا مرة واحدة هل سبب ذلك عائد لعدم نجاح محاولاتهم أم أن للدين والمبادئ وحب الوطن- أثراً في ذلك؟! • وفي الموجز: إذا ما أردت أن تعرف حجم تدينك وصدقه.. وحبك لوطنك من عدمه فأخبرنا ما مقدار ما فيك من: «حرامية/ ولصوصية»؟!

مشاركة :