الدوحة - صدّق أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني الخميس على قانون انتخابي لأول انتخابات تشريعية في البلاد من المقرر إجراؤها في أكتوبر القادم وهو موعد متخيّر بعناية ليسبق بحوالي سنة موعد احتضان البلد لنهائيات كأس العالم في كرة القدم حيث ستكون الأضواء الدولية مسلطة أكثر من أيّ وقت مضى على الأوضاع السياسية والحقوقية في قطر التي ستكون بأمسّ الحاجة لتجميل تلك الأوضاع ولو بشكل سطحي. ويتم في تلك الانتخابات اختيار ثلثي أعضاء مجلس الشورى أي 30 عضوا في المجلس المؤلف من 45 مقعدا والذي تمّ ايضا التصديق على قانون جديد خاص به. ويقوم الأمير بتعيين بقية الأعضاء. وفي استفتاء أجري في 2003 وافق القطريون الذين يشكلون 10 في المئة فحسب من عدد السكان على دستور جديد ينص على إجراء انتخابات جزئية للمجلس الذي يجري تعيين جميع أعضائه في الوقت الراهن. وظل موعد إجراء تلك الانتخابات مؤجّلا منذ ذلك الحين. وينص القانون الجديد على أن يتمتع “بحق انتخاب أعضاء مجلس الشوري كل من كانت جنسيته الأصلية قطرية وأتم 18 سنة ميلادية، ويستثنى من شرط الجنسية الأصلية كل من اكتسب الجنسية القطرية وبشرط أن يكون جدّه قطريا ومن مواليد دولة قطر”. أما ما يخص المرشحين فيتعين أن يكون المرشح “جنسيته الأصلية قطرية ولا يقل عمره عند قفل باب الترشح عن 30 سنة ميلادية”. وسيجري تقسيم البلاد إلى 30 دائرة انتخابية يتم انتخاب مرشح واحد فقط لتمثيل كل منها. ويُحظر ترشح أو تصويت أيّ مواطن “قد سبق الحكم عليه نهائيا في جريمة مخلة بالشرف أو الأمانة ما لم يكن قد ردّ إليه اعتباره وفقا للقانون”. صورة قطر المفتقرة للهيئات المنتخبة محرجة لشركائها الغربيين الذين ساعدوها في الحصول على تنظيم المونديال ولا يجوز للوزراء وأعضاء الهيئات القضائية وأفراد الجيش وأعضاء المجلس البلدي المركزي ترشيح أنفسهم في الانتخابات “طوال مدة شغلهم مناصبهم أو وظائفهم أو عضويتهم”. ومع اقتراب موعد نهائيات كأس العالم تحتاج قطر إلى تسريع تحسين صورتها المرتبطة في أذهان العديد من الشعوب والبلدان بدعم التشدّد وانتهاك حقوق العمّال وامتهان كرامة المرأة. وكان قد دار الحديث في المنابر الإعلامية الدولية إثر حصول قطر بشكل مفاجئ على امتياز تنظيم التظاهرة الرياضية الأكثر جماهيرية في العالم حول غياب أي ّمظهر للديمقراطية في البلد من خلال افتقاره شبه الكامل للهيئات والمؤسسات المنتخبة، باستثناء المجالس البلدية، وكذلك تراجع الاهتمام بحقوق الإنسان ضمن أولويات الدولة القطرية وعدم ملاءمة قوانينها لما تنص عليه المواثيق والأعراف الحقوقية الدولية. ووصف منتقدون للإصلاحات التي أدخلتها قطر خلال السنوات الأخيرة وطالت قوانين العمل بالشكلية. واعتبر البعض أنّ صورة قطر المفتقرة للمؤسسات الديمقراطية وهي تحتضن نهائيات كأس العالم التي تتجاوز مجرد كونها مناسبة رياضية إلى مناسبة حضارية أشمل ستكون محرجة خصوصا لشركائها الغربيين من سياسيين ومسؤولين رياضيين ساندوها في الحصول على تنظيم المونديال وتحمّلوا في سبيل ذلك الكثير من الشكوك والانتقادات. Thumbnail ويقدّم مجلس الشورى غير المنتخب حاليا المشورة للأمير بشأن مشاريع القوانين لكنّه لا يضع تشريعات خاصة به ويمكن نقض أحكامه بمرسوم. وكان أمير قطر قد أصدر في أكتوبر 2019 قرارا بإنشاء “لجنة عليا للتحضير لانتخابات مجلس الشورى”. كما سبق له أن قرّر تعيين أربع سيدات في المجلس في خطوة هي الأولى من نوعها. وبعيدا عن متطلّبات الاستعداد لنهائيات كأس العالم القادمة، واجهت قطر على مدار السنوات الماضية مفارقة جعلتها عرضة باستمرار لانتقادات حادّة، وتتمثّل تلك المفارقة في أنّ الدوحة تحوّلت منذ إطلاقها قناة الجزيرة الفضائية إلى أكبر “عرّاب” للديمقراطية وحقوق الإنسان في العالم العربي دون أن تطبّق ما يُنَظّر له إعلامها على وضعها الداخلي. وتجاوزت قطر مجرّد الدفاع عن الديمقراطية وحقوق الإنسان في المنطقة إلى اتخاذهما سلاحا لزعزعة استقرار عدد من البلدان العربية، من خلال تبنّيها الكامل لما يعرف بثورات الربيع العربي، والتي كانت “الديمقراطية” المطلوبة من خلالها تسير في اتجاه واحد وهو تصعيد جماعة الإخوان إلى سدّة الحكم في بلدان مثل تونس وليبيا ومصر وسوريا واليمن، لكنّ عدم قدرة قطر على السيطرة على الأحداث في بعض البلدان دفع الأوضاع هناك إلى سيناريوهات كارثية على غرار ما هو قائم على سبيل المثال في كل من ليبيا وسوريا واليمن. وشهدت قطر إصلاحات تجميلية حذرة في قضايا مثل حقوق العمال وتمثيل المرأة في مؤسسات الدولة منذ وصول الشيخ تميم إلى السلطة في 2013 خلفا لوالده الشيخ حمد بن خليفة الذي كان قد وصل إلى السلطة سنة 1995 بانقلاب على والده الشيخ خليفة. وسبق للشيخ تميم أن قلّل في خطاب له من أهمية الانتخابات في بلاده قائلا “ليست الانتخابات معيار الهوية الوطنية فقد تبلورت هوية قطر عبر الزمان وتظهر في أبهى صورها في تضامن مجتمعنا وتماسكه”.
مشاركة :