الصحوة (السابقة) والصحوة (الارتدادية): هلامية التنظيم تخدم الارتدادية (4)

  • 8/8/2021
  • 00:00
  • 5
  • 0
  • 0
news-picture

مثل الصحوة والمجتمع السعودي، كمن يأكل مع الذئب، ويبكي مع الراعي، فالصحويون في حالات الثبات الأمني الإقليمي وطنيون، وقلوبهم على الوطن، وحينما تختل منظومة الأمن الإقليمي، فإن أحلامهم المريضة تعاود الظهور من جديد، ويستأنفون ابتزاز الوطن، ولمخاتلة هذه الوضعية ومخادعتها لغالب من يراقب المشهد، رأيت أن أنجع حل لتركيز المعالجة وشموليتها هو تفكيك الصحوة إلى: صحوة سابقة، وأخرى ارتدادية، وصحوة عميقة غائرة في قاع المجتمع وجيوبه، تمتح منها السابقة والارتدادية، ويهدف هذا التفكيك كذلك إلى تعزيز ضرورة وجود نظرية فكرية تضطلع بالقيام بسد الثغرات الحضارية ومعالجة الانكسارات الوجدانية والسلوكية والمعرفية التي أحدثها الصحوة في المشهد السعودي. وترجع صعوبة معالجة آثار الصحوة في السعودية، إلى خاصية لا توجد في غيرها من حركات الإسلام السياسي، خصوصًا إن اتفقنا على أن السرورية صبغت الصحوة بلونها في الغالب الأعم، وهذه الخاصية، هي هلامية التنظيم وصغر حجمه العددي مقارنة بالتيار العام، على عكس جماعة الإخوان المسلمين في مصر مثلًا، إذ يوجد تنظيم عريض يشكل ما لا يقل عن 80% من جسد الجماعة، وتيار متعاطف لا يتجاوز 20%، ومن هذا المنطلق استطاعت الصحوة في السعودية -وبالذات السرورية- أن تتمرحل زمنيًا بثوبٍ وطابع خاص جديد مختلف عما قبله، عدة مرات، ولو قلنا إن البدايات الفعلية للسرورية -قبل الانشقاق عن جسد الجماعة تنظيميًا في السعودية- هي عام 1971 سنجدها قد اتخذت أسلوبًا وطابعًا معينًا حتى العام 1976، وبعدها كان لهم في كل خمس سنوات تقريبًا شكلًا مغايرًا عما سبقه، ساعد عليه كما ذكرنا هلامية التنظيم وتقليص عدده، والاتجاه إلى تيارية الفكرة والحركة. وقد قدمتُ ورقة عمل حول هذا التمرحل «لمؤتمر الصحوة»، في 2018، والذي نظمته جامعة القصيم، ثم طوَّرت الورقة لاحقًا، لتشمل كل التموضعات التي اتخذها التيار الصحوي والتي تراكمت حتى الضربة الأمنية الأولى التي تلقوها في 1994، لتتحول إلى صحوة عميقة كامنة تغذي صحوات ارتدادية متنوعة الظهور زمنيًا، ومتنوعة الاتجاه فكريًا، وذلك عن طريق اتخاذ صف جديد من التيار والتنظيم لموقفٍ معاكسٍ لما كان عليه رفاق الصحوة السابقة الذين منعوا أو سجنوا أو تحولوا إلى إفق أخر يصب في مصلحة الاتجاه إلى الهدف الأساس، ثم العودة بقالبٍ جديدٍ تمامًا، ومثالها ما حدث بعد إيقاف الفعل الصحوي في 1994، فقد عاد التيار يحركه الشق التربوي في التنظيم على وجه التحديد، بعد أقل من سنة، وعبر منافذ مختلفةٍ تمامًا وبطرقٍ جديدةٍ، وفي خمس السنوات التالية تغير الجلد مرة أخرى بعد أحداث 11سبتمبر، ثم جاءت خمس سنواتِ انفتاح الدولة وبذل الفرصة لتعديل المسار، وبعدها حلت علينا خمس سنوات الحقوق والدستورية، ثم خمس سنوات الخيانة العلنية والخريف العربي، وكلها قوالب وأشكال لم تكن مسبوقة من قبل، وإن كانت هناك بعض المنطلقات لها من الماضي، بسبب الصحوة العميقة كفكر وفعل، ومن هنا كان من غير المناسب أن نأخذ الصحوة كتلة واحدة من عام 1962، وحتى اليوم ونغض الطرف عن هذا التموضعات المختلفة، مما يجعل العلاج قاصرًا، فيعودون كما فعلوا مرات وكرات. وأشرت إلى العام 1962، لأنه هو العام الذي بدأت فيه جماعة الإخوان المسلمين الإرهابية، فعليًا بخيانة العهد مع الحكومة السعودية، والبدء بالعمل السري الجاد والفعلي، لتجنيد أفراد المجتمع السعودي. العام 2017، كان تاريخًا حاسمًا، له ما بعده في إنجاز مكافحة التطرف والصحوة والإسلام السياسي، ومع ذلك ما زالت الصحوة تعود متنكرة بأزياء مختلفة، وأشكال غير معهودة من قبل، ونظرًا لقوة القرار السياسي، وقوة الفعل الأمني، فإنه لا يمكن أن يُلحظ تسلل الصحوة عبر المتعاطفين معها دون المنتمين لها، والذين لزموا الصمت التام، أو حتى الانعزال والانسحاب من المشهد، وهنا مكمن الخطورة، أن ينهض بالفكر الصحوي غير الصحوي شكلًا وقالبًا. وحتى نعرف مدى خطورة سمة هلامية التنظيم، وقوة التيار، كما في الحالة السعودية، مقابل سمة قوة التنظيم وصلابة كتلته، كما في الحالة المصرية مثلًا، أشير إلى التالي: 1. في حالة تماسك التنظيم وصلابته، فإنه يمكن وبسهولة تامة ضرب خطوط الاتصال والتوجيه في الجماعة بحكم الهيكلية الهرمية في التنظيم، لفصل القيادة عن باقي كوادر الجماعة، وهذا سيسبب شللًا معلوماتيًا وشللًا على مستوى العمليات، يؤدي إلى الفوضى الداخلية في الجماعة. أما في حالة سيولة التنظيم، وعدم وجود خطوط ربط بين المجموعات والخلايا والشعب بسبب هذه السيولة، فإنه يجعل من الصعوبة بمكان موت الفعل، ولو أمكن القضاء على الفعل، فإن الفكر لا يموت ما لم يجابه بفكر مضاد ومعاكس له في الاتجاه يفوقه في القوة أو يوازيه. 2. سيولة التنظيم توفر لامركزية صنع القرار، مما يولد قيادات صغيرة لا تنتهي مع كل إيقاف لقيادة سابقة، عكس بيروقراطية التنظيم الصلب. 3. سيولة التنظيم تضمن خاصية تنوع القرار والحركة ومرونتهما، وقفزهما على الفتوى أو الرأي الشرعي السائد، وذلك طلبًا للتخفي عن عين المجتمع المنكر لفكرهم المتطرف، والهروب من وجه السياسي والأمني المكافح للتنظيم والتيار، وهذا التنوع غالبًا يوفر شبكة اتصالات واسعة، كما يوفر دعمًا لوجستيًا دائمًا بلا انقطاع، يُمكن فكر الجماعة من البقاء والحضور أطول مدة ممكنة على الساحة. 4. سيولة التنظيم وهلاميته نقلت الانهمام الصحوي من مسألة إنكار المنكر وتغييره كأحد أهم أشكال التحرك الصحوي سعيًا خلف الهدف الأول لجماعات الإسلام السياسي وجماعات نظرية الحاكمية، إلى قضايا أخرى مثل قضايا الحقوق، والدستورية، والحريات، من أجل التعمية والتضليل عن الهدف الأساس، وكذلك حتى يضمن التيار الصحوي، أوجها جديدة لم تتعاطف معه من قبل، كالحقوقي الصوفي، والدستوري الشيعي، والمعارض الحداثي أو الليبرالي، وهم من كان موضع تكفير في ميزان الصحوي؛ لأن الهدف في النهاية ليس توحيد الكلمة والرأي، بل توحيد الصف وحشده خلف غاية واحدة، هي الغاية التي وصلها إخوان محمد مرسي، وإخوان راشد الغنوشي، وغيرهم. أخيرًا، من العرض آنف الذكر، ندرك مدى دقة رأي أمير الحلم السعودي صاحب السمو الملكي محمد بن سلمان -أيده الله-، حينما قال: «السرورية أعلى درجة من جماعة الإخوان المسلمين»، وكذلك يجعلنا ندرك حقيقة الجهود الأمنية العظيمة التي قامت بها الجهات الأمنية بتوجيهات ولاة الأمر-أيدهم الله- للقضاء على الإرهاب، ومكافحة التطرف... وللحديث بقية.

مشاركة :