الإنسان كائن حي لا يستطيع أن يعيش بمعزل عن الآخرين مهما توفرت له السبل حتى وإن كان يعيش وحيداً في جزيرة هادئة وسط البحر ويملك كل وسائل الحياة والرفاهية. الاختلاط والتعامل والتعايش والتأقلم مع الآخرين جزء من تكوين الإنسان. في تفاصيل الحياة هناك الفرح والترح والسعادة والشقاء والمرض وهموم الحياة بكل تفاصيلها ومواجهتها يتطلب أو يُجبر أن يتعامل أو يتنازل لكي تستمر عجلة الحياة بالدوران، أحياناً وربما كثيرًا هناك بعض الناس تغض النظر وهذا لا بأس به لكن ليس إلى حد المساس بالقيم الإنسانية والعرف وربما بعض الموروث والوصول إلى الركائز الإسلامية. وهناك فرق بين غض البصر وغض النظر لا أريد الخوض فيها ربما أتمكن من ذلك في مقال في المستقبل. بغض كلمة أصلها الفعل (بَغَّضَ) في صيغة الماضي ومعناها دون اعتبار أو بصرف النظر سوف أتخذ قرار المضي ومنها سأستقيل من وظيفتي بغض النظر عن النتائج، حذرت دراسة علمية جديدة من أن أصحاب الكروش من الجنسين أكثر عرضة للإصابة بأمراض القلب، بغض النظر عن مؤشر كتلة الجسم، بغض النظر سوف أقود سيارتي وسط الشعيب، بغض النظر سوف أزوج ابنتي لرجل عاطل عن العمل، بغض النظر سوف أرفع صوت مسجل سيارتي ولا يهمني أي إنسان، بغض النظر لن أتقيد بالذوق العام، بغض النظر كيف تعيش، يجب أن تعرف أنَّ الرجل الحكيم هو من يرىَ أنَّ السعادة حق من حقوقه الذي لا جدال فيه، بغضّ النظر عن الظّروف ينبع الشعور بالسعادة من ذاتك. بغض النظر هناك سمات إيجابية وسمات أخرى سلبية وعلى الإنسان أن يقرر حين يقف عند مفترق الطرق. من أقوالي: (لست مُجبرًا أنْ أغض النظر حين أرى ذلك عكس قناعتي). لا تكابر، ولا تركب رأسك، ولا تظنن أن العودة عن الخطأ تقلل من قيمتك الاجتماعية بل ترفعها فهذا دليل النضج الفكري ولا تغض النظر وتصل إلى هاوية الجبل. يقول الكاتب والروائي الأمريكي إرنست همنغواي (إن الموتى والحمقى هم الذين لا يغيرون آراءهم أبدًا). للأسف هناك من يظن أن غض النظر هو حل موفق في كل الأوقات الصعبة وهذا الظن سببه الغضب الوقتي الذي يمر به الإنسان، وما أجمل أن يتحكم الإنسان بغضبه ومن طرق ذلك العد للعشرة والتنفس ببطء، والإنسان الشديد هو عن أبي هريرة -رضي الله عنه- مرفوعاً: «ليس الشديد بالصُّرَعة، إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب». بيوت هُدّمت، ومشاعر مبعثرة، وقيم دُنّست تحت مقولة (بغض النظر)، وعلى الإنسان المدرك أن يقولها في المواقف الإيجابية التي توحي بالإنسانية وليس بالمواقف السلبية التي تُدمر وتحرق. وكم من إنسان ندم حين أدرك أين ستأخذه بغض النظر. أقتبس (عندما يكون الأمر متعلقاً بالمصير بأن يكون الإنسان أو لا يكون فإن إرضاء الأشخاص لا يكتسب أي أولوية على الإطلاق) الدكتور غازي عبدالرحمن القصيبي -رحمه الله-.