تشهد العلاقات البحرينية الإيرانية منذ قيام الثورة الإيرانية الإسلامية عام (1979م) توترات متواصلة بسبب الأزمات والمؤامرات السياسية المتعمّدة ضد مملكة البحرين والتدخل في شؤونها الداخلية بشكل فجّ منذ ذلك الحين وحتى اليوم، وقد تجلَّى ذلك بشكل أوضح باستغلال إيران للأحداث المؤسفة التي شهدتها البحرين في (فبراير 2011م) لخلق أزمة سياسية وإشعال فتيل الطائفية بين أبناء الشعب الواحد والترويج الإعلامي لادعاءات انتهاكات حقوق الإنسان، وجاءت تصريحات معالي وزير خارجية البحرين الشيخ خالد بن أحمد آل خليفة لصحيفة (الديلي تليجراف) اللندنية الأسبوع الماضي، لتؤكد أن الأزمة السياسية مع إيران مازالت مستمرة عندما كشف في تصريحاته بأن (إيران تكدّس قوة نارية لاجتياح الخليج في أي وقت، وخطورة عدم تناول الاتفاق النووي علاقاتها بجيرانها في الخليج العربي يشكِّل عقبة خطيرة أمام إقامة علاقات طبيعية بينها وبين والعالم الخارجي...)، ولا أعلم لماذا أشار معالي الوزير إلى (العالم الخارجي) في تصريحه؟ حيث إنني لا أرى أن هناك أي مشكلة بين إيران والعالم الخارجي الذي بدأ يتسابق إلى طهران بعد التوقيع على الاتفاق النووي في يوليو الماضي، وما أعتقده أن العقبة التي يعنيها معالي الوزير هي علاقات إيران بعدد من جيرانها من دول مجلس التعاون. فقد كشف قائد القوة الجوفضائية للحرس الثوري الإيراني العميد أمير علي حاجي زادة في استعراض للقوة من خلال وكالة الأنباء الإيرانية الرسمية يوم الأربعاء الماضي (14 أكتوبر 2015م) وبالتوازي مع تصريحات وزير الخارجية البحريني وللمرة الأولى عن الآتي: - وجود قاعدة صواريخ سرية محصَّنة على عمق 500 متر تحت الجبال العالية جاهزة ومنصوبة على شاحنات، والأصابع جاهزة وقابضة على الزناد في انتظار أوامر قائد الثورة الإسلامية علي خامنئي. - إيران لن تبدأ حرباً، لكن أي معتدٍ عليها سوف تحرقه تلك الصواريخ التي ستصنع منها إيران أجيالاً جديدة، وستطلق حممها مثل بركان ثائر من أعماق الأرض. - القدرات العسكرية للحرس الثوري الإيراني مثل جبل جليد عائم في الماء لا تظهر منه سوى كتلة محدودة. - ليس لدى إيران أدنى قلق من أحدث أجيال الأقمار الصناعية وأجهزة التجسس التي يمتلكها أعداء الثورة الإسلامية. كما صادق مجلس صيانة الدستور الإيراني في (14 أكتوبر 2015م) على مشروع قانون بالموافقة على الاتفاق النووي بين طهران ومجموعة (5+1) المبرم في (14 يوليو 2015م) بعدما أقره مجلس الشورى في (13 أكتوبر 2015م) بأغلبية كبيرة في انتصار يُحسب لحكومة الرئيس حسن روحاني على المحافظين المعارضين للاتفاق، مما يفتح الباب على مصراعيه للحكومة لتنفيذ بنوده ورفع معظم العقوبات الدولية التي فُرضت على إيران منذ عام 2006م. وتحدثت الولايات المتحدة الأمريكية عن التجربة الإيرانية الصاروخية التي تمَّت يوم (11 أكتوبر 2015م) بإطلاق الصاروخ الباليستي بعيد المدى من طراز (عماد) والمصنّع من قبل خبراء منظمة الصناعات الجوفضائية بوزارة الدفاع الإيرانية وهو الأول من نوعه الذي تُنتجه إيران ويتم التحكم بتوجيهه حتى إصابة الهدف المحدّد مما يمكّنه من إصابة الأهداف بدقة عالية وتدميرها تماماً، بأنها انتهاك لقرار مجلس الأمن رقم (1929 لعام 2010م) الذي يمنع إيران من القيام بأنشطة مرتبطة بالصواريخ الباليستية بعيدة المدى التي يمكن أن تحمل رؤوساً نووية، وأنها عازمة -أي الخارجية الأمريكية - على إثارة الموضوع في مجلس الأمن، مع التأكيد - للأسف - بأن هذا الملف منفصل عن الاتفاق النووي، وهذا ما أكَّدته كذلك الخارجية الإيرانية التي أوضحت أن الصواريخ البالستية الإيرانية خارج إطار صلاحيات مجلس الأمن وقراره رقم (2231) والمتعلّق بالاتفاق النووي، وأن إيران ستواصل إجراءاتها اللازمة لتعزيز قدراتها الردعية بهدف مواجهة أي عدوان والتصدي للتهديدات الإرهابية في المنطقة. وأدانت الخارجية الفرنسية تلك التجربة الصاروخية الإيرانية واعتبرتها انتهاك واضح لقرارات الأمم المتحدة ورسالة مثيرة لقلق من طهران إلى الأسرة الدولية. وجميع ما سبق ذكره من وقائع هو لعمري المقصود من تصريحات معالي وزير خارجية البحرين لصحيفة (الديلي تليجراف) اللندنية الأسبوع الماضي، ومخاوفه من تكدّس القوات الإيرانية الهائلة واستعدادها لاجتياح الخليج العربي، وخشيته من أن الأموال المحوَّلة إلى الحرس الثوري بعد رفع العقوبات الاقتصادية تبعاً للاتفاق النووي ستستخدم لزيادة خطر برنامج الصواريخ الإيرانية. ولذلك فإن ما تشهده منطقة الخليج العربي من أحداث جسام تهدِّد أمن وسلامة ووحدة وكيان مجلس التعاون، يتطلب من دول المجلس (العمل الجماعي) - وأشدِّد على العمل الجماعي - من أجل الحفاظ على الكيان الخليجي وأمنه القومي المشترك والدفاع عن مكتسبات مواطنيه، فلم يعد هناك متسعاً من الوقت للمجاملات السياسية بين دول مجلس التعاون نفسها، ولا للمجاملات السياسية في علاقاتها الاستراتيجية مع الولايات المتحدة الأمريكية، خصوصاً بعد التطورات الخطيرة في الموقف الأمريكي ورؤيته الجديدة للمنطقة التي تهدد أمن واستقرار ووحدة كيان دول المجلس وسيادتها، ويمكن تبيان ذلك في الجوانب التالية: - نجاح إيران في تعزيز موقعها ودورها الإقليمي في المنطقة، حيث تَعتبر الولايات المتحدة الأمريكية عدد من دول مجلس التعاون دولاً حاضنة للإرهاب وتقف حجر عثرة أمام التحولات والتغييرات التي بدأت في الوطن العربي نحو التعددية والديمقراطية والمشاركة الشعبية في الحكم، وأن لدى إيران الشرعية اللازمة التي تؤهلها لقيادة المنطقة وتَوَلّي حل أزماتها رغم دورها الإرهابي الواضح والمُعلن في دعم ومساعدة حلفائها في العراق وسوريا ولبنان وحماس في غزة وما يعانيه الداخل الإيراني من أزمات وأوضاع اقتصادية واجتماعية مزرية. - لم يكن التوصل إلى الاتفاق النووي بين إيران ومجموعة (5+1) في يوليو الماضي سوى طريق أتاح للولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها إعادة النظر في الترتيبات السياسية والاقتصادية القائمة في الإقليم الذي لم يزل حجر الزاوية في مستقبل التجارة والاقتصاد الدولي، وذلك بإقامة علاقات استراتيجية جديدة تقوم على رؤية تختلف عن الرؤية الأمريكية السابقة في المنطقة والتي مضى عليها أكثر من خمسين عاماً. - لم تستطع دول مجلس التعاون تحقيق أي تقدم نحو تغيير الموقف الأمريكي والحصول على ضمانات أمريكية مكتوبة خلال قمة كامب ديفيد التي عُقدت في (مايو 2015م)، ولا في الاجتماعين الوزاريين اللاحقين لها واللذين عقدا في الدوحة بتاريخ (2 أغسطس 2015م)، وفي نيويورك بتاريخ (30 سبتمبر 2015م) رغم ما قدمته من أدلة وبراهين حول استمرار إيران في الإضرار بها وتدخلها المستمر في شؤونها الداخلية بغية توتير الأجواء وخَلق المشاكل وزعزعة الأمن والاستقرار، لذلك فإن الاتفاق النووي لم ولن يغير من تطلعات إيران وأطماعها وتهديداتها المستمرة لدول المجلس التي زادت واتضحت في الأشهر الماضية من خلال ما تم اكتشافه من أسلحة ومتفجرات إيرانية وبكميات هائلة في الكويت والبحرين، واستمرارها في دعم حلفائها من القوى الإرهابية الطائفية. إن كل ما يدور في المنطقة من أحداث متلاحقة بدأت منذ عام (2011م) وظهور تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، وجبهة النصرة، وحزب الله، والجماعات والأحزاب الإرهابية الأخرى، عبارة عن أزمات مفتعلة تهدف في نهاية المطاف إلى إحداث التغييرات المطلوبة والمُخطَّط لها في كيانات الدول العربية من المحيط إلى الخليج الذي يعيش على فوهة بركان انفجر وأصابت شظاياه النارية الجميع، ولم يعد ممكناً علاجه بالبيانات العربية الرنانة التي ملئت خزائن الجامعة العربية. لذلك أرى أن تشكيل (مجلس رئاسي عربي مصغَّر) من ملوك ورؤساء وأمراء الدول العربية أصبح أمراً مصيرياً وملزماً، على أن تكون لديه صلاحيات محددة في أمرين لعلاج الوضع العربي الراهن وهما: الأول: التباحث فيما من شأنه تعزيز العمل العربي المشترك. الثاني: وقف مشروع التغيير الأمريكي المعروف باسم (Blood Borders) أو (حدود الدم) الذي يسعى لتدمير كيانات الدول العربية والإسلامية وبالأخص (سوريا، العراق، السعودية، الإمارات، اليمن، الأردن، تركيا) وغيرها، وتقسيمها إلى دويلات متفرعة على أساس ديني ومذهبي وطائفي، وذلك ببحث الوسائل القابلة للتنفيذ بإجماع عربي، عبر اتفاق (المجلس الرئاسي العربي المصغَّر) على خطة عربية خالصة تضع أسس ومبادئ نشر التعددية والمشاركة الشعبية في الحكم واحترام حقوق الإنسان وتمكين المرأة والقضاء على الفساد حسب ظروف وأوضاع المجتمعات العربية وعاداتها وتقاليدها وموروثاتها. ] محلل الشؤون الإقليمية ومجلس التعاون
مشاركة :