الوفاء في ماضي الزمن الجميل

  • 7/30/2021
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

نتحدث هنا عن قصة وفاء من ماضي الزمن الجميل الذي افتقدنا بريقه وتقاربه وإخلاصه وتعاطفه برد الجميل لأصحاب الجميل وعدم التنكر لمن أسدى إليهم الجميل في هذا الزمن الرمادي إلا القليلين من الناس الذين لايزالون متمسكين بجمالية الوفاء ويردون الإحسان بالإحسان بعطر الخلق ونقاء السريرة والأخلاق الحميدة التي يتحلون بها. إن إحدى قصص الوفاء في ماضي الزمن الجميل رواها لي صديق تأثرت بها وارتأيت أن أشارك القراء والمتابعين بهذه القصة. يقول الصديق كان رجل يعمل في بلد غير بلده في محل يملكه ليأتي من يقول له إنني أعرف إحدى الأمهات لديها ابن يبلغ من العمر تسعة أعوام وهو يتيم بوفاة والده ويعيش مع أمه ليساعدها. ولما سمع الرجل هذا الكلام قام بتعيينه في محله يساعده مقابل راتب شهري ليساعد والدته. وصادف أن كان الرجل صاحب المحل جالسا أمام محله ومعه الولد جالسا بجانبه ومر أمامهم عدد من الطلبة ذاهبين إلى مدارسهم وقال الرجل للولد لماذا لاتذهب إلى المدرسة مثلهم للدراسة فرد الولد بالقول إن والدتي تقول لو عندي (ماكينة خياطة) لكنت قمت بخياطة الملابس في بيتي لأدفع لك مصاريف الدراسة. وماكان من الرجل بعد أن سمع هذا الكلام إلا أن ذهب واشترى (ماكينة الخياطة) ليعطيها للأم إلى جانب إدخال الولد إلى المدرسة على حسابه الخاص إلى أن تخرج واشتغل في وظيفة بمنصب كبير. وبعد قضاء عدة سنوات في هذا البلد رجع الرجل إلى وطنه الأم . ثم انقطعت العلاقة بين الرجل والأم وولدها. وبعد مايقارب الثلاثين عاما اتصلت بالرجل امرأة كبيرة في السن في بلده لايعرفها تقول له إن ابنها مسجون في السجن صارله أربع سنوات في بلد خارج بلدهم وذكرت له اسم البلد المسجون به ولدها مستذكرا أن هذا البلد هو نفسه الذي عمل وعاش فيه عدة سنوات. وأخذت الأم تبكي أمامه وتطلب منه المساعدة للإفراج عن ولدها وأعطته مبلغا من المال لكي يعطيه من يساعد في إخراج ولدها من السجن. وماكان من هذا الرجل إلا أن سافر إلى هذا البلد وذهب إلى الحي الذي تسكن فيه الأم وولدها في ذلك الوقت فطرق الباب وفتحت له الباب الأم ليقول لها أنا فلان الذي كنت عندكم في بلدكم الذي كان يعمل لدي ابنك في المحل. فتذكرت الأم هذا الرجل وأخذت تحتضنه وتشكره وسألها عن ولدها وأدخلته إلى بيتها وبعد وقت قصير جاء الولد إلى بيته لتقول له أمه هل تتذكر الرجل الذي عملت لديه واشترى لنا ماكينة الخياطة إنه موجود في قاعة الاستقبال. فلما رآه أخذه بالأحضان وجلسا مع بعض ليرى صورة معلقة بالحائط تجمعه في الصورة مع الولد الصغير الذي شغله في محله. ومكتوب تحت هذه الصورة (لكي لا أنسى محفوره في قلوبنا) وهذا قمة في الوفاء. وبعد أن أسكنه الابن في بيته طوال فترة إقامته وبعد تناول أطراف الحديث قال الرجل للابن إنني جئت لأطلب منك المساعدة إذا كنت تستطيع لإخراج أحد أبناء بلدي من السجن فرد عليه أعطني بعض الوقت. ولما عرف الابن أسباب سجن هذا الشخص ذهب إلى الذي رفع قضية ضده وطلب منه الإعفاء عنه وإخراجه من السجن وتعاطف معه هذا الرجل وأخرج الشخص من السجن ليعود معه إلى البيت ليسلم له هذا الشخص فقام هذا الرجل ليشكره على ماقام به وقدم له مبلغا من المال ليعطيه للذي تنازل عنه فقال له إنه لم يطلب أي شيء ورفض أخذ المبلغ لاستخراج السجين من السجن ويعفو عنه. وماكان من هذا الرجل إلا أن أعطى الابن الذي ساعده في إخراج الشخص من السجين مبلغا من المال إلا أنه رفض أن يأخذه وقال له إنه لايمكنني أن أنسى تعيني في محلك بالعمل وشراء ماكينة الخياطة لوالدتي وإدخالي المدرسة ودفع تكاليف الدراسة إلى أن تخرجت والآن أعمل في وظيفة بمنصب كبير في بلدي وهذا أيضا من الوفاء. ورجع الرجل إلى بلده مصطحبا معه ابن الأم الذي طلبت منه مساعدتها بإخراجه من السجن مقابل مبلغا من المال جمعته لإعطائه لمن يخرج ولدها من السجن واستقبلته الأم في بيتها واحتضنته وقبلت رأسه قبل أن تحتضن ولدها وفاء له. وأرجع لها مبلغ المال الذي أعطته إياه لمن يخرج ابنها من السجن. كما قامت الأم بإعطاء المبلغ لهذا الرجل الذي سافر لمحاولة إخراج ولدها من السجن ولكنه رفض أن يأخذ المبلغ وفاء لهذه الأم الذي وعدها بمحاولة إخراج ولدها من السجن وحقق لها أملها برؤية ولدها. هذه القصة نستخلص منها مجموعة من الوفاء. وفاء الرجل للأم وولدها بشتغيل الولد عنده في محله وشراء ماكينة الخياطة وتدريس الولد على حسابه الخاص. ووفاء الأم وولدها للرجل بتعليق الصورة التي تجمع بين الرجل والابن بصغره ومكتوب تحت الصورة عبارة (لكي لا أنسى محفورة في قلوبنا). ووفاء الأم التي رأت ولدها الذي لم تره منذ أكثر من أربع سنوات مع الرجل الذي أخرجه من السجن لتترك ولدها وتقبل رأس الرجل ولتعطيه المال الذي رفض أن يأخذه. فأين نحن الآن من مثل هذا الوفاء الذي كدنا أن نفقد بريقه من البعض في مجتمعنا الطيب ليتنكر البعض للذين أسدوا إليهم الوفاء في الأيام التي كانوا محتاجين فيه للوفاء مقابل ماقدموه لهم من الوفاء متناسين وليسوا ناسين وناكري جميل الوفاء. إننا نترحم على ماضي الكويت الجميل بتواصله وتقاربه ووفائه من البعض للآخرين بالتباعد بين البعض من العائلات والأقرباء والأصدقاء الذين فقدوا عطر ورائحة الوفاء الجميل الذي يجمع ولا يفرق. وسلامتكم بدر عبدالله المديرس Al-modaires@hotmail.com

مشاركة :