لم تُخْفِ إدارة بايدن ومؤيدوها يوماً ازدراءهم سياسة الضغوط القصوى التي طبّقها ترامب ضد إيران، فقال روبرت مالي، كبير المفاوضين الأميركيين في المحادثات النووية في فيينا: "رأينا نتائج حملة الضغوط القصوى، لقد فشلت بكل وضوح"، وبعد مرور بضعة أيام، أعلنت افتتاحية في صحيفة "نيويورك تايمز" أن سياسة الضغوط القصوى ضد إيران فشلت، وكانت خطة الإدارة الأميركية تقضي بإعادة إحياء الاتفاق النووي الذي أبرمه أوباما في عام 2015 عبر إثبات حُسْن نواياها ومرونتها، لكن في ظل التقدم الضئيل بعد ست جولات من المفاوضات، بدأ فريق بايدن على ما يبدو يدرك أن أوراق الضغط عامل لا غنى عنه في عالم الدبلوماسية. يوم الخميس الماضي شكّك وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، برغبة طهران في العودة إلى الاتفاق النووي فقال: "لا يمكن أن تستمر هذه العملية إلى أجل غير مُسمّى"، وقبل يوم على ذلك التصريح، بدا وكأن الإدارة الأميركية تحاول تغيير مسارها لتجديد الضغوط على إيران، فقال مسؤول أميركي مرموق إن بايدن قد يفكّر بسياسة بديلة إذا تابعت طهران تقدّمها النووي، وإذا أعاقت إيران العودة إلى الاتفاق النووي، فستعود الإدارة الأميركية إلى "استراتيجية المسار المزدوج السابقة، أي الضغط بالعقوبات، واستعمال أشكال أخرى من الضغوط، والإصرار على التفاوض". لكن لن تقتنع طهران بأن بايدن لم يعد يتوق إلى عقد اتفاق معها عبر تحذيرات مسؤولين يرفضون الكشف عن أسمائهم، ويوم الأربعاء الماضي، انتقد المرشد الأعلى علي خامنئي الرئيس الإيراني المنتهية ولايته حسن روحاني، فقال: "لقد أثبت عهده أن الثقة بالغرب غير نافعة"، ونُقِلت مواقف خامنئي على التلفزيون الرسمي، وهي تأتي قبل أسبوع من تسلم إبراهيم رئيسي للرئاسة الإيرانية. رئيسي هو المسؤول المتشدد الذي اختاره خامنئي بنفسه، ويظن وزير خارجيته المحتمل أن التعنّت هو الأسلوب القادر على انتزاع التنازلات من المفاوضين الأميركيين، فقد أثبتت أول ستة أشهر من عهد بايدن صحة هذه الفكرة، لذا يُفترض أن يعالج الرئيس الأميركي الأخطاء المرتكبة إذا أراد تغيير المسار المعتمد. في المقام الأول، تراجعت جهود الوكالة الدولية للطاقة الذرية لمراقبة البرنامج النووي الإيراني بدرجة ملحوظة، ورغم زيادة الأدلة التي تثبت حصول نشاطات نووية غير شرعية، أدركت طهران أنها لن تواجه عواقب كبرى إذا أعاقت مسار المفتشين. يستطيع بايدن أن يتخذ الخطوة الأولى لتصحيح هذا الخطأ عبر بناء تحالف مع فرنسا وألمانيا وبريطانيا ودول أخرى تحمل التوجهات نفسها لتكثيف الضغوط الدبلوماسية على طهران خلال اجتماع مجلس المحافظين في الوكالة الدولية للطاقة الذرية في شهر سبتمبر. يجب أن تقود الولايات المتحدة هذه الجهود لتمرير قرار يدعم المدير العام للوكالة ويحث الجمهورية الإسلامية على الامتثال، وإذا لم يتحقق هذا الهدف، يجب أن يطرح بايدن الموضوع أمام مجلس الأمن في الأمم المتحدة. من المستبعد أن تدعم روسيا والصين أي عقوبات إضافية، لذا يجب أن تستعد إدارة بايدن لإطلاق حملة جديدة من الضغوط القصوى بالتنسيق مع التحالف الأوروبي الثلاثي. قد يحظى قرار تغيير المسار السياسي بدعم قوي في أوساط المسؤولين الجمهوريين السابقين وداخل الكونغرس. تفيد التقارير بأن الإدارة الأميركية تفكر بفرض عقوبات أكثر صرامة على استيراد الصين للنفط الإيراني، وهو مصدر أساسي للعائدات الإيرانية. إنها بداية واعدة، لكن يجب أن يتخذ بايدن خطوات أخرى، منها إبداء استعداده لاستهداف أفراد صينيين وشركات وبنوك صينية. قد لا يحبذ مؤيدو سياسة التواصل داخل الإدارة الأميركية وخارجها تشديد التدابير بهذه الطريقة، لكن قد يفرض الوضع هذا النوع من الحلول. لقد توسعت نشاطات إيران النووية بكل وضوح، بما في ذلك إنتاج معدن اليورانيوم، وهي خطوة أساسية لتطوير الأسلحة النووية، كذلك، سبق أن كثّفت طهران عمليات تخصيب اليورانيوم بنسبة نقاء تصل إلى 60%، وهو مستوى قريب من النسبة المطلوبة لتصنيع أسلحة نووية، وما من استعمالات مدنية معروفة لهذه المادة في البلد. أخيراً، يقال إن المسؤولين الإسرائيليين سيزورون واشنطن هذا الأسبوع استعداداً لأول لقاء بين بايدن ورئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينيت في أواخر شهر أغسطس على الأرجح، وهي فرصة مناسبة كي يعلن بايدن أمام الجميع أن إدارته تريد إطلاق مسار جديد لمنع النظام الإيراني الديني من تطوير سلاح نووي، لكنه يجب أن يكون مستعداً لتنفيذ كلامه. * أنثوني روغيرو
مشاركة :