بانتظار أن تتبين حقيقة النوايا الروسية في الموضوع السوري بعد لقاء في موسكو بين الأسد والرئيس بوتين وذلك من خلال الاجتماع الرباعي المرتقب في فيينا يوم غد الجمعة، حرصت الرئاسة الفرنسية على إسماع صوتها خصوصا أن باريس ستكون غائبة عن الاجتماع الذي سيضم، بناء على مبادرة أميركية، وزراء خارجية الولايات المتحدة وروسيا والسعودية وتركيا. ووفق تقارير إعلامية، فإن باريس «أخذت تنتابها الظنون» إزاء ما يمكن أن تقبل به واشنطن من حلول قد تقترحها موسكو و«لا تتمسك بالأساسيات»، ومنها التشديد على ضرورة أن يتضمن أي حل سياسي رحيل الرئيس السوري عن السلطة وهو ما لم تقله موسكو أبدا، رغم إعلان رئيس وزرائها ميدفيديف أنها من خلال تدخلها العسكري المباشر في الحرب السورية «لا تدافع عن الأسد وإنما عن مصالحها في سوريا». من هذه الزاوية، يمكن فهم ما قاله الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند عصر أمس في مؤتمر صحافي مشترك في قصر الإليزيه مع رئيس مالي. فقد أجاب هولاند، ردا على سؤال عن قمة موسكو الروسية - السورية، بأنه «لا شيء يجب القيام به من أجل تعزيز وضع بشار الأسد لأنه المشكلة ولا يمكنه أن يكون الحل». وأضاف هولاند: «أريد أن أعتقد أن الرئيس بوتين قد أقنع بشار الأسد بالدخول بأسرع وقت ممكن في عملية الانتقال السياسي وأن يترك الساحة إذ هذا ما أراه لجهة ما يعنيه اللقاء». وبحسب هولاند الذي التقى الرئيس بوتين في باريس بداية الشهر الجاري وبعد فترة قصيرة من بدء الضربات الجوية الروسية، فإن التدخل الروسي «لا يمكن أن يكون له معنى إن لم يستهدف داعش ويتيح التوصل إلى انتقال سياسي أما إذا كان غرضه إنقاذ الأسد، فلن يكون هناك حل للمسألة السورية». تقول مصادر دبلوماسية في باريس، إن المشكلة مع العمليات العسكرية الروسية مزدوجة: فهي من جهة غير مفهومة الهدف «دحر داعش، ضرب المعارضة المعتدلة وعلى رأسها الجيش السوري الحر، إنقاذ النظام...» ومن جهة ثانية، لم تكشف موسكو عن تعريفها للحل السياسي وما إذا كانت تتبنى التعريف الرسمي السوري الذي يربطه بالانتهاء من الحرب على الإرهاب، أي القضاء على المعارضة بكل أشكالها وتلاوينها. من هنا، فإن باريس، بصوت رئيسها، رسمت ما يمكن تسميته «الخطوط الحمراء». لكن مشكلة فرنسا ذات وجهين: الأول، محدودية قدرتها على التأثير على مسار الحرب السورية رغم مشاركتها في ضربات جوية «نادرة» داخل الأراضي السورية. والثاني، اعتبار أنها قد تكون عاجزة أو غير راغبة في الوقوف بوجه الولايات المتحدة في حال توصلت واشنطن إلى «صفقة» ما مع الجانب الروسي. وتضيف هذه المصادر أن باريس «لا تستطيع التوكؤ على شريكاتها في الاتحاد الأوروبي»، لأن الاتحاد منقسم على نفسه ولا يجمع بين مكوناته سوى التوافق على الحدود الدنيا. لكنها، بالمقابل، يمكنها الرهان على رفض أطراف في المعارضة وعلى الموقفين السعودي والتركي من أجل «وضع العصي» في دواليب صفقة ما. يوم الخميس الماضي وبمناسبة القمة الأوروبية في بروكسل، سعى الرئيس هولاند مع المستشارة الألمانية ورئيس الوزراء البريطاني إلى بلورة موقف مشترك أو حتى «مبادرة» ثلاثية بخصوص سوريا. لكن لم يظهر من هذه الجهود شيء. والأهم من ذلك أنها حصلت قبل أن يمسك بوتين بناصية المبادرات السياسية بعد أن أمسك بالمبادرة العسكرية. ولذا، فإن الرئيس الفرنسي مصرّ على التمسك بمواقف «مبدئية» ثابتة أي عملية الانتقال السياسي التي تعني، وفق مفهوم باريس لبيان جنيف واحد، رحيل الأسد عن الحكم مع قيام «سلطة انتقالية» تضم المعارضة وشخصيات من النظام الحالي لا تنتمي إلى الصف الأول. وخلاصة الموقف الفرنسي من العمليات الروسية أنها «تستطيع أن تدعم النظام لكنها لن تنقذ بشار الأسد». تلاحظ باريس أن بوتين والأسد كليهما تحدثا عن «المسار السياسي»، وأن الأول ربط بين الحملة العسكرية والحل السياسي، بمعنى أن تفضي التطورات العسكرية إلى «منفذ» يمكن استغلاله لإعادة إطلاق العملية السياسية. والحال أن الجميع مقتنع أنه طالما لم ينجح التدخل الروسي الجوي مدعوما بالمساندة العسكرية الإيرانية ومساندة الميليشيات الداعمة للنظام من تحقيق نجاحات جدية ميدانيا، فإن الاتصالات السياسية ستراوح مكانها باعتبار أن الطرف الروسي لا يمكن أن يذهب للمفاوضات من غير أوراق رابحة يستطيع اللعب بها. لذا، من المرجح أن تستمر جهود موسكو العسكرية لا بل أن تتكثف بانتظار أن تحصل التحولات وعندها يمكن البحث جديا في السياسة والحلول.
مشاركة :