تونس - فاقمت قرارات الرئيس التونسي قيس سعيّد المتمثلة في حل الحكومة وتجميد البرلمان ورفع الحصانة عن نوابه، الانقسامات داخل حزب النهضة الإسلامي الأكثر تمثيلا بمجلس النواب بين دعا زعيم حزب النهضة ورئيس البرلمان راشد الغنوشي في البداية الناس إلى الخروج ضد سعيد كما فعل المتظاهرون ضد زعيم سلطوي مخضرم عام 2011 وقاد اعتصاما أمام مقر البرلمان قبل أن يتراجع ويحث على الهدوء والحوار. وحركة النهضة اليوم مربكة بين ترميم شعبيتها المتهالكة والتموقع بالمشهد السياسي الجديد، بينما تواجه ملفات فساد معروضة أمام القضاء، فقد فتحت النيابة العمومية تحقيقا في مصادر تمويلها إلى جانب حزبي قلب تونس وعيش تونسي. وقال ماهر مذيوب، مساعد رئيس البرلمان راشد الغنوشي، وهو قيادي في النهضة، "هناك وعي داخل النهضة أنه يجب تجنب التصعيد. لا أحد يريد عنفا وحربا أهلية.. نرغب في الحفاظ على الهدوء في الديمقراطية التونسية"، بينما يرى آخرون مراوغة تنسجم مع متغيرات المشهد السياسي بعد قرارات سعيّد. ومع ذلك عارضت القرار شخصيات أخرى داخل حزب النهضة ترى أن التراجع سيسمح لسعيّد بقمع الحركة بسهولة. وقال أحد المسؤولين إن تجنب المواجهة سيكون له ثمن "باهظ". ويأتي ذلك بعد عامين من جدل داخلي حول الاستراتيجية جعل قيادة الغنوشي موضع شك. والغنوشي سجين سياسي سابق عاش في المنفى وقوبل بترحيب بالغ لدى عودته بعد الانتفاضة. والسبت طالب بيان صادر عن شباب الحزب وبعض النواب المنتمين للنهضة حمل عنوان "تصحيح المسار"، القيادات بحل المكتب التنفيذي للحزب لفشله في إدارة البلاد وتلبية متطلبات التونسيين، داعين الغنوشي إلى تغليب مصلحة البلاد لتجاوز الأزمة. وجاء في البيان "هذه الوضعية الحرجة، والتي لا يخفى على أحد منا أن حزبنا كان عنصرا أساسيا فيها، تضعنا أمام حتمية المرور إلى خيارات موجعة لا مفر منها، سواء كان ذلك من منطلق تحمل المسؤولية وتجنب أخطاء الماضي، أو استجابة للضغط الشعبي". ودعا البيان حركة النهضة لتحمل المسؤولية عن الفشل في تحقيق مطالب الشعب وتفهم حالة الاحتقان والغليان. وخسر حزب النهضة أنصاره بشكل مطرد على مدى العقد الماضي حيث كان يروج لموقف أيدلوجي معتدل ويدعم حكومات متعاقبة فرضت خفضا في الإنفاق أضر بشدة بالمناطق الفقيرة حيث كان الحزب يحظى بأقوى تأييد ويتحمل على الأقل مسؤولية قانونية وأخلاقية في الفساد الحاصل بالبلاد. تراجع نصيب الحزب من التصويت في الانتخابات المتتالية حتى عام 2019 عندما حصل على ربع المقاعد فقط في البرلمان رغم أن أداءه كان أفضل من منافسيه. ومثلت حركة النهضة التونسية، التي كانت محظورة قبل الانتفاضة، جزءا أساسيا في الحكومات الائتلافية المتعاقبة، وهي حاليا أكبر حزب في البرلمان (مجلس نواب الشعب) الذي يرأسه زعيمها راشد الغنوشي. وفي انتخابات رئاسية أُجريت في وقت متزامن، خسر مرشح النهضة في الجولة الأولى وأيَد الحزب سعيّد في جولة الإعادة ضد قطب الإعلام نبيل القروي الذي واجه تهما بالفساد. ورغم تأييده الأولي لرئاسة سعيّد، انضم الغنوشي لاحقا لحزب القروي، قلب تونس، في دعم رئيس الوزراء هشام المشيشي في خلاف مع الرئيس. وأثارت الاستراتيجية، التي تستهدف تعزيز نفوذ حزب النهضة في الحكومة، استياء بعض الأعضاء الأصغر سنا وأحدثت انقساما في القيادة. ودعا 100 عضو بالحزب الغنوشي العام الماضي للتخلي عن نهجه التوافقي والالتزام بإصلاحات شاملة والتنحي في نهاية المطاف. ويرى محللون أن الحكومات المتتالية التي قادتها حركة النهضة لم تفلح سوى في إشعال الحرائق السياسية وافتعال الأزمات والفتن من أجل صرف أنظار الشعب التونسي عن الفشل الحكومي المتواصل في إدارة شؤون البلاد، لكن الشارع التونسي قال كلمته والرئيس قيس سعيّد استجاب بقرارات تستدعيها متطلبات المرحلة السيئة التي آلت إليه تونس. وعلى حركة النهضة يصب كثير من التونسيين غضبهم لمجرد ذكر أسمها في كل مكان. واتهمت النهضة التي شاركت في جميع الائتلافات الحكومية منذ ثورة 2011 وتحظى بأكبر تمثيل في البرلمان، الرئيس بتنفيذ "انقلاب". لكن بعد عشر سنوات من مشاركتها في الحكم، تواجه الحركة عداء متزايدا من قبل التونسيين. "فاسدون" و"منافقون" و"كذابون" بهذه العبارات وصفت غالبية السكان الذين التقتهم فرانس برس في البلدة القديمة بتونس العاصمة هذا الحزب الذي يعتبرونه المسؤول الرئيسي عن ويلات البلاد في مواجهة أزمة ثلاثية سياسية واجتماعية وصحية. وبعد جمع بضع مئات من المؤيدين أمام البرلمان الاثنين ودعت مناصريها للخروج ضد قرار سعيد الذي وصفته بـ"الانقلاب"، تلعب النهضة الآن ورقة التهدئة. فالحركة تدعو إلى "حوار وطني" وتقترح تنظيم انتخابات تشريعية ورئاسية جديدة للخروج من الأزمة، بينما يحاول الحزب التموقع مجددا في هذه المستجدات في ظل تهالك شعبيته. في المقابل وعد الرئيس التونسي الجمعة بألا يتحول إلى دكتاتور ورفض اتهامات بأنه نفذ انقلابا، وذلك بعد اعتقال عضوين بالبرلمان. رجح أمين عام حزب حركة الشعب، القريب من التونسي، تكوين حكومة خالية من السياسيين، تكون مهمتها الأولى إيجاد حلول للأزمة الاقتصادية. ويترقب الشارع في تونس تعيين سعيد لرئيس وزراء جديد، وحكومة جديدة، في أعقاب إعلانه التدابير الاستثنائية في البلاد يوم الأحد الماضي. وأعربت منظمات غير حكومية دولية عدة السبت عن قلقها إزاء الوضع في تونس منذ أن تولى رئيس الدولة كامل السلطات وبعد اعتقال النائب المستقل ياسين العياري. وأعلن القضاء العسكري أن العياري الذي اعتقل أمس الجمعة بعد رفع الحصان عن نواب البرلمان سيقضي عقوبة سجن صدرت بحقه في 2018 بتهمة "الحط من معنويات الجيش". في المقابل أطلقت السلطات التونسية السبت، سراح النائب البرلماني عن ائتلاف الكرامة ماهر زيد، عقب يوم واحد على توقيفه. والجمعة، أوقف زيد، على خلفية قضية وقعت تسويتها منذ عام 2018، إذ حكم عليه غيابيا بالسجن عامين بتهمة "إهانة الرئيس الراحل الباجي قايد السبسي".
مشاركة :