فنان يجيد تسويق نفسه، وفنان يجيد تسوىء نفسه، وفنان يواجه الدنيا ولا يدرى بالضبط هل يأخذها بالأحضان أم ينهال عليها باللكمات والركلات؟!. شخصية المبدع تلعب دورًا محوريًّا فى تحديد مسيرته، لدينا شخصيات تتمتع بـ(كاريزما) وقبول طاغ تخلق لنفسها جسورًا شخصية بينها وبين الجمهور، وأخرى لا يعنيها أبدًا هذا الأمر ولا تمتلك أدواته. لديكم مثلًا يوسف شاهين حالة خاصة، مسموح له أحيانًا بهامش من التجاوز اللفظى لا يتاح لآخرين، شاهدته فى أكثر من حوار مع بعض الشخصيات الرسمية يكسر تلك الحالة من التحفظ وتنفلت منه الكلمات، تحليلى الشخصى أنه يتعمد ذلك، ولكن يفعلها بدرجة من التلقائية حتى لا يحاسبه أحد عليها، فى سنواته الأخيرة أصدر صفوت الشريف، وزير الإعلام، قرارا بعدم استضافته على الهواء خوفًا من انفلاته، يوسف كان قادرًا على أن يكسب تعاطف الناس، كما أنه صاحب الكاريزما ولا ينفى ذلك قطعًا موهبته المتفردة، شخصية يوسف شاهين لعبت دورًا محوريًّا فى تسويق إبداعه، الشاعر الكبير الموهوب عبد الرحمن الأبنودى شخصية (كاريزمية)، الجماهير تحبه وتحب أشعاره، قارنه مثلًا بابن جيله سيد حجاب شاعر كبير لديه مفرداته، ولكنه لم يتمتع بالحضور الشخصى، فلم تكن له نفس الدائرة الشعبية ولا الحضور عند رجل الشارع، وهو ما تجده مثلًا فى الفارق بين الشاعرين الفلسطينيين محمود درويش الحاضر شعريًّا وإنسانيًّا بقوة، وسميح القاسم حضور الشاعر وخفوت الإنسان. صلاح جاهين أمسك بتلك التفصيلة بينه وبين فؤاد حداد فقال محللًا أنا الأشهر وفؤاد الأشعر. شخصية صلاح جاهين وتعدد مواهبه ما بين كتابة الشعر والأغنية والزجل والمقالات والرسم والتمثيل والغناء، حتى إنه تعلم رقص الباليه، حضور طاغ لصلاح جاهين الإنسان، أسماء عديدة مثلًا كامل الشناوى ويوسف إدريس وفكرى أباظة ومحمد حسنين هيكل لديهم مساحات من الحضور الشخصى، بريق خاص ووهج، حتى فى الدعاة لو قارنت بين الشيخ الشعراوى والشيخ الغزالى، الحضور الشخصى للشعراوى أكبر عند رجل الشارع، ولا تزال صورته مرفوعة على نوافذ عدد من المركبات وأيضًا فى البيوت، بينما الغزالى غادر الذاكرة الشعبية، وهو ما يمكن أن تحيله لفارق (الكاريزما). هل الحضور أبدى يظل ملاصقًا للشخصية؟ التجربة أثبتت أنه مع الزمن من الممكن أن يخفت، ولا تجد له تفسيرًا منطقيًّا مقنعًا، ربما تعثر على بعض أسباب وليس كل الأسباب، لماذا هذا المذيع حقق كل هذا النجاح، رغم أن المذيع المنافس له أكثر ثقافة ووسامة؟ ستكتشف أنه أيضًا الحضور . الإبداع نفسه قد يتلاشى بلا أسباب موضوعية، الموسيقار محمد القصبجى بعد أن توقفت أم كلثوم عن الغناء له، كان يقول إما أننى أقدم ألحانًا متقدمة إبداعيًّا فتخشى منها أم كلثوم أو أن أم كلثوم هى التى سبقتنى إبداعيًّا فأصبحت خارج الزمن. قال لى الموسيقار كمال الطويل إنه سأله يا أستاذنا هل أم كلثوم ترفض ألحانك؟ أجابه: عندما أمسك بالعود وأبحث عن نغمة أجد أمامى غمامة سوداء تحول دون أن ألتقط شيئًا. لم يتمتع القصبجى بكاريزما شخصية مثل تلك التى وهبها الله لزميله الشيخ زكريا أحمد، الذى ظل حتى رحيله محتفظًا بمكانته عند أم كلثوم، ولم تقهره الغمامة السوداء!! [email protected] المقال: نقلاً عن (المصري اليوم).
مشاركة :