في موضوع الحزن على وفاة الأحباب، والتأثر من غيابهم عن الحياة، والأوجاع التي تصيبنا كلما زارنا الموت واختطف من بين أيدينا من نعزهم ونغليهم، في هذا الموضوع حيث يمس الحزن من حين لآخر هذه الأسرة أو تلك، لا يكاد يطوي النسيان حدثاً مؤثراً كهذا، حتى نجد أنفسنا أمام تكراره، والتوجس من أن يختار مستقبلاً ما يختاره من بيننا بحادث أو مرض أو لسبب آخر، سواء في هذا المكان أو ذاك، وقد قيل تعددت الأسباب والموت واحد. * * ومع وفاة أخي الحبيب عبدالرحمن بن حمد المالك -أبو سعود- حضر الحزن، وفاضت الدموع، وارتفع حجم التأثر، وعادت الذكريات تتحدث عن الرجل الإنسان الشهم الذي فقدناه، والأخ المخلص الذي لن نراه في حياتنا بعد اليوم، ذكريات جميلة ممزوجة بالدموع، وسنوات من النبل لا يغيّبها الموت، وشهامة ربما تخفي تسارع الحياة قياسها وتثمينها بما يستحق في ظل ركض لا يتوقف؛ ففقيدنا يبقى مع تواضعه يحمل مخزوناً من الأريحية، فزّاعاً خيّراً في خدمة من يكون بحاجة إلى عونه ومساندته. * * صحيح أن (أبوسعود) لم يكن في مركز قيادي في الدولة، أو أنه كان واحداً من رجال المال والأعمال، وأن أي موقف مثمّن منه جد محدود، لكنه لم يكن يبخل بما يستطيع أن يقدمه لغيره، ولم يكن صاداً عن التعاون مع الآخرين، فطابعه وطبيعته وما كان يتميز به أنه كان باشاً فرحاً وسعيداً حين يُرضي من يتواصل معه من الأقرباء والأصدقاء والمحبين. * * وفاته حرّكت الذواكر، وبدأ القريبون منه، يتذكرون سجاياه وخصاله وطيبته، وما كان عليه من بساطة في حياته، يتذكرون مواقفه، عصاميته، وسنوات الترحال بين عدد من الدول لإنجاز أعماله، معتمدًا في ذلك على نفسه في كل شيء دون أن يحتاج إلى من يساعده في أي شأن من شؤونه. * * أبو سعود، يحبب بنفسه، ويقدر الكبير الذي يسبقه في العمر، ويحترم من هو أقل منه في سنوات العمر، ومجلسه أنيس ولا يمل، ومن صفاته إيثار الآخرين على نفسه في كثير من الأشياء، والتنازل عما يراه حقًا اجتماعياً له، وظل هذا دأبه إلى أن مات، فلا خصومات ولا خلافات ولا وقفة نفس منه ضد أي أحد قريبًا أو بعيدًا منه. * * ولقد أكرمه الله بزوجة صالحة تابعت سنوات مرضه بالعناية والاهتمام والتفرغ التام له، وكانت (أم سعود) زوجة مثالية تحملت مسؤولياتها في خدمة زوج مريض ومقعد، كما رزقه الله بابن صالح، فقد كان المرحوم في عين ابنه (سعود) وموضع اهتمامه ورعايته في البيت والمستشفى، ولا يتركه رغم أنه كان في عناية لصيقة من أطبائه وممرضيه. * * رحم الله أخي العزيز عبدالرحمن بن حمد المالك، وغفر له، وجعل ما أصابه، تكفيرًا ورزقه مقرًا وسكنًا في جنات النعيم، وألهم زوجته وأبناءه وبناته وإخوانه وأخواته وكل محبيه من الأسرة والأرحام والأصدقاء، الصبر والسلوان، و{إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ}، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
مشاركة :