مع تهاوي مؤسّسات الدولة في لبنان، يأتي تحذير منظّمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسيف) من خطر نقص المياه ليزيد الطين بلة والأوضاع سوءاً، مع ما يعنيه الأمر من الاصطفاف في طابور جديد، لتكتمل دائرة المعاناة على امتداد انقطاع السلع الحياتيّة. وأمام هوْل المصائب المنهمرة فوق الرؤوس، لم يكن ينقص اللبنانيين من نكبة سوى أمراء السوق السوداء الذين يصنفهم الكثيرون على أنّهم أخطر أمراء الحرب خلال الحرب الأهلية، بعد أن حوّلوا البلاد إلى سوق سوداء: للدولار والمحروقات والتخزين والسلع المدعومة والدواء والطحين والغذاء والتهريب، فيما لم يتبق خارج الدائرة سوى الماء والهواء. معالم انهيار وفي الطرف الآخر من المشهد تقف المنظومة الحاكمة التي تأمر بما لا تنفّذ، وتصرف مما لا تملك وتعد ولا تصدق كما يتهمها الكثيرون. ويسرد الستيني اللبناني أبو فؤاد في إفادة لـ «البيان»، معالم الانهيار بدءاً من أزمة المحروقات التي تحكم الخناق على الناس، مروراً باستغاثة المستشفيات واحتضار المؤسسات والمصانع، وصولاً للمدارس التي لن تفتح أبوابها، والجامعة اللبنانية التي تتجه نحو الإغلاق. وتتوالى المصائب في قاموس أبو فؤاد لترسو على خلاصة مفادها: «ما عجز الداخل عن صنعه من مشاكل، تبرع حزب الله باستيراده، على شاكلة محروقات ستنافس الدولة بسيادتها، ما يعني الذهاب نحو حكومة تسترد الثقة، أو الانتحار». ووسط الأزمات المستمرة المتنقّلة والمفتوحة في آن، والتوقعات بأن تصبح الطوابير متحورة ومتمددة، تختصر الأستاذة الجامعيّة رشا مشهد، الانهيارات بعبارة لا تتجاوز الكلمات الثلاث: «محتكرون، مخزّنون، ومهرّبون»، فيما «الجريمة من دون مجرم». وأضافت مشهد لـ«البيان»: «المازوت يتمّ توقيفه ومصادرته، ويترك الجاني، المتهم والمسؤول عن الأزمة عن سابق تعبئة وتخزين»، في مقابل حل تخديري مؤقت، نصف رفع للدعم، وتسوية قسرية اضطرارية، وأفضل الممكن في هذه الظروف، أي التوصيفات التي أطلقت على الآلية الجديدة التي وضعها اجتماع قصر بعبدا لمعالجة أسوأ أزمة محروقات شهدها لبنان، وباتت تهدد أمنه الاجتماعي واستقراره الأمني. أزمة طوابير وتردف رشا مشهد: إنّ الأيام كفيلة بالحكم على جدوى المخرج المتعمد، لا سيما لجهة ما إذا كانت التسعيرة الجديدة للمحروقات، على أساس ثمانية آلاف ليرة للدولار ستحل هستيريا طوابير السيارات في المحطات. وفي الانتظار، لا صوت يعلو فوق صوت «زعماء عصابات» تحميهم قوى أقوى من الدولة وليس من رادع لهم، يشاركهم في ذلك بعض اللبنانيين ممن تحولوا إلى «تجار سوق سوداء» في كل مقومات حياة الناس وأساسياتها، يسرقون بعضهم ويتاجرون ببعضهم بعضاً، ويتسابقون على قتل أنفسهم وبعضهم بعضاً، كل ذلك، وفق الإجماع الداخلي، متفرّع عن أركان سلطة جعلوا من الحكومة «سوقاً سوداء»، يتلاعبون بتأليفها صعوداً وهبوطاً، بين خطوة إيجابية للأمام وخطوات سلبية للوراء. تابعوا أخبار العالم من البيان عبر غوغل نيوز طباعة Email فيسبوك تويتر لينكدين Pin Interest Whats App
مشاركة :