لماذا نقرأ الأدب الكلاسيكي؟

  • 8/28/2021
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

مات الكاتب الإيطالي إيتالو كالفينو قبل أن ينال جائزة نوبل، كان يستحقها وفق آراء النُّقاد. لسوء حظّه ظل خارج اهتمام أعضاء الأكاديمية السويدية، سقط اسمه من قائمة النوبليين، لكنه صُنّف كاتباً عظيماً خاصة ثلاثيته الشهيرة "أسلافنا". يعود كالفينو إلى واجهة المكتبات العربية عبر كتاب من ترجمة دلال نصر الله، إصدار دار المدى (بغداد) بعنوان "لماذا نقرأ الأدب الكلاسيكي؟" وهو كتاب في قمّة المتعة، يقدّم لنا مفهوماً رائعاً للأدب الكلاسيكي قبل تعمّقه في قيمته الإنسانية والأدبية التي لا تفتر أبداً مع الزمن، بل تزداد أهمية. بدءًا لنتفق أن الكلاسيكيات هي آلة الزّمن الوحيدة التي نعرفها، لذلك كل قراءة لكتاب من هذا النوع رحلة عبر العصور. يأخذنا هوميروس إلى القرن الثامن قبل الميلاد، فيما يأخذنا الشاعر الفارسي نظام الكنجوي إلى القرن السادس، أمّا بالزاك وتشارلز دكينز وجوزيف كونراد فيأخذوننا إلى القرن التاسع عشر، مارك توين، همنغواي، خورخي لويس بورخيس إلى القرن العشرين، وتختلف الفضاءات المكانية والثقافية في النصوص الكلاسيكية تماماً كما الفضاءات الزمنية. إنها عوالم بأكملها بنيت كل حسب زمانه ومكانه، وهاهي أمامنا مكتملة النضج، فخمة وجميلة، وتشبه منجماً من الذهب للغة، خاصة لمن يقرأ اللغة الأصلية التي كُتبت بها. يقترح علينا كالفينو خمساً وثلاثين كتاباً وكاتباً، ويُعلّمنا أن الأدب ليس مجرّد مغامرة، بل مجموعة آراء تظل جديدة لأنها تساعدنا في فهم الإنسان وعلاقته بالعالم بشكل واضح. ودون قصد منه يكشف لنا خلفيته الثقافية، وقراءاته المتنوعة، التي لم تتوقف عند حدود الأدب الإيطالي، أو الأوروبي، إذ يمكن اختصاره بالمفتون بالأدب. صال وجال في المكتبة العالمية قديمها وجديدها، وهو بذلك لا يختلف عمّن بحث عن أصول الأفكار، وجذورها، لإبهارنا أن لا جديد في عالم الأدب، هناك من سبقنا منذ مئات السنين إلى قولها، وهذا ما يبعث في نفس القارئ مسرّة شبيهة بمسرة من اكتشف كنزاً في شكله الخام. ينبهنا الكاتب أيضاً أن الفارق الدّقيق بين الكلاسيكي بمعنى القديم والكلاسيكي الذي يقصده في مجموع مقالاته يعود إلى "دوره في الامتداد الثقافي"، كما يحرص على تبيان أن الكلاسيكيات "تساعدنا في فهم ذواتنا، والمرحلة الزمنية التي نعيشها"، وذلك حتماً يعود لمقارنات خفية نجريها بشكل عفوي أمام الأخبار اليومية التي تهطل علينا كالسيل عبر وسائل الإعلام الكثيرة التي تملأ حياتنا. قيمة الكلاسيكيات أيضاً تكمن في صناعة الأفكار الجديدة، يكفي أن نقرأ رواية آخر يوم لمحكوم عليه بالإعدام لفيكتور هيغو لنفهم كيف تغير هذا المفهوم بدءاً بالمتحمسين خارج الكيان القضائي إلى من غيروا القانون فعلاً. غير ذلك كان سعر الكلاسيكيات زهيداً - ولايزال - مقارنة مع أسعار الكتب الجديدة، وهذه فرصة جيدة لقراءتها أو إعادة قراءة بعضها. لن تبقى الشخص نفسه بعد قراءة هذا الكتاب.

مشاركة :