دخل قطاع السلع الأساسية شهر أغسطس في موقف دفاعيّ مدفوعاً بمزيج من ضعف البيانات الاقتصادية الصينية وسرعة تفشّي المتحوّر «دلتا» من فيروس «كورونا»، ما جدّد المخاوف بشأن توقعات الطلب على المدى القصير. وانخفضت تداولات السلع المعتمدة على النمو مثل النفط الخام والمعادن الصناعية، فيما بذلت المعادن الثمينة جهوداً كبيرة لرفع أسعارها، رداً على انخفاض عوائد سندات الخزانة الأميركية في يوليو، وشهدت تداولات منخفضة، حيث ارتفعت العائدات وأسعار الدولار بعد التصريحات المتشددة من مجلس الاحتياطي الفدرالي، وتقرير الوظائف الأميركي القوي. وحسب «ساكسو بنك»، كانت الأسباب التي منعت تداولات الذهب من الارتفاع قليلاً من أول التساؤلات التي توجّب عليّ طرحها بعد عودتي من العطلة. وشهدت عائدات سندات الخزانة الأميركية انخفاضات حادّة خلال الشهر الماضي. وبالرغم من عدم التغيّر الكبير في توقعات التضخّم، انخفضت النسبة المعدّلة للتضخّم - أو العائد الحقيقي - إلى مستوى قياسيّ متدنّ عند 1.22%-. ونظراً للعلاقة العكسية والقوية بين العائدات الحقيقية والذهب، وقع المشاركون في حيرة كبيرة جراء فشل ارتفاع الأسعار الشهر الماضي، ما قد يؤدي إلى بعض التصفية الطويلة، خوفاً من عدم التوازن بين انتعاش العائدات ومستوى الركود. وتأكدت هذه المخاوف يوم الأربعاء عندما ظهرت البوادر الأولى عن العائدات المنتعشة، رداً على التصريحات المتشددة التي صدرت عن كلاريدا، نائب رئيس مجلس الاحتياطي الفدرالي، بشأن مسار تشديد أسعار الفائدة. وساهمت هذه التصريحات في ارتفاع أسعار الدولار والعائدات، وحصلت على مزيد من المصداقية بعد صدور تقرير الوظائف الأميركية القويّ لشهر يوليو. من جهة أخرى، شهدت الفضة نزوحاً أكبر، وانخفضت قيمتها النسبية أمام الذهب إلى أدنى مستوياتها في 6 أشهر، بعد أن تجاوزت تداولات نسبة أسعار الذهب إلى الفضة 72 أونصة من الفضة مقابل أونصة واحدة من الذهب. ورداً على هذا الأداء المخيّب للآمال، خفضت صناديق التحوط مؤخراً من صافي عقود الشراء المجمّعة إلى 21 ألف لوت فقط، وهو أدنى مستوى خلال 14 شهراً. وتتطلب عودة ألق الفضّة أن تتراجع هذه النسبة إلى ما دون 70 أونصة. وليتحقق ذلك، ينبغي أن يصمد الذهب أولاً أمام التحديات المحتملة على المدى القريب والناجمة عن العائدات المنتعشة. ومع تراجع الذهب والفضة، كان البلاتين الأكثر تضرّراً بين المعادن شبه الصناعية، واتسع فارق أسعاره أمام الذهب إلى 800 دولار أميركي من أدنى مستوياته في أبريل عند 300 دولار. وتمثلت الأسباب في النقص الحالي للرقائق الذي أدى إلى كبح إنتاج السيارات وزيادة مبيعات السيارات الكهربائية، والتفشي الأخير للمتحورّ دلتا. وشهد النفط الخام تداولات منخفضة، وبعد عدة أشهر انصبّ فيها التركيز الرئيسي على «أوبك بلس» وقدرتها على دعم الأسعار عبر الحفاظ على التشديد النسبي في السوق، عاد التركيز مجدداً نحو التوقعات غير المؤكدة للطلب جراء التفشّي السريع للمتحوّر دلتا، ولاسيما في الصين التي تعتبر المستورد الرئيسي. وهو تطور أدى لانخفاض تصنيفات النمو، وإثارة تساؤلات حول توقعات الطلب على المدى القصير على منتجات النفط والوقود من أكبر مشترٍ في العالم. تطورات خطيرة وتأتي التطورات الأخيرة لتبرّر المنهجية الحذرة التي تستمر «أوبك بلس» باعتمادها تجاه زيادة الإنتاج بسرعة كبيرة، وفي وقت مبكر جداً؛ وتسلّط الضوء على أسباب حرص المملكة العربية السعودية، وغيرها من كبار الأعضاء في المجموعة، على إطالة نظام الحصص الحالي إلى ما بعد أبريل المقبل. ويرجّح أن تمنع المرونة التي أظهرتها «أوبك بلس»، خلال العام الماضي، تحقيق تصحيح أعمق، إذا عانى نموّ الطلب من رياح معاكسة أكبر من المتوقع جراء التفشّي الحالي. وبناء على ذلك، ونظراً لعدم استجابة المنتجين الأميركيين بالرغم من ارتفاع الأسعار، فإننا نحتفظ بتوقعاتنا المتفائلة حول توجّه الأسعار. ولايزال ارتفاع أسعار الغاز الطبيعي في جميع أنحاء العالم مرهوناً بمزيج من الطقس الحار الذي يدفع الطلب على التبريد، وزيادة الطلب من القطاع بفضل انتعاش الاقتصاد العالمي من الأزمة الصحية. ففي الولايات المتحدة الأميركية، تشهد أسعار غاز مركز هنري هوب تداولات تتخطى 4 دولارات لكل مليون وحدة حرارية بريطانية، وهو أعلى سعر في هذا الوقت من العام منذ عشر سنوات على الأقل، نتيجة مزيج من ارتفاع الطلب المحلي وزيادة صادرات الغاز الطبيعي المسال. يأتي ذلك في وقت عانى فيه الإنتاج لتحقيق الارتفاع، ولاسيما جراء بطء الانتعاش في إنتاج النفط الصخري، والذي يعتبر الغاز واحداً من منتجاته الثانوية. ويعتبر الوضع في أوروبا أكثر سوءاً، حيث وصلت الأسعار إلى مستويات قياسية. وأدى الانخفاض غير المبرّر في التدفقات من روسيا، وتزايد المنافسة من آسيا على شحنات الغاز الطبيعي المسال، إلى صعوبة إعادة ملء مواقع التخزين المستنفدة قبل الشتاء المقبل. ودفعت هذه التطورات إلى زيادة الطلب على الفحم الحجري، ما أجبر المنشآت والمستخدمين الصناعيين على شراء مزيد من تصاريح التلوّث التي تشهد أسعارها تداولات قياسية. وبشكل إجمالي، عزّزت هذه التطورات من أسعار الكهرباء المرتفعة التي ستُفرض في نهاية المطاف على المستهلكين في جميع أنحاء القارة، مما سيضع الحكومات أمام مشكلات كبيرة، وقد يتحدى الإرادة السياسية لإزالة الكربون من الاقتصاد وفق الوتيرة السريعة المتفق عليها. وخلال الشهرين الماضيين، وبالرغم من نطاقها المحدود، تحوّل سوق النحاس من وضعية التفاؤل الشديد ليتخذ موقفاً أكثر حذراً. واتجهت مجموعة كاملة من القوى المتعارضة في الأسابيع الأخيرة نحو سحب السعر في اتجاهين متعاكسين، ما أثار بعض الشكوك بشأن التوجهات على المدى القريب. وبشكل عام، مازلنا نشهد اتجاهاً تصاعدياً أكبر مع وصول سعر رطل النحاس عالي الجودة إلى 5 دولارات في نهاية المطاف. وقد لا يتحقق ذلك حتى 2022، عندما سيقلّ حجم العرض في السوق، نظراً لاستمرار الطلب على النحاس من مبادرات التحول الأخضر ومشاريع البنية التحتية ذات الصلة. وبالرغم من مخاطر وقوع التباطؤ في الصين، سيسلّط نمو الطلب في أماكن أخرى الضوء على مخاطر عدم تلبية الطلب المتزايد – في المدى المتوسط على أقل تقدير – عبر زيادة العرض الذي يميل أكثر نحو عدم المرونة. وفي الوقت الراهن، تحظى أسعار النحاس بدعم مخاطر وقوع اضطرابات متزامنة في ثلاثة مناجم رئيسية في تشيلي، وعلى رأسها إسكونديدا، المنجم الأكبر. على أي حال، نشهد حالة من الشكوك المرتبطة بمؤشرات التباطؤ في الصين، والتأثر العام للنموّ بالتفشّي الحالي للمتحوّر دلتا من فيروس "كورونا". وتعرّض الطلب على النحاس المكرّر لانتكاسة طفيفة بعد أن تراجع صنّاع السياسة الصينيون عن مخطط حظر واردات المعادن الخردة، وتصريحات ريتشارد كلاريدا، نائب رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي، المتشدّدة في وقت سابق من هذا الأسبوع حول إعادة الطلب إلى مستوياته الطبيعية، ما قد يؤثر سلباً على إقبال المستثمرين على المعادن كعامل تنويع وتحوّط من التضخم.
مشاركة :