كابول - بات مقاتلو حركة طالبان على أبواب كابول بعد أن انتزعوا السيطرة على العديد من المدن وعواصم الأقاليم الإستراتيجية على الطريق إلى العاصمة في هجمات سريعة فاجأت القوات الأفغانية التي تقول إنها تواصل التصدي لهجوم المتمردين بينما استبعدت وزارة الدفاع الأميركية أن تكون العاصمة الأفغانية في خطر وشيك. وشددت الحركة المتشددة الخناق على كابول تقريبا من جميع الاتجاهات خاصة مع انتزاعها السيطرة على ثاني وثالث أكبر مدينتين في البلاد فيما أثارت سرعة تقدمها مخاوف من احتمال تعرض العاصمة لهجوم خلال أيام. واستولت الحركة الجمعة على مدينة بولي علم عاصمة ولاية لوغار الواقعة على بعد 50 كيلومترا فقط جنوب كابول وباتت تسيطر على حوالي نصف عواصم الولايات الأفغانية. وقد سقطت جميعها في أقل من ثمانية أيام. وأصبح الجزء الأكبر من شمال البلاد وغربها وجنوبها تحت سيطرة مقاتلي الحركة. وكابول ومزار شريف كبرى مدن الشمال وجلال أباد (شرق) هي المدن الكبرى الثلاث الوحيدة التي لا تزال تحت سيطرة الحكومة. وأكد مسؤول حكومي سيطرة طالبان على قندهار المركز الاقتصادي الواقع في جنوب البلاد وذلك في الوقت الذي تكمل فيه القوات الدولية انسحابها بعد حرب استمرت 20 عاما. وسقطت هرات أيضا في قبضة طالبان. وقال غلام حبيب هاشمي عضو مجلس الولاية في إقليم هرات عبر الهاتف من مدينة هرات التي يقطنها حوالي 600 ألف نسمة قرب حدود إيران "تحولت المدينة في ما يبدو إلى خط مواجهة على جبهة القتال.. صارت مدينة للأشباح"، مضيفا "العائلات إما أنها غادرت أو اختبأت في المنازل". وقال مسؤول دفاعي أميركي كبير إن هناك مخاوف من احتمال تحرك طالبان صوب كابول في غضون أيام. وكانت القوات التي تقودها الولايات المتحدة قد أطاحت بالحركة من السلطة عام 2001 بعد هجمات 11 سبتمبر/أيلول على برجي مركز التجارة العالمي والبنتاغون. لكن واشنطن تأمل في أن تبدي قوات الأمن الأفغانية قدرا أكبر من المقاومة مع اقتراب المسلحين من العاصمة. وقال النائب الأول للرئيس الأفغاني أمرالله صالح إنه فخور بالقوات المسلحة في البلاد. وقال على تويتر بشأن اجتماع للأمن القومي برئاسة الرئيس أشرف غني "قررنا باقتناع وتصميم أن نقف بحزم ضد إرهاب طالبان ونفعل كل ما في وسعنا لتعزيز المقاومة الوطنية بكل الوسائل والطرق. إننا فخورون بقواتنا المسلحة". وأثار القتال أيضا مخاوف من حدوث أزمة لاجئين وتراجع ما تحقق من مكاسب في مجال حقوق الإنسان. وقال مسؤول في الأمم المتحدة إن نحو 400 ألف مدني اضطروا لترك منازلهم منذ بداية العام منهم 250 ألفا منذ مايو/أيار. وقال تومسون فيري من برنامج الأغذية العالمي في إفادة للأمم المتحدة "الموقف يحمل كل السمات المميزة لكارثة إنسانية"، مضيفا أن البرنامج يشعر بالقلق من حدوث "موجة جوع كبرى". ولم يكن بوسع النساء في ظل حكم طالبان العمل ولم يكن يسمح للفتيات بالذهاب إلى المدرسة وكان على النساء تغطية وجوههن وأن يرافقهن أحد الأقارب الذكور إذا أردن الخروج من منازلهن. وفي أوائل يوليو/تموز أمر مقاتلو طالبان تسع نساء بالتوقف عن العمل في أحد البنوك. ومن بين المدن الرئيسية في أفغانستان، لا تزال الحكومة تسيطر على مزار الشريف في الشمال وجلال أباد قرب الحدود الباكستانية في الشرق بالإضافة إلى كابول. اللجوء للحدائق وأقامت أسر في خيام في حديقة بكابول بلا مأوى بعد أن هربوا من العنف في مناطق أخرى من البلاد. وذكرت الأمم المتحدة أن هجوم طالبان على كابول سيكون له "أثر كارثي على المدنيين" لكن لا يوجد أمل يذكر في التوصل إلى إنهاء القتال من خلال التفاوض مع تصميم مقاتلي طالبان على ما يبدو على تحقيق نصر عسكري. ودعا الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش اليوم الجمعة حركة طالبان لوقف هجومها فورا، محذرا من أن "الوضع في أفغانستان يخرج عن السيطرة" وقال للصحفيين "رسالة المجتمع الدولي لأولئك المنخرطين في الحرب يجب أن تكون واضحة: الاستيلاء على السلطة بالقوة العسكرية نهج خاسر. هذا الأمر لن يؤدي إلا إلى حرب أهلية طويلة أو لعزلة أفغانستان بشكل كامل". وقال مسؤولون أمنيون إن طالبان سيطرت أيضا على بلدتي لشكركاه في الجنوب وقلعة ناو في الشمال الغربي. وقال مسؤولون إن فيروز كوه عاصمة إقليم غور بوسط البلاد استسلمت دون قتال. وسيطر المتشددون الذين يقاتلون لهزيمة الحكومة وفرض تفسيرهم المتشدد للشريعة الإسلامية على 14 من عواصم الأقاليم الأفغانية البالغ عددها 34 منذ السادس من أغسطس/آب. وقال مسؤول إنه بعد الاستيلاء على هرات، اعتقل المسلحون القائد المخضرم إسماعيل خان، مضيفا أنهم وعدوا بعدم إيذائه هو وغيره من المسؤولين الذين تم أسرهم. وأكد متحدث باسم طالبان اعتقال خان الذي كان يقود المقاتلين ضد الحركة. وردا على تقدم طالبان قالت وزارة الدفاع الأميركية يوم الخميس إنها سترسل نحو 3000 جندي إضافيين خلال 48 ساعة للمساعدة في إجلاء موظفي السفارة الأميركية. وقالت بريطانيا إنها سترسل نحو 600 جندي لمساعدة مواطنيها على المغادرة وقالت سفارات أخرى من بينها سفارتا هولندا وألمانيا وجماعات إغاثة إنها تعمل أيضا على إجلاء موظفيها. وعقد أعضاء حلف شمال الأطلسي مشاورات بشأن الأزمة. وقال الأمين العام للحلف ينس ستولتنبرغ على تويتر "ما زال هدفنا هو دعم الحكومة الأفغانية وقوات الأمن. نحافظ على وجودنا الدبلوماسي في كابول وأمن موظفينا يأتي في المقام الأول". وأورد مصدر أوروبي أن الحلف يريد ضمان سلامة ممثله المدني في كابول السفير الايطالي ستيفانو بونتيكورفو وفريقه. وأبقت تسع دول في الاتحاد الأوروبي هي أيضا أعضاء في الأطلسي، إضافة إلى ممثلية الاتحاد الأوروبي سفاراتها في كابول، بينما أغلقت دول أخرى مقراتها الدبلوماسية وأجلت موظفيها، فيما صدرت نصائح وتوجيهات من دول غربية لرعاياها لمغادرة أفغانستان على وجهة السرعة. وقال المتحدث باسم الأمم المتحدة ستيفان دوجاريك اليوم الجمعة إن المنظمة تقيم الوضع الأمني في أفغانستان "على أساس ساعة بساعة" لكنها لا تقوم بإجلاء أي من موظفيها من البلاد. وأضاف أن المنظمة الدولية لها "وجود محدود للغاية" في مناطق سيطرت عليها حركة طالبان وأنها قامت بنقل بعض موظفيها من مناطق أخرى في البلاد إلى العاصمة كابول. وأثارت سرعة الهجوم في الوقت الذي تستعد فيه القوات الأجنبية التي تقودها الولايات المتحدة لإكمال انسحابها بنهاية هذا الشهر اتهامات متبادلة بشأن قرار الرئيس جو بايدن سحب القوات الأميركية بعد 20 عاما من الإطاحة بطالبان في أعقاب هجمات 11 سبتمبر/أيلول في الولايات المتحدة. وقال بايدن هذا الأسبوع إنه لم يندم على قراره مشيرا إلى أن واشنطن أنفقت أكثر من تريليون دولار في أطول حرب أميركية وخسرت الآلاف من الجنود. وتمثل خسارة قندهار ضربة قوية للحكومة، حيث تعد معقل حركة طالبان التي ظهرت عام 1994 وسط فوضى الحرب الأهلية. واتصل وزيرا الخارجية والدفاع الأميركيان أنتوني بلينكن ولويد أوستن بغني يوم الخميس وأبلغاه أن الولايات المتحدة ما زالت حريصة على أمن أفغانستان. واختتمت اجتماعات دولية استمرت ثلاثة أيام في العاصمة القطرية الدوحة الخميس بدون إحراز أي تقدم ملموس. وقالت الولايات المتحدة وباكستان والاتحاد الأوروبي والصين في بيان مشترك إنها لن تعترف بأي حكومة في أفغانستان "مفروضة بالقوة". وقال مفاوض حكومي في محادثات الدوحة طلب عدم كشف هويته إن طالبان قد لا تميل إلى تسويات على الإطلاق، بينما عرضت عليها السلطات الخميس على عجل "تقاسم السلطة في مقابل إنهاء العنف". وكان الرئيس الأفغاني أشرف غني يرفض حتى الآن الدعوات إلى تشكيل حكومة مؤقتة غير منتخبة تشارك فيها طالبان، لكن قد يكون تغيير موقفه جاء متأخرا. وفي واشنطن يواجه الرئيس بايدن ضغطا من المعارضة، فقد صرح زعيم الجمهوريين في مجلس الشيوخ ميتش ماكونيل الخميس بأن "أفغانستان في طريقها إلى كارثة هائلة متوقعة كان بالإمكان تجنبها". وأدان حلفاء للأميركيين توقيع الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب في فبراير/شباط 2020 في الدوحة الاتفاق مع حركة طالبان الذي أدى إلى خروج القوات الأجنبية، معتبرين أنها خطوة متسرعة. وعبر وزير الدفاع البريطاني بن والاس الجمعة عن أسفه. وقال "رأيت أنه لم يكن القرار الصائب أو الوقت المناسب وسيعود تنظيم القاعدة على الأرجح" إلى أفغانستان.
مشاركة :