هل أصبحت الأجيال الشابة تعاني من عدم المبالاة في كثير من أمور الحياة؟ هل هذا مطلوب لتستمر الحياة أو أنه فرض عليهم وجزأ من مخطط دولي بهدف تمرير أجندات معينة؟ هل هناك أسباب طبية أو نفسية؟ ما تبعات اللا مبالاة أسئلة تتردد في أذهان الكثيرين. في علم النفس اللا مبالاة هي حالة نفسية تتَّصف بعدم التأثّر بالمواقف التي تثير الاهتمام وفقدان الشعور والانفعال بأمرٍ ما وعدم أخذه بعين الاعتبار. ويقول علماء النفس إنها حالة وجدانية سلوكية معناها أن يتصرف الشخص بلا اهتمام في شؤون حياته أو حتى الأحداث العامة كالسياسة حتى ولو كان ذلك ينعكس ضده، ويكون ذلك مصحوباً بغياب الإرادة على اتخاذ موقف وعدم الاهتمام بالنتائج. وقد يكون هذا التصرف جراء عدم قدرة المرء على حل المشكلات التي تواجهه أو ضعفه أمام التحديات. إضافة إلى استخفافه بمشاعر الآخرين أو باهتماماتهم الثانوية كالطموح والآمال والهوايات الفردية أو المشاعر العاطفية المختلفة كالحب والكراهية والخصام والحسد وغيرها إذ إن اللا مبالي لا يجد اي فرق بين كل تلك المشاعر وإن لم يبد هذا الأمر صراحة أمام الآخرين. المصاب باللا مبالاة يعمد إلى قمع أحاسيسه وتعبيراته وقد يفعل ذلك عن قصد فيكون قاسيا مع وجدانه في كبت أحاسيسه أو لا شعوريا لأنه مصاب بحالة نفسية لا يعي أعراضها. لكن في جميع الحالات يظل تصرفه اللا مبالي دليلا على إصابته بأزمة نفسية تستدعي العلاج أحيانا. ونلاحظ اليوم أن الشباب والمراهقين كثيرا ما يحاولون التعامل مع الأمور بلا مبالاة وقد يخفي ذلك عكس ما نتصور. فالكبار ينتقدونهم ويقولون إنهم جيل من الكسالى وإنهم سلبيون ولا يمتلكون مقومات الشخصية القوية ولا الشجاعة لمواجهة المشاكل ولتحمل المسؤولية. تتعدد أسباب اللامبالاة وتشمل أسباب طبية ونفسية واجتماعية أضف إلى ذلك مشاهد القتل والدمار والحروب التي تعاني منها منطقتنا العربية باستمرار. كل تلك الأمور تجعل الشخص غير مكترث بما ستؤول إليه الأمور كونه قد رأى من الأحداث ومن الصور ما يصعب على الذاكرة نسيانه فتسبب له أعراض الصدمة النفسية المزمنة. يلجأ الاستعمار لتحقيق اهدافه الخبيثة إلى خلق حالة من التبلد الحسي لدى الشباب من خلال عدة طرق فلا يعودون يهتمون بقضايا الأمة وينصرفون إلى أمور تافهة، ومن خلال هذ التبلد الحسي يتم تمرير أجندات معينة بدون أن تلقى أي معارضة أو ثورات تكلفهم الكثير من الأموال والجهد. ونرى الكثير من الشباب خاصة منهم العاطلين عن العمل والذين تركوا مقاعد الدراسة لا يهتمون لمرور الزمن. فهم لا يكترثون لأن يمر اليوم مثل الأمس ولا يبدو أنهم يفكرون في الغد أيضا. تمرّ أيامهم على نفس الإيقاع بين النوم والتكاسل. ينامون ويستأنفون اليوم التالي على نفس الشاكلة وكأنهم لا يشعرون بمرور الزمن ولا بتقدمهم في السن، وكأن لا أهداف لهم في الحياة ولا طموحات يلهثون وراء تحقيقها عبر البحث عن حلول لأوضاعهم. وكلما اقتربت من أحدهم لتتحدث معه تجده إما أنه يستمع إليك دون اهتمام ولا تفاعل أو يقدم إليك إجابات ساخرة من كل شيء. حينها تكتشف حجم اللا مبالاة التي غرق فيها. وعندما يتفاعل معك أحدهم ويجيبك تدرك حجم اليأس والمرارة والأسف الذي يملأ وجدانه إلى درجة أفقدته الأمل في كل شيء، وجعلته يختار هذا النمط من المعيشة القريب من الموت البطيء. هؤلاء الشباب يعيشون معنا في صمت أو يحاولون لفت الانتباه لأنفسهم عبر تصرفات متمردة ورافضة لكل شيء حتى للحوار. نراهم لا يهتمون لا بالسياسة ولا بالشأن العام ولا بشؤونهم الخاصة ولا بأسرهم ولا حتى بأنفسهم. وأغلب المحيطين بهم لا يتفهمون وضعهم النفسي فقط يكتفون بالاستغراب والنقد وأحيانا بالتوبيخ واللوم ونرى هذه الظاهرة في كثير من شبابنا العربي. وفي الطب النفسي، تنتشر اللا مبالاة في من يعانون من مرض الاكتئاب وهناك حالة معينة تشمل هذه الصورة تسمى ميلانخوليا. ومن أقدم الكتب الأدبية التي وصفت حالة الياس واللا مبالاة كتاب ألفه الكاتب الإنجليزي روبيرت بيرتون في عام1621 بعنوان: تشريح الميلانخوليا وصف فيه بدقة معاناته مع اللا مبالاة المصحوبة باليأس. والعلاج الطبي يكون بعلاج المرض المسبب، أما بالنسبة للعلاج غير الطبي بصفة عامة يشمل مجموعة من النصائح لعلاج حالة اللا مبالاة والسلبية تبدأها بالإيمان بالقدرات الذاتية والاستعانة بالحماس على الشعور بفقدان الطاقة. والمعروف أن الميل «للتقليل من القدرات يؤدي إلى الفشل ونشر الطاقة السلبية، والنجاح والرغبة في الإنجاز تنبع من داخل الشخص نفسه، وإيمانه بقدراته، كما على كل شخص يشعر بالإحباط التركيز على مميزاته، ومن أكبر الأخطاء أن ينظر الشخص لنفسه بوصفه شخصاً عادياً وغير مؤهل ذهنياً وجسدياً للعمل، فكل إنسان له جوانبه الإيجابية». وانصح، بالابتعاد عن التكاسل، فالكسل هو العدو الأول للنجاح، وبإمكانه قتل روح المبادرة، وتغذية التخاذل، ويمكن علاجه بالاستماع إلى الآراء الإيجابية التي تحفز الشعور بالحماس، كما انصح بالابتعاد عن المشاعر السلبية التي تتسلل من الظلام ومن فقدان الحماس، ما يؤثر على الأداء في العمل. ومن المهم «نشر الحماس بين الآخرين، والاهتمام بالمهارات الصغيرة والكبيرة، والابتعاد عن الشخصيات السلبية المتشائمة لأن التشاؤم معدٍ، واستمداد طاقة الحماس من الشخصيات الإيجابية، والاقتراب دوماً من الشخصيات التي تحث على الاجتهاد والعمل والتفاؤل، وأخيراً التمسك بالحماس فهي السمة الثابتة التي تميز الشخصية القوية، وهي السبيل الأكيد للنجاح».
مشاركة :