رؤَىً.. وذكرى - عبد الرحمن بن محمد السدحان

  • 8/23/2021
  • 00:00
  • 16
  • 0
  • 0
news-picture

* سأل سائلٌ عن سر التناقض بين الممارسة الحياتية والآراء التي يطرحُها بعضُنا عبر المجالس أو (أفواه) الأقلام، فاجتهدتُ بردّ قد لا يطفئُ غلَّ السائل، لكنه يقول بعض الحقيقة، وهو أن بعض المثقفين أو (المتسلّقين) على أغصان الثقافة هم «المسْتَهْدفُون» بهذا الإشكال! لكن اتهامهم بازدواجية القول في هذا الشأن أمر يمكن الأخذ به جزءًا لا كُلاً، بمعنى أن تعميم الحكم على المثقفين أو بعضهم قد يحمل قدرًا من الإجحاف. *** * نعم.. هناك من يُرائي بالتُّقى، والله من ورائه عليم، وهناك من (يلعن) الفسَاد، والله به خبير، وهناك من ينتقد الإسراف في وسائل العيش، وهو سيّد المسرفين، وهناك من قد يتغنّى بحبِّ الوطن، وفي الوقت الذي قد يُحرجُ فيه الوطن خارجَه بسلوكياتٍ ينكرها الخلق السّويّ. *** * الازدواجية إذًا طبع أو تطبّع في (منظومة إنسان) هذا العصر، مثقفًا كان أو سواه. لكن تعميم هذا الحكم مشكلة أخرى. *** * جزء من المشكلة في تقديري المتواضع يعود إلى ما يشهده جيلُ هذا الزمان من (تباين) بين (حُلمه) الذي لا حدودَ له، و(إمكاناته) المحاصرة بأغلال المادة والخبرة وغير ذلك. من هنا، تأتي (الازدواجية) تعبيرًا عن الفجوة بين (ما يُحبّ المرءُ) أن يكون، (وما لا يمكن أن يكون). *** (1) * العقلُ الرشيدُ، والبُعد عن (رومانسية) الأماني السابحة في الفضاء، ثم القناعة بما قُسِمَ للمرء من متاع الدنيا وزينتها، كل هذه مؤشراتُ الرّشد والنأي عن أضغاث الأحلام. *** (2) * شربتُ من كأس العناء في مطلع ربيع العمر قدرًا منحني فيما بعد، بقدْرة الله وقدَره، شفافيةَ الروح، وحضورَ الذهن وطموحَ الوجدان! سعيْتُ في مناكب الأرض أرُومُ النجاح ما استطعت، بدْءًا من مقاعد الدّراسة، داخل المملكة وخارجها، مرورًا بالجهد الأكاديمي والإداري، بدْءًا بمعهد الإدارة العامة وانتهاءً بأمانة مجلس الوزراء، فلمْ يخيّبْ الله لي ظنًا ولا جُهْدا، ومنحني من النجاح ما يُوجبُ عليَّ السّجُودَ له سبحانه شكرًا وثناءً، والحمد لله.. من قبل ومن بعد. *** (3) * كانت رحلتي الأولى في أواخر الخمسينيات ميلاديًا إلى لبنان حلمًا جميلاً، بالرغم مما تخلّلها من صعاب، بدْءًا بتعلّم اللغة الإنجليزية أول مرة في مدرسة تقع على ضفاف نهر البردوني بمدينة زحلة، عروس البقاع، تديرها أسرة إنجليزية من جذور إيرلندية، كان ربُّ هذه الأسرة مستر ليتل، ضخمَ الجثة والقامة، أصلعَ الرأس، وكان مشهدُه في الأشهر الأولى وهو مقبلٌ أو مدْبر يُفجّرُ الرعب في نفسي، فألوذُ بالدمع في صمت، لكن الفترة التالية علّمتني التطبّع مع تلك الأسرة، وآَخَتْ بين صلابة وليّها ونفسي المسكونة بالخوف من الغربة! وقد أمضيتُ عامًا دراسيًا كاملاً في تلك المدرسة، بدأته بدموع الغربة، وغادرته في نهاية العام بغصة من الحزن وهاجس الفقْد! وكانت تجربة تربوية لا تُنسَى.

مشاركة :