على الرغم من كل مساعي التنسيق والتفاهم الأميركي - الروسي في سوريا وحولها، والتي ما زالت متواصلة، فلا أحد يستطيع أن ينكر، أن التنافس الأميركي - الروسي، واقع قائم حول سوريا منذ أن بدأت الأحداث في سوريا. إذ وقف الطرفان على جانبي الصراع، فاتخذت الولايات المتحدة موقفًا أقرب إلى جانب ثورة السوريين، ووقفت روسيا إلى صف نظام الأسد، واستمر الطرفان في موقفيهما، رغم ما بدا في موقف كل منهما من اختلافات وتناقضات، ظهرت طوال نحو خمس سنوات مضت. وبدا من الطبيعي في اختلاف الموقفين الأميركي والروسي، أن يدعم كل منهما أحد طرفي الصراع بصور مختلفة، لكن الاختلاف لم يمنع من توافق الطرفين على موقف واحد من الجماعات الإرهابية المتطرفة، التي رفعت شعارات الخلافة، وكان التركيز الأكثر في هذا المجال على «داعش» وعلى جبهة النصرة، التي أعلنت نفسها الفرع السوري من تنظيم القاعدة. وإذا كان الموقفان الأميركي والروسي، قد تعايشا في الموضوع السوري، طوال أكثر من أربع سنوات، فإن تطورات حدثت في الأشهر الأخيرة، دفعت الطرفين إلى تبدلات في مواقفهما، وكان الأبرز في هذه التطورات أربعة: أولها، استمرار وتصاعد الصراع السوري ووصوله إلى عمق كارثة معالمها الأهم تصاعد فاتورة العنف، فتجاوز عدد القتلى والجرحى المئات يوميًا، وصار التهجير، وهجرة السوريين، ظاهرة لم يحدث مثلها في العالم منذ عقود طويلة. والتطور الثاني، تجسد في وصول طرفي الصراع السوري إلى حالة من انسداد إمكانيات الحسم العسكري بوصولهما إلى مستوى توازن الضعف (كل لأسباب مختلفة) تجعله قادرًا على البقاء دون قدرة على الحسم العسكري، الأمر الذي يعني مزيدًا من الضحايا والتدمير والتهجير، فيما كانت قوى الإرهاب والتطرف وخصوصًا «داعش» تكرس وجودها وتتمدد، ولا سيما في المناطق الشرقية والوسطى من البلاد موصولة بعمقها العراقي الذي يوفر لها عمقًا استراتيجيًا من الناحيتين البشرية والمادية. التطور الثالث، يمثله انسداد في مساعي الحل السياسي في المستويين الإقليمي والدولي، ليس فقط نتيجة تعنت نظام الأسد واستمرار مراهنته على الحل العسكري بمعونة حلفائه، بل نتيجة غياب الإرادة الدولية بالحل، رغم مساعي المعارضة السورية سواء لدى الائتلاف الوطني أو في مؤتمر القاهرة للحل السياسي، حيث أُعلنت مواقف متقاربة للحل السياسي بالاعتماد على «جنيف1» وما لحق به، دون أن يحظى ذلك باهتمام جدي، وبدل ذلك تم إطلاق خطة المبعوث الدولي دي ميستورا. والتطور الرابع، ولعله الأهم في واقع الأشهر الأخيرة، تطور في واقع المعارضة السورية، وخصوصًا لجهة تقارب جناحيها السياسي والعسكري وسط دعم إقليمي. وسط تلك التطورات، بدت الفرصة سانحة لخطوة روسية من شأنها إحداث انقلاب في القضية السورية ومحتوياتها، فكان التدخل العسكري الروسي المباشر، وقد شمل إضافة إلى مزيد من العتاد العسكري لنظام الأسد، وجودًا روسيًا بالقوى عبر قواعد جوية وبحرية وبرية، انتشرت في منطقة الساحل السوري وجوارها. وإذا كانت الولايات المتحدة عزفت عن التدخل المباشر في الصراع السوري طوال السنوات الماضية، واستمرت في خلالها بالتنسيق مع روسيا، فإن الحرب الروسية في سوريا أدخلت هذا التنسيق في مسارات مختلفة وجديدة في آن معًا، ودفعت واشنطن لتعزيز دورها في القضية السورية في مواجهة الدور الروسي في مرحلته الراهنة، وبدا الأبرز في التحول الأميركي، تأكيد الولايات المتحدة من الناحية السياسية على موقفها في رفض وجود الأسد في مستقبل سوريا، وأن الحرب على الإرهاب ليست مقترنة بوجوده، ومن الناحية العسكرية انخرطت في تقديم دعم ملموس للمعارضة المسلحة من جهة الأسلحة والذخائر. ولا يحتاج إلى تأكيد، أن تطورات الموقف الأميركي في القضية السورية، إنما تمثل انتقالاً موازيًا للموقف الروسي في ذات القضية، وإن يكن بقدر أقل من تعبيرات، تتجنب من خلالها واشنطن غرقًا في الوحل السوري، بخلاف احتمالات موقف موسكو، التي لن تنجح في أهدافها السورية القريبة بدعم نظام الأسد، وغالبًا فإنها لن تخرج من مغامرتها دون خسائر سياسية وعسكرية، قد تصل إلى حد الهزيمة، إذا أصرت على حماية نظام الأسد، ولم تدفع باتجاه الوصول إلى حل سياسي للقضية السورية، وكله يتواصل في ظل موقف أميركي، يراقب، ويدعم معارضي التدخل الروسي مباشرة أو بصورة غير مباشرة بهدف إلحاق هزيمة بروسيا أو بخضوع الأخيرة للمشاركة في حل للقضية السورية متوافق مع الموقف الأميركي في سوريا أولاً وفي قضايا أخرى إن أمكن.
مشاركة :