الهيمنة الذكورية ظاهرة سادت المجتمعات الإنسانية

  • 8/27/2021
  • 00:00
  • 2
  • 0
  • 0
news-picture

«الهيمنة الذكورية» مفهوم يختصر واقعًا قائمًا لا يسهم فيه الذكور وحدهم وإنما الإناث أيضًا وبشكل لا واع، إذ تشترك الضحية والجلاد في تبنّي التصورات والمقولات التصنيفية ذاتها، ممّا يسمح بالحديث عن إعادة إنتاج الهيمنة والمحافظة عليها. عالم الاجتماع الشهير الفرنسي بيير بورديو (Pierre Bourdieu)، بحث هذه الهيمنة وحللها في كتاب له قيمته وأهميته في وقتنا الراهن، وعمل على تشريح العلاقات القائمة بين أفراد المجتمع، مقرًّا في مقدمة الكتاب، بصعوبة الموضوع البحثي، عادا إياه مغامرة منه سبقها تردد كبير، قبل أن يمضي في أعمق طبقات العقل الأنثوي مفككًا كيفية إسهامه في إقرار الهيمنة على المرأة، رمزيًّا ولغويًّا وسوسيولوجيًا، متتبعًا طرائق استدماج الخطاب الذكوري وإعادة تمثلها جسديا من قبل المرأة أيضًا. الاختلافات الجسدية لأنّه رجل لا امرأة لم يكن بورديو متورطًا بشكل ذاتي في تناول الشرط النسوي، أمّا عن إحساسه بالتعاطف كإنسان فقد ظلّ خارجيًا، الشيء الذي أهّله في النهاية لإنجاز تحليل هادئ ورصين وأكثر عقلانية. وافتتح كتابه بتساؤل عن: كيف يمكن لنظام الكون باتجاهه الأحادي والممنوع وما يمثله من التزامات وعقوبات أن يكون محترما رغم ذلك؟ ثم كيف تراه يتأبّد وهو النظام ذاته الذي يحمل من العنف والهيمنة وإهدار حق الغير ما يحمله؟ وللإجابة عن هذه الأسئلة وأخرى، انتهز بورديو فرصة ميدانية ثمينة لاختبار فرضياته النظرية، منطلقاً من «قبائل» الجزائر كنموذج للهيمنة الذكورية، ساعيًا لتوضيح أنّ الاختلافات الجسدية/البيولوجية بين الذكور والإناث لا تشتغل إلا كتأكيد للاختلاف الطبيعي بين النوعين، بعدها يأتي دور الآليات التاريخية لتؤبد بنيات التقسيم الجنسي الذي رسّخه النظام المجتمعي. العنف الناعم يكشف بيار بورديو في كتابه طرق الهيمنة التي يمارسها الذكر على الأنثى. ويتوغل عميقًا في طبقات العقل الأنثوي مفككًا كيفية إسهامه في إقرار الهيمنة على المرأة، رمزيا ولغويا وسوسيولوجيا، لدرجة أنه يتتبع طرائق استدماج الخطاب الذكوري وإعادة تمثلها جسديًا من قبل المرأة نفسها. ويغرق بورديو في تفاصيل العنف الثقافي الممارس ضد المرأة بوصفها مهيمَنًا عليها من قبل خطاب صاغه الذكر. وبما أن الأخير مهيمن دائما فقد استدمجت المرأة وعيها في رؤيته فصارت عونًا له على نفسها. ويعتبر بورديو، أن الهيمنة الذكورية، ما زالت قائمة عبر ما يسميه «العنف الرمزي» ذلك العنف «الناعم واللامحسوس واللامرئي من ضحاياه أنفسهم، الذي يمارس في جوهره بالطرق الرمزية الصرفة للاتصال والمعرفة أو أكثر تحديدا بالجهل والاعتراف أو بالطاعة حدا أدنى». خطابات الثقافة الشعبية يلح بورديو على تسمية العنف الذكوري الممارس على المرأة بـ «ناعمًا لا محسوسًا» مادام غير مرئي ولا ينتبه له حتى من قبل ضحاياه، مؤكدًا أنه لا يتحقق إلا من خلال «فعل معرفة وجهل عملي يمارس من جانب الوعي والإرادة، ويمنح «سلطته المنومة» إلى كلّ تمظهراته وإيعازاته وإيحاءاته وإغراءاته وتهديداته ومآخذه وأوامر دعوته إلى الانضباط. موضحًا أن الرجولة ذاتها تأخذ بعدًا عنيفًا، حينما يتمّ التعامل مع العضو التناسلي الذكري كسلاح، وهو ما نجده في خطابات الثقافة الشعبية، وقد تأخذ أبعادًا عنيفة أكبر في أعمال الاغتصاب الجماعي للمراهقين أو في الألعاب الصبيانية والتفاخر بأعضاء تناسلية ذكورية قوية وكبيرة. ويقول «إنّ الرجولة بهذا المعنى عملية إثبات أمام الآخرين، لذلك فهي تستوجب اعتراف الآخرين كعنف حالي أو محتمل ومصادق عليه من قبل مجموعة من الرجال، كما تشي بذلك تفاصيل ليلة الدخلة كطقس اغتصابي مقنّع يصادق عليه النظام الاجتماعي وتباركه الثقافة». الأساطير والخرافات يتأمل بورديو في الكتاب ظواهر بالغة الجدة والطرافة، لم تخل منها جميع المجتمعات الإنسانية وكل الثقافات، فالهيمنة الذكورية، تشمل مجتمعات البشرية كلها. ويقول مستشهدًا «انظروا مثلًا كيف يفسر نزعة المرأة للاقتران بمن يكبرها في السن، هذه الظاهرة توجد عندنا طبعا كما هي موجودة في فرنسا وفي أوساط الحرفيين والكسبة تحديدًا. إن ذلك يأتي تماشيًا مع رغبة المهيمن، أي الرجل، فهو يفضّل الأصغر منه سناً لتأكيد هيمنته الرمزية أمام الآخرين». ولا يعرض بورديو تلك الظواهر مكتفيا بوضعها عند عند حدود السوسيولوجيا بل يقترب من الأنثربولوجيا بسبب علاقتها الوثيقة بموضوعة الذكورة والأنوثة. فيمر بإشارات الجسد فيما يخص وضعيات الحب بين الرجل والمرأة، موردا تفسيرات لافتة لبعض الأساطير والخرافات التي تمجّد وضعية العلو الذكوري والسفلية النسوية، معيدا قراءة الاسطورة التأسيسية للهيمنة الذكورية. الهابتوس/ السَّمْت ( بوكس) الهابتوس من المفاهيم الأساسية في العمل النظري عند بورديو. ويتحدد باعتباره نسق الاستعدادات الدائمة والقابلة للنقل التي يكتسبها الفاعل الاجتماعي من خلال وجوده في حقل اجتماعي بالعالم الاجتماعي حيث يعيش. ويترجم هذا المصطلح في العربية بلفظ التطبُّع أو السجيّة أو السَّمْت. ولعل اللفظ الأخير أقرب لأداء المعنى المطلوب، من حيث أنه يدل أصلًا على الهيئة أو الْحال، بالرغم من أن لفظ المَلَكة كما استعمله بالخصوص ابن خلدون يُمكنه أداء المعنى نفسه، خصوصًا أن الأمر يتعلق بمفهوم يجد جذوره في فلسفة أرسطو. ويلعب هذا المفهوم دورًا مركزيًا في عمل بورديو النظري، إلى جانب مفهومي الحقل والعنف الرمزي. پيير بورديو عالم اجتماع فرنسي «1930 – 2002» أحد الفاعلين الأساسيين بالحياة الثقافية والفكرية بفرنسا أحد أبرز المراجع العالمية في علم الاجتماع المعاصر أحدث فكره تأثيرًا بالغًا في العلوم الإنسانية والاجتماعية منذ منتصف الستينيات بزغ نجمه انطلاقًا من الستينيات بعد إصداره كتاب الورثة عام 1964 اهتم بتناول أنماط السيطرة الاجتماعية بواسطة تحليل مادي للإنتاجات الثقافية أهم أعماله: أنتج بيير بورديو أكثر من 30 كتابًا ومئات من المقالات والدراسات الورثة. الطلبة والثقافة (1964). حب الفن (1966). النقد الاجتماعي لِحُكم الذوق (1979). الإنسان الأكاديمي (1984). الأنطولوجيا السياسية عند مارتن هيدغر (1988). قواعد الفن. تكوُّن وبنية الْحقل الْأدبي (1992). بؤس العالم مع آخرين (1993). في التلفزة (1996). بؤس العالم 2001.

مشاركة :