كتب الدكتور غانم النجار قبل أسابيع: «إن السلطة (تنفيذية وتشريعية) اختارت طمس معالم الغزو لذلك توصل الطرفان إلى حل وسط فشكلوا لجنة تقصي الحقائق، وزاد الطين بلة أن يبقى ذلك التقرير سرياً حتى يومنا هذا رغم الجهد الكبير الذي بذل لإنجازه». والصحيح أني وعدد من أعضاء مجلس 92 تقدمنا باقتراح تشكيل لجنة للتحقيق في الغزو العراقي للكويت، ولكن الحكومة برئاسة الشيخ سعد، رحمه الله، لم توافق على الاقتراح لأن الذي يستحق التحقيق في نظرهم هو صدام حسين لا الحكومة الكويتية، وبعد نقاش كبير بين الطرفين ساهم فيه الأخ حمد الجوعان من المجلس والأخ أحمد الربعي من الحكومة توصلنا إلى أن يشكل المجلس لجنة تقصي الحقائق في الغزو العراقي، ويكون لها الحق في أن تتحول إلى لجنة تحقيق إذا رأت اللجنة وحدها ما يستدعي ذلك بدون العودة لإصدار قرار جديد من المجلس. وبالفعل تشكلت اللجنة برئاسة الأخ صالح الفضالة وكنت أنا المقرر، وبمشاركة الإخوة مبارك الدويلة وعبدالله النيباري ويعقوب حياتي وغيرهم. وكان النقاش في اللجنة أميناً وصريحاً، ولم يخفِ المسؤولون والضيوف عن اللجنة أي معلومة، حتى أن لقاء اللجنة مع الشيخ سعد استغرق حوالي سبع ساعات متواصلة، والتقت اللجنة كذلك بالشيخ صباح الأحمد، رحمه الله، والشيخ نواف الأحمد، وفقه الله، وعدد كبير من الوزراء والسفراء والعسكريين، وبعد عدة اجتماعات من النقاش الصريح والدقيق شكلت اللجنة لجنة فرعية للتحقيق برئاستي في الأمور المالية، ثم أصدرت ثلاثة تقارير، كان الأول هو التقرير المالي، والثاني هو التقرير السياسي الذي أثار ضجة كبيرة بسبب ما احتواه من بيان التقصير وتحميل المسؤولية لبعض المسؤولين، والثالث هو التقرير العسكري الذي وصف أحداث يوم الغزو ساعة بساعة مع ذكر الإخفاقات والتضحيات التي تمت. وجميع هذه التقارير علنية، أي ليست سرية، وجرى نقاش لها في المجلس، وهي موجودة في المضابط العلنية لجلسات مجلس الأمة، كما نشرت صحيفة القبس التقرير المالي ونشرت صحيفة الطليعة التقرير السياسي، ونشرت بعض الصحف أجزاء من التقرير العسكري الذي كان طويلاً ومفصلاً، كما نشرت بعض المواقع الإلكترونية التقارير كاملة. وبعد ذلك أصدرت اللجنة تقرير مختصراً عن إعادة بناء الجيش الكويتي بعد التحرير والاتفاقيات الأمنية مع الدول الكبرى، وكان هو التقرير الوحيد الذي أضفت عليه اللجنة الصفة السرية، وهو موجود في المجلس لإطلاع الأعضاء عليه. إذاً فاللجنة كانت تقصٍّ وتحقيق معاً، والتقارير التي أصدرتها هي تقارير علنية على عكس ما يشاع، وحملت اللجنة المسؤوليات وبينت التقصير بشكل صريح مما أدى إلى زعل بعض الشيوخ مني شخصياً، كما بين التقرير الإيجابيات التي ظهرت أثناء الغزو والجهود الطيبة التي أدت إلى التحرير. ولا أدري لماذا لم يسلم المجلس التقارير الى الدكتور غانم النجار عندما طلبها رغم أنها منشورة في المضابط مثل مضبطة رقم 761 في سنة 1996. ولو كنت في المجلس لقمت بتوزيع التقارير لمن يطلبها كما فعلت من قبل، لأن التقارير كانت عادلة ودقيقة ووافق عليها المجلس ولم يعطها صفة السرية. • هدية بوب دول: بعد التحرير قرر مكتب المجلس القيام بزيارة إلى الولايات المتحدة وروسيا بوفد كبير شاركت فيه، وكان برئاسة الأخ أحمد السعدون رئيس المجلس وعضوية جاسم الصقر وحمد الجوعان، رحمهما الله، وإسماعيل الشطي ومحمد المرشد وآخرون، وقام الوفد بنشاط كبير خاصة فيما يتعلق بقضية الأسرى، كما زرنا الرئيس بوش في بيته ولم تتسع قاعة الجلوس في بيت أكبر وأقوى دولة في العالم لجلوس أعضاء الوفد ومستشاريهم والإعلام المرافق فجلس بعضنا ووقف البعض الآخر. ومن أهم المحطات لقاؤنا مع زعيم الأغلبية في الكونغرس بوب دول الذي كان مرشح الجمهوريين للرئاسة، حيث ألقى السعدون كلمة بليغة كعادته وتبعها بوب دول بكلمة منه، ثم رقيت أنا المنصة لتقديم هدية، وهي مجسم ذهبي للبوم الكويتي، ففزع بوب دول، وقال ستورطوني مع لجنة القيم في الكونغرس، فأجبته على الفور إن هذا البوم ذهبي اللون وليس من الذهب، فتبسم وشكر الوفد على الهدية، وعلمنا بعدها أن الهدايا الغالية لا يجوز لعضو الكونغرس أن يأخذها له إنما يُحتفظ بها في متحف الكونغرس. بعد هذه الحادثة وبعد جولات ومعلومات من برلمانات العالم المختلفة تقدمنا باقتراح قانون بإضافة مادة إلى قانون اللائحة الداخلية لمجلس الأمة بإنشاء لجنة للقيم البرلمانية أسوة بكل برلمانات العالم المتقدم تمنع العضو من التدخل في الشؤون القضائية والتنفيذية، كما تمنع العضو من قبول الهدايا المالية والعينية التي تزيد قيمتها على حد رمزي معين، ولكن هذا القانون لا يزال عالقاً في أروقة ولجان المجلس، ولم يعطه النواب الأولوية حتى الآن، وقبل أسابيع أصدرت القوى السياسية الكويتية بياناً طالبت فيه المجلس والحكومة بإعطاء هذا القانون الأولوية في دور الانعقاد القادم فلعل وعسى. • هدية بومبيو: تذكرت هديتنا (المتواضعة) لبوب دول عندما نشر قبل أيام خبر أن أميركا فتحت تحقيقاً في مصير هدية تلقاها وزير الخارجية الأميركي جورج بومبيو أثناء زيارته لليابان، والهدية عبارة عن زجاجة خمـــر غالية الثمــن، فوفــــــــــق الدستــــــــور الأميــــــركي لا يجوز للمسؤول الأميركي أن يقبل هذه الهدايا، ولكن يبدو أن بومبيو(لكها) أي شربها مع الوفد المرافق ولم يسلمها عند عودته. هذه الأخبار وما بينها من أحداث طيلة 30 سنة ملأتني بالفخر وبالحسرة في الوقت نفسه، فقد شعرت بالفخر عندما تذكرت أن تاريخنا الإسلامي سبق هذه الدول في هذه الأحكام فكلنا يحفظ حديث النبي صلى الله عليه وسلم، عندما رجع أحد المكلفين بمسؤولية معينة من مهمته فقال: «هذا لكم وهذا أُهدي لي»، فقال النبي صلى الله عليه وسلم «أفلا قعد في بيت أبيه أو في بيت أمه حتى ينظر أيُهدى إليه أم لا؟». (رواه مسلم ). وكذلك الأثر الذي ورد عن عمر بن الخطاب عندما أثنى على من جلب إليه كنوز كسرى كاملة غير منقوصة فوصفهم بأنهم قوم أمناء، فقال له علي بن أبي طالب «عففت فعفوا ولو رتعت لرتعوا». أما الشعور بالحسرة لأن معظم الدول الإسلامية لم تلتزم بالأحكام الإسلامية في هذه الأمور، كما لم تستفد من الدول المتقدمة التي أخذت بها من واقع تجاربها وحرصها على مصلحتها، لذلك فنذّكر المرة تلو الأخرى والذكرى تنفع المؤمنين بأهمية وضرورة إقرار هذا القانون.
مشاركة :