لويس عوض مثير للعواصف كيفما وأينما كتب، يكتب عن جمال الدين الأفغاني فتقوم الدنيا ولا تقعد، يكتب عن أبي العلاء المعري، فينبري له الاتجاه المحافظ حجة بحجة، يكتب عن الجنرال يعقوب، عن فقه اللغة العربية، عن هوية مصر الفرعونية، عن تحطيم عمود الشعر، والكتابة بالعامية المصرية، فتنطلق المعارك الأدبية، التي تحفل بالتجاوز والكلام غير اللائق، بقدر ما تثير نقاشاً جاداً. تلك صورة لويس عوض كما رسمها لنفسه: من أراد فكرة مجملة عن صورتي في ذهن نقادي، فهي أني باختصار في يقين بعض أدباء اليسار، قائد الفكر اليميني في العالم العربي، كما كتب عني الشاعر المبدع عبدالوهاب البياتي، وذلك الناقد اللبناني شريف القلم عف البيان حسين مروة، وأني باختصار في يقين بعض أدباء اليمين قائد الفكر الماركسي اليساري الملحد في العالم العربي، كما كتب عني نقاد مجلتي الرسالة والثقافة وغيرهما، وفي يقين فئة ثالثة أني آخر قنصل للعالم المسيحي في مصر، منذ الحروب الصليبية، كما كتب عني الأستاذ محمود شاكر في كتابه أباطيل وأسمار وفي يقين فئة رابعة أني داعية فكري للقومية المصرية الفرعونية، وعدو فكري للقومية العربية، كما روى عني الأستاذ ميشيل عفلق، ونقاد مجلتي الرسالة والثقافة. هذه الاتهامات دفعت لويس عوض لأن يقول: لم أكن إلى حين قريب أو إلى عام 1965 على الدقة، أتصور أني أمثل هذه الخطورة في الثقافة العربية أو على الثقافة العربية، بحيث يصدر عني في عام واحد ثلاثة كتب هي الغزو الفكري لجلال كشك وأباطيل وأسمار لمحمود محمد شاكر ودراسات نقدية في ضوء المنهج الواقعي لحسين مروة، عدا المئات من عرائض الاتهام في المجلات الثقافية، أكثرها في مصر وأقلها في العالم العربي، وهي تشتمل على اتهامات، لو صدق أقلها لاستوجبت نبذي من صفوف الأمة العربية من الخليج إلى المحيط. ويواصل: لكني استعنت على هذه المحنة بإحساسي العميق بأن كل هذا الضجيج من حول ما أرى وما أكتب لا يمثل إلّا وجهات نظر جزئية، تراها فئة قليلة من الناس، أكثرهم من غلاة اليمين، أو غلاة اليسار، وأني مازلت في يقين الكثرة الغالبة من المثقفين العرب، ولاسيما المعتدلين منهم، خادماً مخلصاً بين خدام الثقافة العربية المخلصين، إن كان لابد له من تبويب، فهو في صف التقدم والحرية والإنسانية بوجه عام، وأني قد أصيب وقد أخطئ فيما أكتب وفيما أرى، ولكن شططي لا يوصد دونه باب الغفران، لأنه شطط الاجتهاد لا من شطط الضمير. يعترض البعض على تسمية الجدال الذي دار حول آراء لويس عوض بالمعركة الأدبية، على أساس أن عوض لم يكن يواصل الحوار، مع الأطراف الأخرى، لكنه كما يرى نسيم مجلي مفكر من طراز فريد، يستعصي على التصنيف، وأي محاولة تضعه في خانة غلاة اليسار أو غلاة اليمين، لن تجد لها سنداً مؤكداً، وسوف تعبر عن قراءة منقوصة ومبتورة، لإنتاج لويس عوض الغزير والمتنوع. عريضة الدفاع التي يقدمها نسيم مجلي عن لويس عوض تقول إن من اتهموه بالشيوعية لم يقرأوا روايته العنقاء التي اتهم فيها تنظيمات اليسار بالانفصال عن الواقع، ومن اتهموه بالانتماء إلى اليمين ينسون معظم ما كتبه عن نظرية العقد الاجتماعي بين الحاكم والمحكوم وفكرة العدالة الاجتماعية ودفاعه المستميت عن مجانية التعليم، أما الذين يقولون إنه طائفي انعزالي فهم يتجاهلون أنه قال: إن الأمة المصرية ليس فيها إلّا عنصر واحد يتجلى في الأغلبية الساحقة من أبنائها، أياً كان دينها، وإنما خرافة العنصرين نزلت إلينا من زعم الأقباط بأنهم من سلالة قدماء المصريين، وأنهم أصحاب مصر الأصليون، ومن زعم أن المسلمين من سلالة العرب الشريفة، في حين أن الإنثروبولوجيا لا تميز بين هؤلاء وأولئك. كتب لويس عوض بحثه على هامش الغفران وفيه يوضح أن المعري كان يعيش واقع عصره، وتأثر بكل صراعاته السياسية والثقافية والعقائدية، حتى أنه اعتبر رسالة الغفران رسالة إيديولوجية في حرب العقائد الدينية والسياسية، وكانت النتيجة مجموعة مقالات بتوقيع الشيخ محمود شاكر، استمرت الرسالة في نشرها من أواخر نوفمبر/تشرين الثاني سنة 1964 حتى أواخر يوليو/تموز عام 1965 جمعت في كتاب أباطيل وأسمار، وهو يشكك في نوايا لويس عوض تشكيكاً مطلقاً، على حد تعبير نسيم مجلي، ويتهمه بالتحريف المتعمد للنصوص، ثم يتهمه بانعدام الإحساس باللغة العربية، وأنه أجنبي عنها، وأنه ذكر عن شيخ المعرة أكاذيب وأوهاماً لا أصل لها إلّا في خياله. وضمن مآخذه على لويس عوض يقول شاكر إن عوض ادعى منهجاً في دراسة الغفران، وتاريخ شيخ المعرة، فاتضح أنه يجهل منهج الدراسات الأدبية جهلاً تاماً، كما أنه قرأ أسطراً كالملهوف من كتاب طه حسين، وترك ما بعدها من أسطر، فهو في الحقيقة خطاف جريء يتكئ على كتاب طه حسين وحده، بلا بصر ولا فهم، وفي موضع آخر، خارج عن السياق يقول شاكر: وكأنهم اختاروه ليكون بديلاً من ذلك المتسرع الجريء الوقح سليط اللسان، سلامة موسى. آراء لويس عوض طوال الوقت كانت مثار جدل بين الجميع، ممن ينتمون إلى اليسار واليمين، لكن المعركة الأشهر كانت بينه وبين محمود محمد شاكر، وظل صامتاً إلى أن رد بشكل غير مباشر عن طريق انتقاد مجلات وزارة الثقافة المصرية، وتوزيعها المتدني، خصوصاً الرسالة والثقافة واستتبع ذلك إغلاق المجلتين وغيرهما من مجلات.
مشاركة :