أزمة القيادة تعمق الانقسامات داخل الأحزاب الجزائرية | صابر بليدي | صحيفة العرب

  • 7/20/2020
  • 00:00
  • 13
  • 0
  • 0
news-picture

الجزائر - فقدت الأحزاب في الجزائر ثقتها لدى الشارع، وهيبتها لدى السلطة، فلم يعد بإمكانها إقناع الأول بأي خطاب، ولا على فرض منطقها على الثانية، ومثلت ممارساتها الداخلية المتراكمة أكبر ذريعة تقدمها للنظام على الاستمرار في نهج الأحادية، فالحزب الذي يفتقد إلى التداول على قيادته، لا يمكن أن يرافع عن التداول في السلطة. وشكلت استقالة الناطق الرسمي لحزب طلائع الحريات المعارض أحمد عظيمي، ضربة قاصمة للحزب ورسالة قوية تترجم الواقع الذي تعيشه الطبقة السياسية في الجزائر، فالتحجر الذي دفع الشارع إلى الانتفاضة في فبراير 2019 على سلطة بوتفليقة، نفسه الذي يدفع العديد من المناضلين إلى الاستقالة من أحزابهم. وإذا كان الأمين العام للحزب علي بن فليس، قد فهم الرسالة من خلال فشله في بلوغ سدة الرئاسة عبر مشاركته في ثلاثة استحقاقات رئاسية (2004، 2014 و2019)، وقرر الانسحاب من الحزب ومن المشهد، فإن أمينة عام حزب العمال اليساري لويزة حنون، باقية في منصبها للعام الـ30، ولا شيء في الأفق يوحي بأن المرأة بصدد مراجعة موقعها في الحزب. ولأن الرأي الآخر والنقاش الحر والتداول على المناصب مغيب في الكثير من الأحزاب، فإن السلطة تكون قد استحوذت على ذريعة مجانية للاستمرار في مواقعها بنفس الخطاب والمنهج الداعي للاستقرار والمؤامرات الخارجية، ولم تعد تزعجها إلا الاحتجاجات الشعبية ومدونون وناشطون، رغم أن البلاد تمتلك عشرات الأحزاب، منها ما مرّ على تأسيسه ثلاثة عقود. وطرح أحمد عظيمي، الذي يعدّ أحد المؤسسين البارزين للحزب، عمق المشكلة التي تلف بالأخلاق والممارسات السياسية في الجزائر، من خلال إشارته في رسالة الاستقالة إلى ما أسماه بـ”ضرورة وصول المناضل إلى المسؤوليات الحزبية عبر الانتخابات لا بمنطق التزكية”. وهذا المسار هو الذي غيب الرأي الآخر داخل التشكيلة السياسية الواحدة، وحوّل مناصب المسؤولية إلى كعكة يستحوذ عليها بطرق وأساليب غير ديمقراطية وغامضة، فالقوى التي تخاطب الشارع بالاحتكام لصندوق الاقتراع، هي التي أزاحت لعبة الصندوق في ممارساتها الداخلية. باستثناء جبهة القوى الاشتراكية التي حافظت على التداول على قيادة الحزب، فإن كبرى الأحزاب تحتكم لخيار "التزكية" وباستثناء جبهة القوى الاشتراكية التي حافظت على تقليد التداول على قيادة الحزب، فإن كبرى الأحزاب ولاسيما تلك الداعمة للسلطة باتت تحتكم لخيار “التزكية” مما غيب التنافس الحقيقي داخلها وغلّب كفة الإقصاء. وكان حزبا التجمع الوطني الديمقراطي وجبهة التحرير الوطني، قد نصّبا قائديهما الجديدان طيب زيتوني وأبوالفضل بعجي، عن طريق التزكية ما أثار انتقادات حيال ذلك. ولفت الناطق الرسمي لطلائع الحريات في رسالة استقالته، إلى أنه “أدلى في اجتماع المكتب السياسي في دورته العادية لشهر يناير الماضي، أنه يجب الذهاب إلى المؤتمر بفكرة أن كل المسؤوليات يجب أن تمر عبر الانتخابات وأنه يجب إبعاد كلمة: تزكية، من قاموس طلائع الحريات نهائيا”. ورغم مرور ثلاثة عقود على التجربة الديمقراطية في الجزائر بما فيها وما عليها، إلا أن مسألة الحوار الداخلي والتداول الطبيعي والقبول بالرأي الآخر، تبقى من صميم الأزمة المعقدة في المجتمع الجزائري، فهي تتعدى حدود الفعل السياسي الى حدود المجتمع برمته. وباستثناء النماذج النادرة التي تنتهج أسلوب ديمقراطي داخلي، وممارسة التداول بالانقلابات الداخلية كما الشأن في حزب جبهة التحرير الوطني الحاكم، حيث ارتبط قدوم القيادات المتعاقبة بسحب عنيف للبساط من القيادات السابقة، فإن الثبات في هرم الأحزاب وحتى الجمعيات والمنظمات هو السمة الغالبة على المجتمع السياسي والمدني في البلاد. ويبدو أن حزب طلائع الحريات الذي ولد من رحم جبهة التحرير الوطني، على اعتبار أن أمينه العام المنسحب علي بن فليس، والكثير من كوادره، قد مارسوا مسؤوليات حزبية أو رسمية، يتجه نحو أول انشقاق بظهور بوادر صراع على منصب الأمين العام، واللجوء إلى التكتلات الداخلية بدل المرور بمنطق الصندوق.

مشاركة :