سيكولوجية الخيانة الزوجية - د. أحمد محمد الألمعي

  • 8/27/2021
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

يفترض بالعلاقة الزوجية أن تكون علاقة مقدسة مبنية على أسس احترام ومودة ورحمة بين الزوجين، ومع ذلك قد تتخلل العلاقة الزوجية الخيانة من قبل أحدهما. والخيانة الزوجية من الظواهر الاجتماعية التي عرفها المجتمع البشري في مختلف العصور، وإن اختلف مفهوم الخيانة اختلافات طفيفة بين ثقافة وأخرى وبين زمن وآخر. وتقدس الأديان السماوية باختلافها العلاقة الزوجية برغم اختلاف الأحكام في تعدد الزوجات، وتحرم كل الأديان العلاقات خارج إطار الزواج. والخيانة الزوجية بجميع أشكالها هي من الأمور المحرمة التي نهى عنها الإسلام، قال تعالى: {وَلاَ تَقْرَبُواْ الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاء سَبِيلاً}. كما نهى الإسلام عن الخيانة قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ}، فقد أضاف الله سبحانه وتعالى في هذه الآية الخيانة إلى الكفر، كما تعد الأفعال المُحرمة حتى لو بسيطة من دون وقوع الزنا أو الفاحشة أيضاً محرمة. وتختلف أسباب الخيانة بين الزوج والزوجة، ولاختلاف الثقافات دور كبير في أسباب الخيانة فنجد أن نسبة حدوث الخيانة من قبل الرجل في المجتمعات الشرقية أكثر بكثير مقارنة بالمرأة، مع أن تبعاتها أسوأ بكثير للمرأة وخاصة المتزوجة، بينما قد لا تكون تبعات الخيانة للرجل بنفس القدر عند اكتشافها برغم أن العقوبات الدينية متساوية للطرفين. ويعود ذلك لعدة أسباب منها؛ الموروثات التربوية الاجتماعية الخاطئة التي أفرزت ثقافة سيادة الرجل على المرأة وتبعيتها له بدون تحمل المسؤولية لذلك. وهذه الموروثات مجّدت الذكورة، واعتبرت القدرة الجنسية من أهم مميزات الرجولة، مما قد يبرّر لبعض الرجال الكثير من سلوكياتهم، بما في ذلك الخيانة. يرى بعض الرجال في التسلط أساساً لرجولتهم، فيمارسونه مع زوجاتهم وأبنائهم، ما يؤدي إلى سوء العلاقة بين الزوجين، وحيث إن الجنس لدى المرأة عادة ما يرتبط بالعاطفة أكثر منه عند الرجل، فتبدأ المرأة بالابتعاد عن زوجها والصد عنه، مما يضع العلاقة الحميمة في منزلة الفتور والبرود، وقد يكون ذلك سبباً للخيانة، تحوّل الحياة الجنسية من الرغبة المشتركة إلى واجب فقط، عدم الانسجام الثقافي أو الالتقاء الفكري بين الزوجين. الأصدقاء الخائنون، يمكن أن يؤثروا في قناعات الزوج، فيرتكب الخيانة بدون تفكير ونرى ذلك كثيراً أثناء السفر والرحلات للخارج التي لا يصطحب فيها الأزواج أسرهم. وبالنسبة للمرأة نجد أن هناك أسباباً مختلفة للخيانة منها؛ البرود الجنسي عند الرجل ويشمل ذلك البرود العاطفي، الزواج القسري، غياب الزوج لفترات طويلة عن البيت، الاضطرابات النفسية والأسرية، مثل اضطراب المزاج ثنائي القطبين، ويمكن أن تكون الخيانة رد فعل لخيانة الزوج. ومن ناحية نفسية تعد الخيانة الزوجية سلوكاً أنانياً بطبيعته يقود الشخص لإشباع نزواته، وقد أجريت الكثير من الدراسات من قبل الباحثين عبر العقود الماضية لمعرفة سبب غش وخداع الناس في علاقاتهم. وتم التركيز على السمات التالية: ضعف ضبط النفس، والأنانية، والغضب، والملل، والبحث عن جذب الاهتمام كونها الأسباب الأكثر شيوعًا التي تجعل الشخص غير مخلص في علاقته. ومع ذلك، تشير دراسة أجريت عام 2018 إلى أنه حتى الخيانة الزوجية، التي هي بطبيعتها سلوك أناني، هي أكثر تعقيداً مما تبدو عليه وتتطلب نظرة متعمقة لكل من سمات الشخصية في كل شخص في العلاقة وكذلك الديناميكية والتفاعلية بينهما. فما السمات الشخصية التي تجعل الشخص أكثر (أو أقل) عرضة لخداع الزوج أو الزوجة؟ كان التعرف على طبيعة النفس الإنسانية وتفسير السلوكيات البشرية هدفًا لعلماء النفس والباحثين منذ عقود. في سبعينيات القرن الماضي، قاد فريقان من الباحثين الفريق الأول بول كوستا وروبرت ماكراي في المعاهد الوطنية للصحة. الثاني بقيادة وارن نورمان من جامعة ميشيغان ولويس جولدبيرج من جامعة أوريغون أبحاث للتعرف على سمات الشخصية المؤثرة في الخيانة الزوجية ما تسمى اليوم الخمسة الكبرى The Big Five وتوصلا إلى هذه النتيجة: السمات الشخصية الخمسة الكبرى (اختصار OCEAN): الانفتاح على التجربة (الرغبة في تجربة أنشطة جديدة)؛ الضمير (الوعي بأفعالك وعواقب السلوك)؛ الانبساطية في التعامل (الانفتاحية الاجتماعية) (السلوكيات الواثقة اجتماعياً)؛ القبول (السلوكيات التعاونية والودية والمحبوبة المفرطة)؛ العصابية (القلق، الإفراط في التفكير، السلوكيات المقلقة). كيف تؤثر شخصيتنا في احتمالية خداع الآخرين وعدم الإخلاص معهم؟ في عام 2005، أجرى الباحثان أورازك Tricia Orzeck ولنج Esther Lung دراسة أجاب فيها المشاركون طواعية على استبيان حول سمات الشخصية عن أنفسهم وشركائهم فى الزواج. قام ما مجموعة 45 من الذكور و59 من الإناث بتقييم أنفسهم وشركائهم (مع ما مجموعة 208 أشخاص يشاركون في الدراسة). أظهرت نتائج هذه الدراسة أن هؤلاء هم الأزواج الأكثر عرضة لتجربة الخيانة الزوجية في زواجهم: الزوجات اللواتي يتمتعن بصفات انبساطية عالية (بالمقارنة مع منخفضة) كن أكثر عرضة للخيانة؛ الزوجات اللاتي دخلن في شراكة مع زوج لديه سمات عصابية و/ أو انبساطية عالية (مقابل منخفضة) كن أكثر عرضة للخيانة؛ الأزواج الذين دخلوا في شراكة مع زوجة كانت لديهم سمات عصابية و/ أو انبساطية عالية (مقابل منخفضة) كانوا أكثر عرضة لأن يكونوا غير مخلصين؛ الأزواج الذين دخلوا في شراكة مع زوجة كانت لديهم سمات نرجسية وأنانية عالية (مقابل منخفضة) كانوا أكثر عرضة لأن يكونوا غير مخلصين. كما تشير نتائج هذه الدراسة إلى أن السمات الشخصية لشخص واحد لا تكفي لتحديد احتمالية الخيانة الزوجية. بدلاً من ذلك، تتطلب الخيانة الزوجية نظرة متعمقة على كل من السمات الشخصية لكل شخص في العلاقة وكذلك الديناميكية بينهما. لماذا لا نخلص للآخرين ونخونهم؟ وفقًا لاستطلاع أجري عام 2013 على 1535 من البالغين الأمريكيين، فإن إقامة علاقة غرامية تعد «خطأ أخلاقيًا كبيرًا» ويعاني كثير من الناس من ألم وحسرة من الخيانة الزوجية في علاقاتهم. أرادت أخصائية العلاج النفسي والمؤلفة الأكثر مبيعًا في نيويورك تايمز إستر بيريل أن تفهم سبب خداع الناس في العلاقات. «لماذا يفعل الناس هذا؟ لماذا يتخطى الأشخاص الذين كانوا مخلصين لعقود في يوم من الأيام خطاً لم يظنوا أبدًا أنهم سيتخطونه؟ ما المعرض للخطر؟ كيف نفهم هذا وكيف ننمو من ذلك؟» في كتابها «الحالة: إعادة التفكير في الكفر»، ألقت بيريل، التي مارست العلاج النفسي مع الأزواج لمدة 33 عامًا، نظرة على الخيانة ليس بطريقة علمية قائمة على الأدلة، لكن من زاوية اجتماعية وأنثروبولوجية. في حين أنه من الشائع جدًا أن يكون لدى الشخص تخيلات وأحلام يقظة حول علاقة مع شخص آخر غير الشريك، لا يقدم الكثير على تلك ذلك الخطوة ويتجنب خداع شريكه. وفقًا لدراسة أجريت عام 2001، اعترف 98 في المائة من الرجال و80 في المائة من النساء يتخيلون علاقة بشخص آخر غير شريكهم في بعض الأحيان على الأقل. هذه هي الطبيعة البشرية، أن تكون فضوليًا؛ لكن ما الذي يجعل الشخص ينتقل من فضولي طبيعي إلى غامض أخلاقيًا ويتخطى الخط إلى الخيانة الزوجية؟ بينما تلعب سمات الشخصية وديناميكية العلاقة دورًا رئيسيًا، هناك الكثير من التكهنات حول سبب الغش. هل التكنولوجيا مسؤولة عن «تسهيل الخيانة»؟ يختلف ذلك حسب الثقافة ففي المجتمعات الغربية هناك تواصل مفتوح بين الجنسين بينما يكون ذلك غير متاح في المجتمعات الشرقية المحافظة، وتكون وسائل التواصل الاجتماعي أداه رئيسية وقد تكون مفتاح للعلاقات غير المقبولة اجتماعياً. ويتكهن كثير من الناس في الغرب بأن الزيادة في التكنولوجيا (تطبيقات المواعدة والمواقع الإلكترونية مثل Ashley Madison، التي تستهدف المتزوجين) قد تكون أحد أكبر أسباب حدوث الخيانة الزوجية. ومع ذلك، وفقًا لبحث أجراه الدكتور جاستن ليهميلر في عام 2015، فإن انتشار الغش ليس أعلى مما كان عليه قبل 20 عامًا قبل إدخال مواقع وتطبيقات المواعدة. بدلاً من ذلك، قام علماء النفس بتضييق نطاق بعض الأسباب الأكثر شيوعًا التي يقدمها الناس لخيانة أزواجهم، والتي تشمل: ضعف ضبط النفس أو عدم الشعور بالالتزام بالعلاقة، سلوكيات اندفاعية، عدم التفكير في عواقب أفعالك وعدم الالتزام تجاه الشريك، الأنانية أو الغضب؛ وضع احتياجاتك فوق احتياجات شريكك، وعدو الاهتمام إذا كانت أفعالك تؤذي من حولك أو تريد نوعًا من «العقاب» لشريكك، السعي وراء جذب الانتباه؛ عدم الشعور بالرضا في العلاقة الزوجية، وعدم تلبية الاحتياجات العاطفية أو الجسدية، الملل وانعدام الأمن؛ الشعور بعدم الأمان حيال نفسك، والحاجة إلى التحقق من الصحة أو الرغبة في «الإثارة»، حتى لو كانت ناتجة عن سلوكيات مدمرة للذات مثل الغش. وبرغم الكثير مما يقال عن دلائل الخيانة من قبل الزوجين فليس هناك دراسات علمية مثبتة ولكن هناك تغيراً في السلوكيات والبرود العاطفي والجنسي وحتى العنف والتغيب عن المنزل والسفر غير المبرر والصرف المبالغ فيه والكذب كلها قد تكون أعراض للخيانة الزوجية. ومن نتائج الخيانة الخلافات والعنف الأسري، والأمراض النفسية التي تؤثر في الأسرة كلها وخاصة الأطفال، والأمراض الجنسية ومضاعفاتها خاصة عند حدوث الخيانة مع بائعات الهوى وينتج عنها أمراض خطيرة مثل الإيدز والتهاب الكبد الوبائي وسلسلة طويلة من الأمراض المزمنة، الحمل غير المرغوب والذي قد ينتج عن الخيانة الزوجية بالإضافة إلى مضاعفات أخرى كثيرة دينية، مجتمعية واقتصادية نتيجة للطلاق. للتعامل مع المشكلات الزوجية ينصح بالنقاش الهادئ المفتوح بين الزوجين بما يتعلق بالمشكلات الزوجية بدون تدخل أي أطراف أخرى. دخول الأهل والأقارب في الصورة قد يكون مفيداً ولكنه يفاقم ويعقد المشكلات في أغلب الأحيان. وينصح بجلسات الإرشاد ألأسري للمشكلات الأسرية أو العلاج النفسي للزوج أو الزوجة إذا وجد المرض النفسي كمسبب.

مشاركة :