تونس - ردّ الرئيس التونسي قيس سعيد مساء اليوم الخميس على دعوة للحوار أطلقتها حركة النهضة التي أقرت في اجتماع مجلس شوراها بقرارات 25 يوليو/تموز ثم تراجعت عن ذلك في موقف يعكس حالة الإرباك في الحركة الإسلامية، بأنه لن يكون هناك مجال للدخول في "حوار مسرطن"، مؤكدا في مقطع مصور نشرته الرئاسة أنه "لا عودة إلى الوراء". وكان سعيد يشير بذلك إلى القرارت التي اتخذها الأسبوع الماضي وجمد بموجبها سلطة البرلمان لـ30 يوما قابلة للتمديد ورفع الحصانة عن جميع النواب وأعفى من خلالها أيضا رئيس الحكومة هشام المشيشي من منصبه وجمع بين يديه كل السلطات في خطوة رحبت بها غالبية التونسيين وانتقدتها النهضة وحلفاؤها بوصفها بـ"الانقلاب على الدستور". وكان الرئيس التونسي قد قال إن الإجراءات الاستثنائية التي اتخذها استنادا للفصل 80 من دستور 2014 هي لمصلحة الوطن ولإنقاذ البلاد من وضع متعفن سياسيا واقتصاديا واجتماعيا. ويقول مؤيدو قرارات سعيد إنها تنهي سنوات من العبث السياسي وخصومات وصلت حد العراك والاعتداءات الجسدية تحت قبة البرلمان وأسست لمرحلة جديدة قائمة على محاربة الفساد واللوبيات التي هيمنت طيلة عشر سنوات على مقدرات الدولة والمال العام. وبعد أن وصف خطواته بأنها انقلاب على الدستور، سعى حزب النهضة الإسلامي اليوم الخميس في بيان إلى فتح جسور الحوار مع سعيد وقال إنه يحرص على الحوار مع الرئيس للخروج من الأزمة. لكن سعيد قال في مقطع مصور نشرته الرئاسة ردا على الدعوات لإجراء محادثات بشأن الأزمة "لا حوار إلا مع الصادقين"، ولا يمكن الحوار مع "الخلايا السرطانية"، مضيفا "خبز وماء ولا عودة للوراء" في إشارة لشعار شهير ردده المحتجون في 2011 ضد الرئيس الأسبق الراحل زين العابدين بن علي حين صدعت حناجرهم بشعار "خبز وماء وبن علي لا". وبعد مرور حوالي 11 يوما من الخطوة المفاجئة، لم يعين سعيد رئيسا جديدا للوزراء ولم يعلن عن أي خطوات لإنهاء حالة الطوارئ أو خطة للفترة المقبلة. ودعاه الاتحاد العام التونسي للشغل أكبر مركزية نقابية في البلاد والذي له تأثير اجتماعي وسياسي قوي وكذلك الولايات المتحدة وفرنسا، إلى الإسراع بتعيين حكومة جديدة. ويعد اتحاد الشغل خارطة طريق لإنهاء الأزمة ويقول إنه سيقدمها لسعيد. وقال رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ الأميركي بوب مينينديز والعضو البارز في المجلس جيم ريش اليوم الخميس إنهما يشعران "بقلق بالغ" من تزايد التوتر والاضطرابات في تونس. وأضافا في بيان مشترك عبر البريد الإلكتروني "الرئيس (قيس) سعيد عليه أن يعود للالتزام بالمبادئ الديمقراطية التي تدعم العلاقات الأميركية-التونسية وعلى الجيش أن يلتزم بدوره في إطار ديمقراطية دستورية". وظهر رئيس الوزراء المعزول هشام المشيشي علنا لأول مرة منذ إقالته في صور نشرتها هيئة مكافحة الفساد قالت إنها التقطت اليوم الخميس في مكتبها أثناء تصريحه بممتلكاته وهو إجراء يفترض أن يقوم به المسؤولون الحكوميون حين مباشرة مهامهم وحين انتهائها. تونس - تشهد حركة النهضة التونسية تجاذبات داخلية كبيرة بين أجنحتها ويظهر ذلك من خلال الخلافات في اجتماع مجلس الشورى أمس الأربعاء. وبعد ان أقرّت النهضة في اجتماع مجلس الشورى برئاسة رئيس الحركة ورئيس البرلمان المجمد راشد الغنوشي الأربعاء بالإجراءات التي اتخذها الرئيس قيس سعيد في الخامس والعشرين من يوليو/تموز الماضي يبدو ان هنالك تراجعا تحت ضغط الحرس القديم. وكانت حركة النهضة قد نشرت في صفحتها الرسمية على الفيسبوك تدوينة اعتبرت فيها ان قرارات الرئيس جزء من الإصلاح وانه يمكن ان تكون مرحلة من مراحل الانتقال الديمقراطي قبل ان يتم حذف التدوينة. كما نقل القيادي البارز في الحركة محمد سامي الطريقي في تدوينة عبر صفحته الرسمية على الفايسبوك عن الغنوشي بانه " علينا ان نحول إجراءات 25 يوليو الى فرقصة للإصلاح ويجب ان تكون مرحلة من مراحل التحول الديمقراطي قبل ان يتراجع بدوره. وقال الطريقي في توضيحه لتدوينته " لم يذكر رئيس الحركة ان ما وقع هو تحول ديموقراطي إنما قلت يجب ان تصبح تلك الإجراءات ن ضمن المسار الديموقراطي وان لا يخرج عنه. وأضاف " يجب ان تكون تلك التدابير الاستثنائية المعلنة في حدود ما أعلنته و ضمن سياقها الزمني وان تكون فعلا فرصة للإصلاح كذلك بالعودة إلى السياق الدستوري واسترجاع المؤسسات الدستورية". ويبدو ان التراجع من قبل الطريقي وسحب التدوينة في الصفحة الرسمية للحركة مرده ربما ضغوط ما يوصفون بالحرس القديم في النهضة والأطراف المحيطة بالغنوشي. وفي تعليق له كشف الطريقي ذلك قائلا " الموقف الذي نقلته عن رئيس الحركة دقيق ومن يضغط لتغييره فذلك شانه". وفي هذا السياق قال رفيق عبد السلام القيادي في النهضة وصهر راشد الغنوشي " التصريح الذي نقله سامي الطريقي لا علاقة له بما ورد من مداولات في مجلس الشورى، وهو رأي شخصي لا يلزمه إلا هو. وأضاف "الجميع متفق على أن ما وقع يوم 25 جويلية هو انقلاب مكتمل الأركان ولا يوجد له أي وصف آخر. نحن حريصون على وحدة النسيج المجتمعي وعلى أمن البلاد واستقرارها، مع تشبثنا بالدفاع عن رصيد الحرية ومكتسب الديمقراطية الى جانب غيرنا من القوى السياسية والاجتماعية النزيهة . ويعتبر عبد السلام إضافة الى رئيس مجلس شورى النهضة عبدالكريم الهاروني والقيادي في الحزب نور الدين البحيري من الحرس القديم والرافضين لكل تغيير في السياسات او محاولات تغيير القيادة.وفي خضم الارتباك الحالي دعا مجلس شورى الحركة الخميس، إلى "إطلاق حوار وطني للمضي في إصلاحات سياسية واقتصادية"، وإنهاء تعليق اختصاصات البرلمان، مع قيام الحركة بـ"المراجعات الضرورية وتجديد برامجها"، في ضوء "رسائل الشارع". وفي خضم ارتباك الحركة أكد مجلس الشورى في بيان من 10 نقاط، "حرص حركة النهضة على نهج الحوار مع جميع الأطراف الوطنية، وفي مقدمتها رئيس الجمهورية، لتجاوز الأزمة المركبة وتحقيق السلم الاجتماعي وإنجاز الإصلاحات الضرورية". وأضاف أن الحوار الوطني ضروري "للخروج من الأزمة، والتعجيل باستعادة المالية العمومية لتوازناتها وللاقتصاد الوطني لعافيته". وشدد على "ضرورة العودة السريعة إلى الوضع الدستوري الطبيعي، ورفع التعليق الذي شمل اختصاصات البرلمان، حتى يستعيد أدواره ويحسّن أداءه ويرتب أولوياته، بما تقتضيه المرحلة الجديدة". وأعرب عن "استعداد حركة النهضة للتفاعل الإيجابي للمساعدة على تجاوز العراقيل وتأمين أفضل وضع لاستئناف المسار الديمقراطي". وفي 25 يوليو/ تموز الماضي، أعلن سعيد إقالة رئيس الحكومة هشام المشيشي، على أن يتولى هو السلطة التنفيذية بمعاونة حكومة يعين رئيسها، وتجميد اختصاصات البرلمان لمدة 30 يوما، ورفع الحصانة عن النواب، وترؤسه النيابة العامة، ولاحقا أصدر أوامر رئاسية بإقالات وتعيينات. وقال مجلس شورى "النهضة" إنه منشغل بـ"الفراغ الحكومي المستمر منذ ما يزيد عن العشرة أيام، وعدم تكليف السيد رئيس الجمهورية الشخصية المدعوة لتشكيل حكومة قادرة على معالجة أولويات الشعب الصحية والاقتصادية والاجتماعية والتنموية". وشدد على "ضرورة التسريع بعرض الحكومة الجديدة على البرلمان لنيل ثقته، والانكباب في أقرب وقت على تقوية نسق مقاومة الجائحة (كورونا) وتعبئة الموارد المستعجلة لميزانية 2021، وإعداد مشروع ميزانية 2022". وأكد المجلس أن "المسار الديمقراطي واحترام الحريات وحقوق الإنسان منجزات دفع من أجلها الشعب التونسي التضحيات والشهداء، ولا يمكن التخلي عنها تحت أي ذريعة". وأعرب عن انشغاله "البالغ تجاه الإيقافات التي شملت مدوّنين ونواب شعب (برلمانيين) بعد 25 يوليو/تموز، وتتبع القضاء العسكري لمدنيين في مخالفة للدستور. والخشية من استغلال الإجراءات الاستثنائية لتوظيف القضاء في تصفية حسابات سياسية". ودعا الشعب التونسي إلى "مواصلة اليقظة والنضال السلمي من أجل تونس ديمقراطية، تقطع كل مظاهر الاستبداد والفساد والشمولية وكل مظاهر التطرف والإقصاء والعنف، حفاظا على الوحدة الوطنية وتعزيزا لسيادة بلادنا واستقلال قرارها". وأعرب مجلس شورى "النهضة" عن "تفهّم الغضب الشعبي المتنامي، خاصة في أوساط الشباب، بسبب الإخفاق الاقتصادي والاجتماعي بعد عشر سنوات من الثورة. وتحميل الطبقة السياسية برمتها كلا من موقعه، وبحسب حجم مشاركته في المشهد السياسي، مسؤولية ما آلت إليه الأوضاع، ودعوتهم إلى الاعتراف والعمل على تصحيح الأداء والاعتذار عن الأخطاء". وأكد "الانخراط المبدئي لحركة النهضة في محاربة الفساد وملاحقة المتورّطين فيه، مهما كانت مواقعهم وانتماءاتهم، في إطار القانون وبعيدا عن أيّ توظيف للملفات". وشدد على "ضرورة قيام حركة النهضة بنقد ذاتي معمق لسياساتها خلال المرحلة الماضية والقيام بالمراجعات الضرورية والتجديد في برامجها وإطاراتها، في أفق مؤتمرها 11 المقرر لنهاية هذه السنة، لإعادة النظر في خياراتها وتموقعها، بما يتناسب مع الرسائل التي عبر عنها الشارع التونسي وتتطلبها التطورات في البلاد". وقال المجلس، في بيانه، إنه عقد جلسته في ظل "القرارات الرئاسية مساء 25 جويلية، وما مثلته من انقلاب على الدستور وشلّ لمؤسسات الدولة". ويقول سعيد إن ما حدث "ليس انقلابا"، وإنه اتخذ قراراته الاستثنائية استنادا إلى الفصل 80 من الدستور، وبهدف "إنقاذ الدولة التونسية". واتخذ هذه القرارات في يوم شهدت فيه محافظات عديدة احتجاجات شعبية طالبت بإسقاط المنظومة الحاكمة بكاملها واتهمت المعارضة بالفشل، في ظل أزمات سياسية واقتصادية وصحية (جائحة كورونا). لكن غالبية الأحزاب، وبينها "النهضة" (53 نائبا من 217)، رفضت تلك القرارات، واعتبرها البعض "انقلابا على الدستور"، بينما أيدتها أخرى رأت فيها "تصحيحا للمسار". ويبدو ان دعوات التغيير التي اطلقتها بعض القيادات لا يمكن ان تتحقق باعتبار رمزية الغنوشي وعلاقاته الخارجية المتشعبة وعلاقاته بالمحور التركي القطري والذي مكنه من الحصول على تمويلات اجنبية. وبالتالي فان بقاء الغنوشي على راس الحركة يراه البعض ضروريا بل ومفصليا لبقاء النهضة وتاثيرها في المشهد السياسي ككل. خلافات وانقسامات وأمام تعنت الحركة وإصرارها على مواقفها أعلنت كل من العضوتين في مجلس شورى النهضة يمينة الزغلامي وجميلة الكسيكسي انسحابهما من الدورة الاستثنائية للمجلس. وأكدت العضوتان أنهما لا تتحملان مسؤولية أية قرارات ستصدر عن مجلس الشورى وان القرارات لا تلزمهما. وقالت يمنية الزغلامي "أعلن الآن انسحابي من الدورة الاستثنائية لدورة الشورى ولا اتحمل مسؤولية أيّ قرار يصدر منها نتيجة سياسة الهروب إلى الأمام وعدم الانتباه لخطورة اللحظة التي تمر بها الحركة والبلاد مضيفة "لن أكون شاهدة زور". كما أعلنت النائبة جميلة الكسيكسي اليوم بدورها انسحابها من الدورة . وأفادت الكسيكسي في صفحتها الرسمية على الفايسبوك "أعلن انسحابي من دورة الشورى وآي قرار يصدر عن الدورة لا يلزمني" مضيفة "كل الخير لتونس، كل الحب لشعبنا ويبقى الأمل". بدوره عبر القيادي في النهضة سمير ديلو عن غضبه الشديد من مواقف مجلس الشورى قائلا بانه "حالة انكار". ويرى مراقبون ان مواقف يمينة الزغلامي التي كانت مقربة من مجموعة الغنوشي ليست مبنية على تغير في الرؤى خاصة وانها متشربة من فكر الحركة وتفاسيرها الاخوانية. لكن في المحصلة فانه رغم تمسك الحرس القديم بمواقفه تجاه قرارات قيس سعيد رغم دعوته العلنية للتغير والاصلاح واعتبار الاجراءات انقلابا الا ان التداعيات ستكون كبيرة ضمن الحركة وسنزيد من الصراعات بين اجنحتها.
مشاركة :