كل محاولات التهدئة، وكل المبادرات التي أعلن عنها، لم يكن لها من تأثير على الوضع في السودان الشقيق، فالمظاهرات غير السلمية سببها التدخل الأجنبي، والإعلام المعادي، أو المجتهد، ما جعل السودان منطقة صراع دامٍ بين مواطنيه، واستعداد لديهم في ممارسة كل ما يقوض الدولة، ويضعها في الحال الأسوأ. * * فمنذ تنحية الرئيس السابق البشير، والبلاد تعاني من فشل في الوصول إلى توافق بين المدنيين والعسكريين لتولي المدنيين زمام الأمور في البلاد، فقد عصفت الخلافات بهم، ما جعل الوصول إلى حلول مرضية -كما يبدو- صعبة المنال، بل وترشيح الوضع المتردي إلى مزيد من التصعيد، مع وجود من يكرّس هذه الخلافات من الداخل والخارج. * * والأسوأ أن هذه الصراعات لم تقتصر على المجتمع المدني، ومطالباته السياسية، ووجود أحزاب وتنظيمات ينتمي أفرادها إلى توجهات وأجندات مختلفة، وإلى ارتباطات بعضها إلى قوى خارجية، وإنما امتد هذا الصراع قبلياً، فأصبح القتال يجري في مواقع أخرى بين قبائل في حروب ثأرية، يُقتل فيها من كل الأطراف، أعداد من المواطنين بدم بارد، وباستخدام السلاح والعصي والحجارة، وكل ما يقع في أيديهم. * * السودان الجريح ليس بحاجة إلى مزيد من المعاناة في أمنه واستقراره ومعيشة مواطنيه، ووضعه الاقتصادي المتردي، وغياب القدرة على ضبط الأمن والاستقرار في البلاد، بينما هو أحوج ما يكون إلى الانتقال إلى مرحلة الانتخابات، وتعيين مسيري الحكم في البلاد مستقبلاً بعد انتهاء نظام الرئيس البشير الذي قضى أكثر من ثلاثين عامًا في حكم الدولة السودانية. * * إن من يحب السودان، ويخاف على مواطنيه، ويهمه استقراره، ووحدة أراضيه، ووصول المدنيين إلى الحكم، لا يمكن أن يشجع هذه المظاهرات غير السلمية، وإنّ من يشجعها إنما يسعى إلى تدمير البلاد، والإضرار بالمواطنين، وإفشال الانتقال السلمي المدني لحكم البلاد، لأن تحقيق أهداف الثورة لا يتحقق من خلال المواجهات بين الجيش والمتظاهرين، وإنما من خلال الحوار. * * وإن حقوق الإنسان في التعبير عن رأيه، وممارسة حقوقه الإنسانية، مدعوماً بأصوات ومواقف أجنبية، ليس سوى غطاء لمؤامرة كبرى ضد السودان واستقلاله ووحدة أراضيه، ومن مصلحة السودانيين عدم التجاوب مع من يشجع على الإخلال بالأمن، سواء من دول أجنبية، أو من خلال وسائل الإعلام المشبوهة، حتى لا يتحول السودان إلى ساحة صراع بين الدول، كما هو الحال الآن في أكثر من دولة عربية كسوريا وليبيا والعراق. * * يهمنا أن يخرج السودان من أزمته، وأن تعاضده في ذلك الدول العربية التي ليس لها أهداف في السودان سوى أن تراه وقد تعافى من أزماته، وأن تساعده مالياً واقتصادياً على تحسين أوضاع المواطنين المعيشية، أما من يتاجر بالكلام، فعلى السودانيين أن يكونوا أكثر حرصاً من أن يقعوا فريسة مؤامرات هؤلاء. * * للسودان تاريخ وتجارب مع الأحزاب، مع الثورات، ومع الاستعمار، وعلى مواطنيه أن يستفيدوا من الدروس، ويتغلبوا على المحن، ويتجاوزوا خلافاتهم وانتماءاتهم، وأن يكون توجههم ومواقفهم في إطار مصلحتهم، بعيداً عن الارتماء لأصوات المتآمرين عليهم.
مشاركة :