العقل يمكننا اعتباره عضوًا من أعضاء الجسم كما يصنفه البعض، وله أدواته الخاصة به كي ينمو ويتطور، العقل له أدواته مثل الرموز والتعريفات والمصطلحات والأفكار والمفاهيم والنظريات.. لا يمكننا التعامل مع العقل إذا غيبنا عنه المعلومات والأفكار.. لذلك نجد أنفسنا مع كل علم يدرس نقوم بتحرير المصطلحات ونفسرها حتى لا يختلط لدينا الأمر ونجهل مدلولات تلك المصطلحات فتحدث عملية التصادم الفكري.. لا يمكننا أن ندخل مكانًا ما إلا عبر بوابته وكذلك العقول لا يتم سبر أغوارها إلا من خلال الأفكار والمعلومات.مرحلة الطفولة المبكرة تقع بين ثلاث وست سنوات وفيها تكثر الأسئلة والاستفسارات والفضول والشغف الحقيقي بمعرفة كل ما يدور في فلك هذا الطفل، وجريمة كبرى لا تغتفر في حق الطفل إن لم يجد أبوين يحسنان فن الإنصات له والإجابة على كل التساؤلات المطروحة.عندما كنت أبحث وأمارس عملي في مجال الموهبة، كل من تعاملت معهم من الموهوبين والموهوبات يعيشون في بيئات مثالية لأسر عرفت حجم المسؤولية الكبرى على عاتقهم فتبنوا موهبة ظهرت في أرجاء المنزل وتعهدوها بالرعاية والاهتمام وهم من كانوا يرشحون ابناءهم وبناتهم لاختبارات الذكاء قبل اكتشافهم في المدرسة.الموهوب والعبقري والذكي فائق الذكاء أمانة عظيمة ويعول عليهم الكثير من الإنجازات الوطنية التي تحفظ في السجلات الرسمية ويبقى مصدر فخر واعتزاز لأهله ولوطنه.القراءة لها علاقة قوية جدًا بالذكاء والتفوق العلمي، ومن أهم الاختبارات في هذا المجال هو الذكاء اللفظي ومعرفة مدلولات الكلمات ومرادفاتها وعكسها.إن اصطحاب الكتب والروايات والقصص تجعل لدى الطفل حصيلة لغوية كبيرة فالمعلومات والحقائق تشكل جوهر الذكاء الإنساني.العقل البشري لا يولد المعلومات بل يقوم بالاشتغال على المعلومة المتوفرة لديه، والاعتراف بأننا جميعًا مقصرون في حق الطفل الذي تساهل الكثير من الآباء والأمهات في جانب القراءة ليحل محل الكتاب الجهاز الإلكتروني الذي قد يتسبب في إتلاف الكثير من المهارات والقدرات والملكات العقلية والقدرة على التركيز.الدراسات العلمية الموثقة في أعرق الجامعات العالمية (جامعة الينوي) تؤكد على أن الأطفال الذين يحصلون في الاختبارات على 50% يقرؤون مدة ست دقائق كل يوم فقط، والذين يحصلون على 90% في الاختبارات يقضون حوالي عشرين دقيقة كل يوم.وفي دراسة من نوع آخر على الأسر في إحدى المدن، تبين أن العائلات المميزة والناجحة في تربية أبنائها تشاهد التلفاز وسطيًا مدة ساعتين وربع يوميًا، وهذا يشكل أقل من متوسط ثلث من المشاهدة لدى عامة الأسر وهو سبع ساعات يوميًا.من الأهمية بمكان أن يقوم الآباء والأمهات باصطحاب الأطفال إلى المكتبة مرتين في الشهر لاختيار الكتب بأنفسهم، ولابد أن يكون لدى كل أسرة مكتبة صغيرة يشارك في تأسيسها جميع أفراد الأسرة، ونحن من نقرأ لهم أولا قبل ان يتعلموا فنون القراءة والكتابة، وحين يكبرون ويتمكنون من القراءة بأنفسهم نشجعهم ونتبادل الحوار حول موضوعات الكتب والقصص التي قرأوها ليستمتع الجميع بأجواء أسرية حميمية من خلال عقد جلسات فكرية ثقافية أسبوعيًا.وما أجمل أن نطرح التساؤلات حول مفاهيم العدالة والتسامح والتعايش والنزاهة والاعتدال والوسطية والانتماء والهوية الوطنية واحترام الآخرين وعدم الإقصاء لأفكار أو لأشخاص لدواع شخصية حتى ننتمي لمجتمع متصالح مع نفسه ومع الآخرين.. وينشأ الفتى على ما يربيه والديه.. رحم الله أمًا علمتني كيف أحترم الكبير وأوقره وكيف أرعى الصغير وأحترمه، وحفظ لي والدي الذي تعلمت بين يديه على قدسية الحرف والكلمة وعشق الكتاب والدفتر وتعلم فنون الخط العربي وتقليد جمال خطه ورسمه وعلمني أن المعلم هو وريث الأنبياء من يعلم الناس الخير، كما علمني كيف أحترم من يخالفني فكريًا وثقافيًا ومذهبيًا، فالمسلم أخو المسلم، والمسلم من سلم الناس من يده ولسانه.
مشاركة :