يقف الأدب العربي المعاصر مودعاً أحد رجالاته البارزين، يعتريه ألم الفقد، ويحزنه فراق الروائي والصحفي المصري جمال الغيطاني، ذلك الفارس الذي ترجل صباح أمس عن صهوة الحياة، بعد صراع مع المرض، تاركاً وراءه مسيرة حافلة بالنجاحات والإنجازات، وأرشيفاً يمتلئ عن آخره بالجوائز والشهادات التقديرية، وأعمالاً إبداعية ستبقى خالدة في ذاكرة الإبداع. توفي الغيطاني صاحب الرواية الشهيرة الزيني بركات صباح أمس الأحد 18 أكتوبر 2015، عن عمر يناهز 70عامًا، بعد معاناة مع المرض، إذ كان يرقد في رعاية القلب المفتوح في جناح الطوارئ بمستشفى الجلاء العسكري منذ منتصف أغسطس الماضي، بسبب إصابته بارتشاح في المخ، ومكث على أجهزة التنفس الصناعي مُنذ دخوله المستشفى، الذي نُقل إليه في حالة متأخرة، بعد أن توقفت عضلات قلبه تمامًا. صانع سجاد ولد الغيطاني بقرية جهينة في محافظة سوهاج في 9 مايو 1945، ثم قدم إلى القاهرة وتلقى تعليمه الابتدائي في مدرسة عبد الرحمن كتخدا، وأكمله في مدرسة الجمالية الابتدائية، وأنهى الإعدادية في عام1959 من مدرسة محمد علي الإعدادية، ليلتحق بمدرسة الفنون والصنائع بالعباسية، بقسم تصميم السجاد الشرقي وصباغة الألوان، ليعمل بعدها بالمؤسسة العامة للتعاون الإنتاجي رسامًا للسجاد الشرقي، وهو الأمر الذي تطلب سفره لمختلف مدن الوجه القبلي والبحري، ليزور كل شبر بأرض مصر، وهو الأمر الذي أفاده فيما بعد بشكل كبير في أعماله الأدبية. مراسل حربي في عام 1969، عمل الغيطاني كمراسل حربي في جبهات القتال لحساب مؤسسة أخبار اليوم، فقام بتغطية حرب الاستنزاف وحرب أكتوبر، إضافة إلى بعض مناطق الصراعات والأزمات في العالم العربي، وفي 1974 انتقل للعمل في قسم التحقيقات الصحفية، وتمت ترقيته في 1985 ليصبح رئيساً للقسم الأدبي بأخبار اليوم، ثم قام الغيطاني بتأسيس جريدة أخبار الأدب في عام 1993، حيث شغل منصب رئيس التحرير. ترك الغيطاني وراءه إرثاً أدبياً مهماً لا يمكن إلا الإشادة به، إذ يمتلئ ملفه الأدبي بأعمال روائية وقصص شهيرة، منها الزيني بركات، متون الأهرام، التجليات، حكايات المؤسسة، وغيرها. فارس وبالحديث عن جوائز التميز التي حصل عليها، نجد أنفسنا أمام مبدع عرف كيف يحصد أهم الأوسمة بإبداعاته وأعماله ذات الجودة العالية، ومن هذه الجوائز، جائزة سلطان بن علي العويس عام 1997، وجائزة الدولة التشجيعية للرواية عام 1980، ووسام العلوم والفنون من الطبقة الأولى، ووسام الاستحقاق الفرنسي من طبقة فارس عام 1987، وجائزة لورباتليون لأفضل عمل أدبي مترجم إلى الفرنسية عن روايته التجليات مشاركة مع المترجم خالد عثمان في 2005، وجائزة الدولة التقديرية عام 2007. تميزت أعمال جمال الغيطاني الروائية والقصصية بتفاعلها الإيجابي مع الأشكال السردية العربية التراثية، ونجاح الكاتب في بلورة أسلوب ولغة يستمدان أهم مقوماتهما من ذلك التفاعل الخصب، فبرز نتاجه السردي محملاً بطابع من الأصالة ومشحوناً بحس نقدي، وأعطى تجربته بعداً خاصاً سواء على مستوى الشكل أو الدلالة، وترجمت أعماله السردية إلى لغات متعددة، كالفرنسية والسويدية والإنجليزية والهولندية والألمانية والإيطالية.
مشاركة :