معايير الفضيلة والرذيلة

  • 8/3/2021
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

في هذا الزمن الرقمي، زمن الإنترنت والثورة الكبيرة في البيانات ومحركات البحث وفي زمن صغر العالم واتصال أطرافه عبر شبكات التواصل الاجتماعي، في زمن التداخل في المفاهيم الحياتية والفلسفية، يبرزُ التساؤل الأهم وهو ما الحدود الفاصلة بين الفضائل والرذائل؟!، خصوصاً أنها ميزات بشرية وصفات مرتبطة بالأفعال والمواقف، ومع ذلك ليس ثمة ما هو بريء، فالتداخل بين الفضائل والرذائل كبير لأن الأمر يرتبط أولاً وتالياً بالمسلك البشري الخاص، فإن هذه الفضائل أو الرذائل تختلف من شخص إلى آخر، ومن زمن إلى آخر، ومن بلدٍ إلى آخر، بل إن التقييم الاجتماعي لأي فعل إنساني يلعب دوراً رئيساً في تلوين أي فضيلة أو رذيلة. بعض الفضائل مثل النزاهة، ودقة المواعيد، وسرعة البديهة، ورحابة الصدر، والعفة، والاتزان، ورقة الشعور، تظهر الوجه الحسن لكل فعل إنساني، في حين أن بعض الرذائل مثل الطيش، والطمع، والتهكم، والتطرف والوقاحة، تُعري الوجه السيئ له، ولكن الخطر يأتي من تلك المناطق الواقعة بينهما انطلاقاً من القناعة والحكم الشخصي، وذلك بناء على المصلحة الشخصية، وكم يبدو صعباً الحكم عليها بعين الحياد والموضوعية. إن تطور العلم واندلاع ثورة المعلومات وازدهار مواقع الشبكة العنكبوتية تلعب دوراً مهماً في تغيير فكر الإنسان، وانكشافه على عوالم أبعد بكثير من تلك البيئة الاجتماعية التي نشأ فيها. وبالتالي حصل ويحصل ما يمكن أن يُطلق عليه بالتصادم الأخلاقي، فما يراه العربي أمراً عادياً، ينظر إليه شخص في أميركا أو أستراليا بغير ذلك، وإذا كان هناك فعل فاحش يستوجب القتل في بلدٍ ما، قد لا يعني شيئاً لدى إنسان في بقعة أخرى من العالم، ومن هنا يأتي واحد من أكثر المخاطر التي تعيش بيننا اليوم، وهو تشتت البعض بين الفضيلة والرذيلة. وبناء على ذلك، يمكن النظر إلى صعوبة إصدار حكم قاطع حيال سلوك إنساني بعينه، فكل إنسان له قاموسه الخاص بقناعاته حيال السلوك الإنساني، وعادة ما يكون هذا القاموس الشخصي مرتهناً إلى التربية والأسرة والتعليم والتجربة الحياتية والمجتمع، وبالعموم فإن الأحكام الشخصية بقدر ما فيها من الموضوعية فيها من الشخصانية، وقلة أولئك الذين يمتلكون النزاهة، في تقييم مسلك الآخر مقارنة في مسلكهم، فعدد كبير يدين الآخر لفعل اقترفه، ويقف صامتاً حيال إدانة الفعل نفسه إذا ارتكب هو الفعل نفسه. على الرغم من وضوح الحدود بين الخطأ والصواب أحياناً، فإن للمسلك الإنساني وجوهاً عدة، ولأنه كذلك يصعب جداً الحكم بموضوعية عليه.

مشاركة :